الأربعاء 15 شوّال 1445 - 24 ابريل 2024
العربية

تسلط الشيطان عليه بالشهوات المحرمة ، والشبهات الباطلة !!

93421

تاريخ النشر : 17-01-2007

المشاهدات : 19338

السؤال

في رمضان الماضي مارستُ العادة السرية حوالى 4 أيام في نهار رمضان ، وأكلتُ بعدها لتأكدي من فساد صيامي ، والأكثر من ذلك أنني أصبحتُ وفي رمضان الحالي أمارسها بعد الإفطار ، لا أعرف كيف أصبر في نهار رمضان وأفعلها في ليله ، وصرت أسمع الغناء كذلك في رمضان .
كانت تأتيني بعض الوساوس والشبهات التى تدور في ذهني دون أن أسمعها من أحد ، ولكنني أتجاهلها ؛ ليقيني بأن هذا هو الدين الحق ؛ لما قرأت عنه في الإعجاز العلمي , وأحاديث صدق نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم ، بينما لا توجد بشارات أو إعجاز في الأديان الأخرى ، ولم نسمع مطلقاً بذلك إلا في الإسلام , ولكن دون جدوى ، أحياناً أسمع حديثاً ما ، وعقلي لايصدقه ، ويرفضه ، كالحديث الذي يخبر أن الجنة تفتح أبوابها كل يوم إثنين وخميس ، فقلت في نفسي كيف ذلك ؟! هناك بعض الدول البعيدة عنا والتى تختلف معنا في الأيام ، فمثلا اليوم عندنا الإثنين ، وفي نيوزيلندا وتلك البلاد قد يكون عندهم الثلاثاء ، أعني عدم توافق الزمن ، وهكذا , عقلي أجده يفكر في أشياء وحده من هذا النوع .
آسف جدّاً على الإطالة ، إفادتي فيما يجب عليَّ فعله ، وجزاكم الله خيراً .
 

الجواب

الحمد لله.


أولاً :
أما حكم العادة السرية : فالصحيح من أقوال أهل العلم أنها محرمة ، وقد بيَّنا ذلك في جواب السؤال رقم ( 329 ) ، لذا فالواجب عليك التوبة والاستغفار من هذه الفعلة ، والكف عنها ، وعدم الرجوع لفعلها .
ثانياً :
قد اتفق الأئمة الأربعة على أن من فعل ذلك فقد بطل صومه ، ووجب عليه القضاء .
سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :
في رمضان السابق وأنا صائم وقعت في العادة السرية ، فماذا يجب عليَّ ؟ .
فأجاب فضيلته :
عليك أن تتوب إلى الله من هذه العادة ؛ لأنها محرمة على أصح القولين لأهل العلم ؛ لقوله تعالى : ( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ . إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ . فَمَنِ ابْتَغَى وَرَآءَ ذالِكَ فَأُوْلَائِكَ هُمُ الْعَادُونَ ) ؛ ولقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ، فمن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء ) ، فأرشد النبي صلى الله عليه وسلم الشباب الذين لا يستطيعون الباءة إلى الصوم ، والصوم فيه نوع من المشقة بلا شك ، ولو كانت العادة السرية جائزة لأرشد النبي صلى الله عليه وسلم إليها ؛ لأنها أهون على الشباب ؛ ولأن فيها شيئاً من المتعة ، وما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعدل عن الأسهل إلى الأشق لو كان الأسهل جائزاً ؛ لأنه كان من عادته صلى الله عليه وسلم أنه ما خُيِّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما ، ما لم يكن إثماً ، فعدول النبي صلى الله عليه وسلم عن الأيسر في هذه المسألة يدل على أنه ليس بجائز .
أما بالنسبة لعمله إياها وهو صائم في رمضان : فإنه يزداد إثماً ؛ لأنه بذلك أفسد صومه ، فعليه أن يتوب إلى الله توبتين ، توبة من عمل العادة السرية ، وتوبة لإفساد صومه ، وعليه أن يقضي هذا اليوم الذي أفسده .
" فتاوى الشيخ العثيمين " ( 19 / السؤال 191 ) .
وانظر جواب الأسئلة : ( 38074 ) و ( 37887 ) و ( 2571 ) .

ولم يكن لك أن تأكل بعد أن أفسدتَ صيامك بالعادة السرية ، وليس لمن أبطل صومه بفعل مباحٍ في الأصل كالجماع ، أو فعل محرَّم كالاستمناء أن يأكل ويشرب ؛ بل يجب عليه الإمساك بقية يومه ، وإن كان إمساكه لا يعدُّ صياماً ، وإنما الذي يجوز له الأكل والشرب والجماع هو من أفطر برخصة من الشرع ، وبعذر شرعي .
سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - :
إذا أفطر الإنسان لعذرٍ وزال العذر في نفس النهار فهل يواصل الفطر أم يمسك ؟ .
فأجاب :
الجواب : أنه لا يلزمه الإمساك ؛ لأن هذا الرجل استباح هذا اليوم بدليل من الشرع ، فحرمة هذا اليوم غير ثابتة في حق هذا الرجل ، ولكن عليه أن يقضيه ، وإلزامنا إياه أن يمسك بدون فائدة له شرعاً ، ليس بصحيح ، ومثال ذلك : رجل رأى غريقاً في الماء ، وقال : إن شربت أمكنني إنقاذه ، وإن لم أشرب لم أتمكن من إنقاذه ، فنقول : اشرب وأنقذه ، فإذا شرب وأنقذه فهل يأكل بقية يومه ؟ نعم ، يأكل بقية يومه ؛ لأن هذا الرجل استباح هذا اليوم بمقتضى الشرع ، فلا يلزمه الإمساك .
ولهذا لو كان عندنا إنسان مريض ، هل نقول لهذا المريض : لا تأكل إلا إذا جعت ولا تشرب إلا إذا عطشت ؟ لا ؛ لأن هذا المريض أبيح له الفطر ، فكلُّ مَن أفطر في رمضان بمقتضى دليل شرعي : فإنه لا يلزمه الإمساك ، والعكس بالعكس ، لو أن رجلاً أفطر بدون عذر ، وجاء يستفتينا : أنا أفطرت وفسد صومي هل يلزمني الإمساك أو لا يلزمني ؟ قلنا : يلزمك الإمساك ؛ لأنه لا يحل لك أن تفطر ، فقد انتهكت حرمة اليوم بدون إذن من الشرع ، فنلزمك بالبقاء على الإمساك ، وعليك القضاء ؛ لأنك أفسدت صوماً واجباً شرعت فيه .
" فتاوى ابن عثيمين " ( 19 / السؤال رقم 57 ) .
ثالثاً :
أما سماعك الغناء : فهو فعل محرَّم ، وقد سبق بيان حكم الأغاني المصاحبة للآلات المحرَّمة في أجوبة الأسئلة : ( 43736 ) و ( 5000 ) و ( 20406 ) و ( 5011 ) .
ربعاً :
أما عن الشبهات التي تطرأ على قلبك أخي الفاضل : فاعلم أنها من مكائد الشيطان ، واعلم أن مثل هذه الشبهات لا تطرأ على صاحب العلم واليقين ، فكن من أهلهما ، واحرص على زيادتهما لترى أنه لا مكان للشبهات عند أصحابهما .
واجعل في صحابة نبيك صلى الله عليه وسلم خير أسوة لك ، فعندما أخبرهم نبيهم صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى ينزل إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من كل ليلة – كما جاء في الصحيحين – هل استشكلوا ذلك ؟ هل قالوا كيف ذلك وهنا ثلث ليل وهناك في أقصى الأرض نهار في الوقت نفسه ؟ لم يكن من ذلك شيء ؛ لما عندهم من علم بالكتاب والسنَّة ، ويقين بصدق نبيهم ، وأن ما قاله وحي من ربه تعالى ، فماذا فعلوا ؟ سارعوا إلى الدعاء والصلاة في ثلث الليل الآخر ، وهذا هو المطلوب من كل مسلم ، أن يسلِّم بصدق النبي صلى الله عليه وسلم ، ويستجيب لأوامره ، وإلا كان مشابهاً للكفار الذين أنكروا إسراءه لبيت المقدس ، ومعراجه للسماء في جزء من الليل ، ومن كان مصدِّقاً لما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم : كان مشابهاً للصدِّيق أبي بكر رضي الله عنه .
وعندما أخبرهم نبيهم صلى الله عليه وسلم أن الدجال يمكث في الأرض أربعين يوماً ، يوم كسنَة ، ويوم كشهر ، ويوم كأسبوع ، وسائر أيامه كأيامكم – كما رواه مسلم - ، فماذا فعل الصحابة رضي الله عنهم ؟ هل توقفوا ؟ هل استشكلوا ؟ هل ردوا الخبر ؟ كل ذلك لم يكن ، وإنما سألوا عن صلاتهم في اليوم الذي يكون كسنَة !! وهذا هو موقف أهل العلم واليقين من الأخبار الصادقة عن النبي صلى الله عليه وسلم .
وما ذكرته من أن الجنة تفتح أبوابها يوم الاثنين والخميس : هو حديث صحيح ، رواه مسلم وغيره ، فهل علمتَ ماذا حوى من علم وتوجيه للمسلمين ؟ اقرأ الحديث وتمعن فيه جيداً :
روى مسلم في صحيحه (2565) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا ، إِلَّا رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ فَيُقَالُ : أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا ، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا ، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا ) .
انظر في الحديث وما حوى من عظم الشرك وخطره ، وانظر إلى عظم القطيعة والشحناء بين المسلمين ، ثم انظر لنفسك تترك ذلك كله لتستشكل ما استشكلت ، وليس الأمر عجزاً عن الرد ، بل هو لتأصيل موقف المسلم من صحيح السنَّة ، وموقفه مما يطرأ على قلبه من الشبهات ، ومعرفة سبب ذلك ، وكيف يدفعه .
واعلم أنك لو تراجع نفسك في اعتقادك بربك تعالى فإنك ستجد نفسك تؤمن بما هو أعظم وأعلى من ذلك بكثير ، فأنت تؤمن أن الله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور لكل خلقه في اللحظة نفسها ، وأنت تؤمن أن الله تعالى يسمع كلام خلقه على اختلاف لغاتهم في اللحظة نفسها ، فأين هذا مما يجيء به الشيطان للمسلم من استعظامه لبعض صفات الرب تعالى ، أو لبعض الأحكام ؟! .
وقد رأينا للإمام ابن القيم كلاماً متيناً حول هذا الموضوع بعينه ، نرجو أن يكون كافياً لكل أحدٍ يقرؤه في قطع كل شبهة ترد على القلب مما ليس أساس من العلم ، وفي كلامه رحمه الله بيان أسباب ورود الشبهات ، وطريقة دفعها .
قال ابن القيم – رحمه الله - :
وقوله – أي : علي بن أبي طالب رضي الله عنه - " ينقدح الشك في قلبه بأول عارض من شبهة " : هذا لضعف علمه ، وقلة بصيرته ، إذا وردت على قلبه أدنى شبهة : قدحت فيه الشك والريب ، بخلاف الراسخ في العلم لو وردت عليه من الشبَه بعدد أمواج البحر ما أزالت يقينه ، ولا قدحت فيه شكّاً لأنه قد رسخ في العلم ، فلا تستفزه الشبهات ، بل إذا وردت عليه : ردها حَرَسُ العلم ، وجيشه ، مغلولةً ، مغلوبةً ، والشبهة وارد يرد على القلب يحول بينه وبين انكشاف الحق له ، فمتى باشر القلب حقيقة العلم : لم تؤثر تلك الشبهة فيه ، بل يقوى علمه ويقينه بردها ومعرفة بطلانها ، ومتى لم يباشر حقيقة العلم بالحق قلبه : قدحت فيه الشك بأول وهلة ، فإن تداركها وإلا تتابعت على قلبه أمثالها حتى يصير شاكّاً مرتاباً ، والقلب يتوارده جيشان من الباطل : جيش شهوات الغي ، وجيش شبهات الباطل ، فأيما قلب صغا إليها ، وركن إليها : تشرَّبها ، وامتلأ بها ، فينضح لسانه وجوارحه بموجبها ، فإن أُشرب شبهات الباطل تفجرت على لسانه الشكوك والشبهات والإيرادات ، فيظن الجاهل أن ذلك لسعة علمه ، وإنما ذلك من عدم علمه ويقينه .
وقال لي شيخ الاسلام رضي الله عنه – أي : ابن تيمية - وقد جعلت أُورد عليه إيراداً بعد إيراد - : لا تجعل قلبَك للإيرادات والشبهات مثل السفنجة فيتشربها فلا ينضح إلا بها ، ولكن اجعله كالزجاجة المصمتة تمر الشبهات بظاهرها ولا تستقر فيها ، فيراها بصفائه ، ويدفعها بصلابته ، وإلا فإذا أشربت قلبك كل شبهة تمر عليها : صار مقرّاً للشبهات ، أو كما قال ، فما أعلم أني انتفعت بوصية في دفع الشبهات كانتفاعي بذلك .
وإنا سميت الشبهة شبهة لاشتباه الحق بالباطل فيها ؛ فإنها تلبس ثوب الحق على جسم الباطل ، وأكثر الناس أصحاب حُسن ظاهر ، فينظر الناظر فيما ألبسته من اللباس : فيعتقد صحتها ، وأما صاحب العلم واليقين : فإنه لا يغتر بذلك ، بل يجاوز نظره إلى باطنها ، وماتحت لباسها ، فينكشف له حقيقتها ، ومثال هذا : الدرهم الزائف ، فإنه يغتر به الجاهل بالنقد نظراً إلى ما عليه من لباس الفضة ، والناقد البصير يجاوز نظره إلى ما وراء ذلك ، فيطَّلع على زيفه .
" مفتاح دار السعادة " ( 1 / 139 ، 140 ) .
ونسأل الله تعالى أن يهديك لما يحب ويرضى ، وأن يوفقك لكل خير ، وأن يثبت قلبك على الإيمان ، وأن يزيدك هدى وعلماً وتوفيقاً .

والله أعلم
 

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب