الحمد لله.
ثانياً :
والجمع بين الآية والحديث أن يقال : إن عموم الحديث مخصوص بالآية ، فيحمل الحديث :
( ومن هم بسيئة فلم يعملها كتبت له حسنة ) على غير الحرم ، فيكون المعنى : أن
الإنسان يؤاخذ على الهم السيئ في الحرم ، وأما في غير الحرم فلا يؤاخذ .
قال ابن القيم رحمه الله : " ومن خواصه أنه يعاقب فيه على الهم بالسيئات وإن لم
يفعلها ، قال تعالى : ( ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم ) الحج / 25 ،
فتأمل كيف عدى فعل الإرادة هاهنا بالباء ، ولا يقال : أردت بكذا إلا لما ضمن معنى
فعل " همّ " ، فإنه يقال : هممت بكذا ، فتوعد من همّ بأن يظلم فيه بأن يذيقه العذاب
الأليم " انتهى من " زاد المعاد " ( 1 / 51) .
وقال الشيخ محمد الأمين
الشنقيطي رحمه الله : " قال بعض أهل العلم : من همَّ أن يعمل سيئة في مكة : أذاقه
الله العذاب الأليم بسبب همِّه بذلك ، وإن لم يفعلها ، بخلاف غير الحرم المكي من
البقاع فلا يعاقب فيه بالهمّ ، وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : " لو أن رجلاً
أراد بإلحاد فيه بظلم وهو بِعَدَنٍ أَبْيَن لأذاقه الله من العذاب الأليم " ، وهذا
ثابت عن ابن مسعود ، ووقفه عليه أصح من رفعه ، والذين قالوا هذا القول استدلوا له
بظاهر قوله تعالى : ( وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ
عَذَابٍ أَلِيمٍ ) لأنه تعالى رتَّب إذاقة العذاب الأليم على إرادة الإلحاد بالظلم
فيه ترتيب الجزاء على شرطه ، ويؤيد هذا قول بعض أهل العلم إن الباء في قوله (
بإلحاد ) لأجل أن الإرادة مضمنة معنى الهمِّ ، أي : ومن يهم فيه بإلحاد ، وعلى هذا
الذي قاله ابن مسعود وغيره .
فهذه الآية الكريمة مخصِّصة لعموم قوله صلى الله عليه وسلم : ( ومن همَّ بسيئة فلم
يعملها كُتبت له حسنة ) الحديث ، وعليه : فهذا التخصيص لشدة التغليظ في المخالفة في
الحرم المكي ، ووجه هذا ظاهر " انتهى من " أضواء البيان " ( 4 / 294 ، 295 ) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه
الله : " إن قوله : ( ومن هم بسيئة فلم يعملها كتبت له حسنة ) هذا في غير مكة وتكون
مكة مستثناة من ذلك ، أي : أنه يؤاخذ الإنسان فيها بالهمّ ، وفي غيرها لا يؤاخذ "
انتهى من " لقاء الباب المفتوح " .
والله أعلم