الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

هل استخراج بعض المستحضرات من الزبد يعارض ما أشار له القرآن من نفي النفع عنه؟

527935

تاريخ النشر : 27-11-2024

المشاهدات : 590

السؤال

يقول تعالى: (أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَّابِيًا ۚ وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ ۚ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ ۚ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ۚ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ) الرعد/17.
قرأت من تفسير هذه الآية أن الزبد لا فائدة فيه، وهناك بعض الأشخاص يقولون: إن في الزبد فوائد للبشرة، فهل ادعاؤهم صحيح بأن الزبد فيه فائدة، أم أن هذا غير صحيح، ويتعارض مع الآية الكريمة؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

قال الله تعالى:

أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ  الرعد/17.

قال ابن كثير رحمه الله تعالى:

” اشتملت هذه الآية الكريمة على مثلين مضروبين للحق في ثباته وبقائه، والباطل في اضمحلاله وفنائه ” انتهى. “تفسير ابن كثير” (4/568).

والزبد هنا مثل للباطل في عدم نفعه، لأنه تجتمع في صفتان:

الأولى:

أنه خليط من الأوساخ والأتربة، وبقايا الأشياء التي لا يلقي لها الناس بالا في الغالب، مختلطة برغوة الماء.

والثانية:

أن هذا الزبد سريع الاضمحلال والتلاشي، وتفرقه الرياح والعوائق المنتشرة في طريق السيل، وتجفف ما بقي منه على جوانب السيل الشمس والرياح، فلا يدوم في الأرض كالماء، ولا ينفع كنفع الماء، وبهذا وصف في الآية، قال الله تعالى: فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ.

ففي “الدر المنثور في التفسير بالمأثور” (8/420):

” وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ من طَرِيق السّديّ عَن أبي مَالك وَعَن أبي صَالح من طَرِيق مرّة عَن ابْن مَسْعُود رضي الله عنه فِي قَوْله ( فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا ) الْآيَة، قَالَ: ( فَمر السَّيْل على رَأسه من التُّرَاب والغثاء، حَتَّى اسْتَقر فِي الْقَرار وَعَلِيهِ الزّبد، فضربته الرّيح، فَذهب الزّبد جفَاء إِلَى جوانبه، فيبس فَلم ينفع أحدا، وَبَقِي المَاء الَّذِي ينْتَفع بِهِ النَّاس، فَشَرِبُوا مِنْهُ وَسقوا أنعامهم؛ فَكَمَا ذهب الزّبد فَلم ينفع، فَكَذَلِك الْبَاطِل يضمحل يَوْم الْقِيَامَة، فَلَا ينفع أَهله وكما نفع المَاء، فَكَذَلِك ينفع الْحق أَهله ) ” انتهى.

وروى الطبري في “التفسير” (13 / 498): عن ابن عباسٍ: “قولَه: ( أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا ). يقولُ: احتمَل السيلُ ما في الوادي مِن عُودٍ ودِمْنةٍ …”.

وقال ابن قتيبة رحمه الله تعالى:

” ( فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً )، أي: يلقيه الماء عنه، فيتعلّق بأصول الشّجر وبجنبات الوادي، وكذلك خبث الفلزّ يقذفه الكير. فهذا مثل الباطل.

وأمّا الماء الذي ينفع النّاس، وينبت المرعى، فيمكث في الأرض، وكذلك الصّفو من الفلزّ يبقى خالصا لا شوب فيه. فهو مثل الحق ” انتهى. “تأويل مشكل القرآن” (ص 326).

وقال ابن كثير رحمه الله تعالى:

” ولهذا قال: (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً)، أي: لا ينتفع به، بل يتفرق ويتمزق ويذهب في جانبي الوادي، ويعلق بالشجر وتنسفه الرياح. وكذلك خبث الذهب والفضة والحديد والنحاس يذهب، لا يرجع منه شيء، ولا يبقى إلا الماء وذلك الذهب ونحوه ينتفع به … ” انتهى. “تفسير ابن كثير” (4 / 568).

ثانيا:

ما ذكر في السؤال من الانتفاع بالزبد في بعض المستحضرات الطبية والتجميلية، فبمراجعة بعض الصفحات المهتمة بأمور الطب يتبيّن أن هذا النفع غير مقطوع به، بل هو في حاجة إلى مزيد من الدراسات.

ثم الزبد المنتفع به هو زبد البحر، وليس زبد السيل، فلا إشكال إذن؛ لأن الآية عن زبد السيل، وهناك فرق شاسع بين زبد البحر، وزبد السيل:

فزبد البحر المنتفع به هو الخالي من أوساخ البر، والمتكون من محتويات البحر نفسه، فهو في الحقيقة استعمال لماء البحر ومكوناته، ثم إما أن يعود ويتحلل في البحر نفسه، وإما أن يبقى مجتمعا على شاطئ البحر مدة ثم يتحلل.

وأما زبد السيل فهو كما سبق ما يتكون من رغوة سريعة التحلل مع ما تختلط به من الأتربة والأوساخ، ثم يفرقها السيل أثناء سيره في الخلاء فلا نفع فيه.

ثالثا:

على فرض أن زبد السيل فيه بعض الفوائد ، فالذي ينبغي أن يفهم القرآن الكريم ، على ما يفهمه العرب ، ويفهمه العقلاء من الخطاب .

فنفي الانتفاع بالزبد –على فرض أنه ثبت أن له منفعة- يكون المراد به نفي الانتفاع في أغلب الأحوال ، ولأغلب الناس ، أو نفي الانتفاع به على صورته التي هو عليها .

وقد انتفع الناس الآن بالقمامة وغيرها، حتى المياه النجسة عن طريق إعادة تدويرها ، ولو قال إنسان : إنني أرمي القمامة لأنها لا منفعة فيها ، لكان هذا الكلام صحيحا معقولاً.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب