هل يرى المؤمنون ربهم في الجنة؟

06-01-2002

السؤال 14525

هل ثبت أن المؤمنين يرون ربهم في الدار الآخرة؟

ملخص الجواب:

خص الله سبحانه المؤمنين بمزيد من الإنعام في الدنيا بأن مَنَّ عليهم بالإسلام، واصطفاهم بالقرآن، وسيخصهم في الجنة بأعظم نعمة أنعم عليهم بها؛ ألا وهي تشريفهم وإكرامهم بالنظر إلى وجهه الكريم في جنة عدن، كما قال تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 22، 23].

الجواب

الحمد لله.

الدليل على رؤية الله في الجنة من القرآن

إن نعم الله على عباده لا تحصى، وقد خص سبحانه المؤمنين بمزيد من الإنعام في الدنيا بأن مَنَّ عليهم بالإسلام، واصطفاهم بالقرآن، وسيخصهم في الجنة بأعظم نعمة أنعم عليهم بها؛ ألا وهي تشريفهم وإكرامهم بالنظر إلى وجهه الكريم في جنة عدن، كما قال تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ* إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة: 22، 23].

أي: أن وجوه المؤمنين تكون حسنة بهية مشرقة مسرورة بسبب نظرها إلى وجه ربها، كما قال الحسن رحمه الله: “نظرت إلى ربها فنضرت بنوره”.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما: “وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ قال: من النعيم إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ قال: تنظر إلى وجه ربها نظراً”. وهذا قول المفسرين من أهل السنة والحديث.

وقال جل شأنه: لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ [ق: 35].

فالمزيد هنا هو: “النظر إلى وجه الله عز وجل” كما فسره بذلك علي وأنس بن مالك رضي الله عنهما.

وقال سبحانه: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ [يونس: 26].

فالحسنى الجنة والزيادة هي النظر إلى وجه الله الكريم، كما فسرها بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيما رواه مسلم في صحيحه (266) عَنْ صُهَيْبٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ قَالَ: يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ فَيَقُولُونَ أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ وَتُنَجِّنَا مِنْ النَّارِ قَالَ فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنْ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ وهي الزيادة ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس: 26].

فإذا علمت أن أهل الجنة لا يعطون شيئاً فيها أحب إليهم من النظر إلى وجه ربهم جل وعلا تبين لك مدى الحرمان، وعظيم الخسران، الذي ينتظر المجرمين الذين توعدهم الله بقوله: كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ [المطففين: 15] نسأل الله السلامة والعافية.

ومن جميل ما يروى عن الشافعي ما ذكره عنه الربيع بن سليمان ـ وهو أحد تلاميذه ـ: قال: حضرت محمد بن إدريس الشافعي وقد جاءته رقعة من الصعيد فيها: ما تقول في قول الله عز وجل: كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ [المطففين: 15]؟ فقال الشافعي: “لما أن حجب هؤلاء في السخط، كان في هذا دليلٌ على أن أولياءه يرونه في الرضى”. 

فهذه بعض الأدلة من القرآن على ثبوت رؤية المؤمنين لربهم في الجنة.

الدليل على رؤية الله في الجنة من السنة

وأما أدلة السنة فهي كثيرة جداً، فمنها:

وَفِي رِوَايَة لِلْبُخَارِيِّ: لا تَضَامُّون أَوْ لا تُضَارُّونَعَلَى الشَّكّ وَمَعْنَاهُ: لَا يَشْتَبِه عَلَيْكُمْ وَتَرْتَابُونَ فِيهِ فَيُعَارِض بَعْضكُمْ بَعْضًا فِي رُؤْيَته. ولا يلحقكم في رؤيته مشقة أو تعب. وَاَللَّه أَعْلَم. ا.هـ مختصرا من شرح مسلم.

والتشبيه الذي في الأحاديث هو تشبيه للرؤية بالرؤية، أي أننا كما نرى الشمس في اليوم الصحو في غاية الوضوح، ولا يحجب أحد رؤيتها عن أحد رغم كثرة الناظرين إليها، وكما نرى القمر مكتملا ليلة البدر وهو في غاية الوضوح، لا يؤثر كثرة الناظرين إليه على وضوح رؤيته فكذلك يرى المؤمنون ربهم يوم القيامة بهذا الوضوح والجلاء، وليس المقصود من الأحاديث تشبيه المرئي بالمرئي – تعالى الله- فإن الله ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.

وقد روى أحاديث الرؤية نحوٌ من ثلاثين صحابيا، ومن أحاط بها معرفة يقطع بأن الرسول صلى الله عليه وسلم قالها. فمن زعم بعد هذا أن الله تعالى لا يُرى في الآخرة فقد كذب بالكتاب وبما أرسل الله به رسله، وعرَّض نفسه للوعيد الشديد الوارد في قوله تعالى: كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ [المطففين: 15] نسأل الله تعالى العفو والعافية، ونسأله أن يرزقنا لذة النظر إلى وجهه الكريم.. آمين.

 المراجع:

“شرح العقيدة الطحاوية”  (1/ 209 وما بعدها).

“أعلام السنة المنشورة” للشيخ حافظ الحكمي (ص: 141).

والله أعلم.

الجنة والنار
عرض في موقع إسلام سؤال وجواب