الحياة الإسلامية هي أفضل حياة يمكن أن يحياها الإنسان، ولكن في بعض الأحيان يكون الأمر صعباً وأشعر بأنه لا أمل في المواصلة.
الحياة الإسلامية هي أفضل حياة يمكن أن يحياها الإنسان وهذه الحياة تحتاج إلى صبر وتحمل والتمسك بالدين ليس بالأمر السهل بل هو كحال القابض على الجمر وأن المعين على ذلك بعد توفيق الله هو الصبر على هذا الطريق حتى يلقى العبد ربه غير مفرط ولا مبدل. واحذر من دبيب اليأس إلى قلبك، وكن على ثقة بوعد الله لهذه الأمة بالنصر والتمكين.
الحمد لله.
فقد أحسنت أيها الأخ السائل – بارك الله فيك – حين قررت أن الحياة الإسلامية هي أفضل حياة يمكن أن يحياها الإنسان؛ فهذه حقيقة عظيمة قل من يدركها من بني البشر، فضلاً عن أن يقتنع بها، وقد بين الله تعالى ذلك في غير موضع من كتابه.
قال تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل: 97].
كما بين سبحانه أن من أعرض عن الإيمان بالله وذكره فقد عرض نفسه لحياة الضنك والشقاء كما قال تعالى: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا* قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى* وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى [طه: 126، 127].
فإذا علمت ذلك – أخي الكريم – واستقر في قلبك، واطمأنت به نفسك، ثم علمت أن الله تعالى ما خلق هذا الكون بأرضه وسمائه وبحاره وأنهاره، وجباله وسهوله ووهاده وصحاراه؛ إلا من أجلك أنت أيها المخلوق الضعيف الفقير؛ كما قال سبحانه: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا [البقرة: 29]، ثم علمت أن الحكمة العظمى من وجودك في هذه الدار إنما هي عبادة ربك وخالقك وبارئك الذي أحسن كل شيء خلقه وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات: 56].
وأنه سبحانه ما خلق الموت والحياة إلا ليختبر عباده ويبتليهم في أدائهم لهذه العبادة، وقيامهم بحق الله فيها: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ [الملك: 2]، ثم تكرم سبحانه على عباده فوعد المحسنين في هذه الدار، بأن لهم عنده في تلك الدار جنة عرضها السماوات والأرض، فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر؛ كما وعد المسيء المفرط في حقه سبحانه بأن له نارا تلظى، لا يموت فيها ولا يحي، وجعل فيها من أنواع النكال والعذاب ما يشيبُ الوليد سماعُه فضلا عن رؤيته ومعاينته نسأل الله لنا ولك السلامة منها.. آمين.
فإذا عرفت هذا معرفة قلب ويقين؛ علمت أن الفوز بهذا النعيم العظيم، والنجاح في هذا الامتحان الخطير، لا يكون إلا على جسر من التعب والمشقة التي تحتاج إلى صبر وتحمل ومعاناة . لكنها مشقة سرعان ما تنقضي، ومعاناة عن قريب تنتهي؛ ليعقبها راحة أبدية ونعيم سرمدي فما عسى أن تساوي مشقة ساعة، ولحظة ألم؛ إذا ما قورنت بنعيم الدهر ولذة الأبد.. نسأل الله تعالى أن يمن علينا وعليك بفضله وجنته.. آمين.
ثم اعلم أخي- وفقك الله لهداه- أنه كلما اشتدت غربة الدين وقل المتمسكون بالحق – كما هو الحال في زماننا هذا – صعب على النفس الثبات عليه ؛ وشق عليها مخالفة الكثرة الكاثرة من الخلق. ولذا فقد اقتضت حكمة الله تعالى وكرمه مضاعفة أجور المؤمنين الصادقين الثابتين على الحق؛ الذين قدموا رضاه على ما سواه، وضحوا في سبيل ذلك بالغالي والنفيس. ففي صحيح مسلم (145) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَدَأَ الإِسْلامُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا فَطُوبَى لِلْغُرَبَاء.
وفي سنن الترمذي (3058) عن أبي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيَّ رضي الله عنه أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: .. إِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامًا الصَّبْرُ فِيهِنَّ مِثْلُ الْقَبْضِ عَلَى الْجَمْرِ لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلا يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِكُمْ. وفي رواية : قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنَّا أَوْ مِنْهُمْ، قَالَ: بَلْ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ. وصححه الألباني في “صحيح الترغيب والترهيب” (3172).
فدلت هذه الأحاديث العظيمة وغيرها على أن الناس في آخر الزمان يكثر فيهم أهل الشر والفساد، ويقل فيهم أهل الخير والتقوى والصلاح، وذلك لكثرة الفتن، وانتشار المعاصي والمغريات حتى يصبح المتمسك بالدين غريباً بينهم ؛ بل ربما صار غريبا بين أهله وذويه.
كما دلت على أن التمسك بالدين ليس بالأمر السهل بل هو كحال القابض على الجمر، وأن المعين على ذلك بعد توفيق الله هو الصبر على هذا الطريق حتى يلقى العبد ربه غير مفرط ولا مبدل فيلقى رباً راضياً غير غضبان يوفيه أجره مضاعفا أضعافاً كثيرة. فمن علم هذا حق العلم هان عليه ما يلقى في سبيل ما ينتظره عند ربه بمشيئة الله تعالى وكرمه وفضله.
وهذا الذي قلناه إذا كانت تشعر بصعوبة الأمر على نفسك، وخوفك من أن يضعف صبرك، وتزل قدمك عن طريق الثبات.
فأما إن تشعر أنه لا أمل لك في العمل على نشر هذه الحياة الإسلامية التي تحياها، فيمن حولك، وإعادتهم إليها، كما هو الواجب عليك لشدة ما تلاقي من الممانعة والمحاربة، وعوامل الهدم لبنائك، فأعلم أن كل خطوة تخطوها في ذلك الطريق نصر، وصدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وإنك لا تدري متى تعمل الكلمة التي تقولها في نفس من سمعها، فلعلها تنفعه، ولو بعد حين، ولا ينبغي أن ينقطع رجاؤك في ذلك النفع يوماً: وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [الأعراف: 164].
واحذر من دبيب اليأس إلى قلبك، فإنه: لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ [يوسف: 87]، واحذر من القنوط فإنه ضلالة: وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ [الحجر: 56].
واعلم أن خطاك لن تضيع، فما دمت على الطريق، فنقطتك التي ينتهي إليها أجلك هي محطة الوصول لك: وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [النساء: 100]، ثم يأتي الدور على من بعدك، ليحمل عنك الراية ويكمل باقي الطريق، وكم في هذه الأمة من بقايا: لا يَزَالُ اللَّهُ يَغْرِسُ فِي هَذَا الدِّينِ غَرْسًا يَسْتَعْمِلُهُمْ فِي طَاعَتِهِ رواه ابن ماجه، وحسنه الألباني في “سنن ابن ماجه” (1/5).
وكن على ثقة بوعد الله لهذه الأمة بالنصر والتمكين: وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ [الأنبياء: 105]، ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو ذل ذليل عزا يعز الله به الإسلام وذلاً يذل الله به الكفر رواه أحمد، وصححه الألباني في، “السلسلة الصحيحة” (32)، (ويمكنك الرجوع إلى محاضرة: لا تيأس فالنصر قادم).
فأوصيك أيها الأخ الكريم بالثبات على الدين وعدم التزحزح عنه رغم كثرة الفتن والمغريات، وكثرة العوائق والمثبطات، واعلم أن العاقبة للمتقين.
وعليك بالحرص على جميع الوسائل التي تعينك على الثبات على دين الله، وستجد في هذا الموقع رسالة في بيان طرق ووسائل الثبات على الدين أنصحك بمراجعتها والاطلاع عليها.
وفي ختام هذه الكلمات أحب أن أتركك – أخي الكريم – مع هذه الآيات العظيمة من كتاب الله تعالى والتي أنزلها على عبده محمد صلى الله عليه وسلم لتكون شفاء لقلوب المؤمنين، ودواء لأمراضها؛ فاقرأها قراءة تدبر وتأمل، وإذا تيسر لك مراجعة تفسيرها في أحد التفاسير المختصرة: كتفسير الشيخ عبد الرحمن ابن سعدي، أو تفسير ابن كثير رحمه الله ـ فهذا حسن ـ.
قال الله تعالى: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ [البقرة: 214].
وقال جل شأنه: الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ [العنكبوت: 1 – 3].
وقال عز وجل: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ * وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ [العنكبوت: 9، 10].
وقال تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ [الحج: 11].
وقال سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ [فصلت: 30].
وقال عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأحقاف: 13، 14].
إلى غير ذلك من الآيات التي تحث على التمسك بالدين وتبين ما أعد الله للمؤمنين الصاقين، وكتاب الله مليء بالآيات التي تقرر هذا المعنى وتوضحه وتبينه أبلغ بيان فأنصحك ـ أخي ـ بالإقبال على قراءة القرآن قراءة تدبر وتعقل، وستجد فيه بإذن الله خير معين لك على الصبر وعدم الملل أو اليأس أو استطالة الطريق، فهذه الدار الدنيا سرعان ما تفنى وتزول ثم يلقى العبد ما قدمه عند ربه إن خيراً فخير وإن شراً فشر يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ [آل عمران: 30].
أسأل الله أن يشرح صدرك للخير وأن يثبتك عليه حتى تلقاه، وأن يصرف عنك السوء والشر إنه سميع قريب. والله تعالى أعلى وأعلم.
وصلى الله وسلم على عبده ونبيه محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
والله أعلم.