الحمد لله.
ثانيا :
أما الزكاة الواجبة فلا يجوز صرفها في غير الأصناف الثمانية التي بينها الله تعالى
في كتابه.
والأصل : أن تدفع الزكاة للمستحق مالا لينفقه في حاجته ، ويستثنى من ذلك حالات عدم
أهلية مستحق الزكاة لنحو جنون أو صغر ، أو سفه ، أو الحالة التي يتم فيها استئذان
المستحق للزكاة ليشترى له ما يحتاجه فيكون توكيلا منه للمشتري .
وقد سبق تفصيل هذه المسألة في الأسئلة رقم : (42542)
، (138684).
ثالثا :
أما دفع الإيجار لمقر الجمعية فلا يجوز صرف الزكاة فيه .
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" الجمعية الخيرية تجمع أموال زكاة وتوزعها على الفقراء والمساكين ، وهي الآن في
بناية لي ، فهل لها أن تدفع إيجار المبنى من أموال الزكاة ؟" .
فأجاب :
" أموال الزكاة : لا يجوز أن يدفع منها، ثم الواجب على هذه الجمعية أن تفعل كما فعل
غيرها : أن تجعل بنداً خاصاً للزكاة ، وبنداً للصدقات ، وبنداً للأعمال الخيرية
العامة .
المهم أنها لابد أن تميز الزكاة عن غيرها .
السائل: ما وجدنا يا شيخ من أموال الصدقات أو التبرعات الأخرى ما يفي سداد الإيجار؟
الشيخ: إذا لم تجد ، تطلب من شخص معين أجرة هذا المكان " .
انتهى من " لقاءات الباب المفتوح " (141/12) .
رابعا :
استخدام أموال الزكاة في تمويل المشروعات التنموية المذكور في السؤال فيه تفصيل :
1. فأما صرف أموال الزكاة في
شراء الكتب لتعليم الأمي : فالأصل كما سبق أنه لا بد من تمليك الفقير مال الزكاة ،
وعليه فليس لكم شراء الكتب من مال الزكاة للفقير ، إلا في حالة حاجة الفقير إليها ،
وعدم أهليته للتصرف وقضاء حاجته بنفسه ، كما سبق ذكره في الفقرة "ثانيا" ؛ ولكن إذا
طلب الفقير زكاة ليصرفها في شراء كتب يرفع الجهل بها عن نفسه في دينه ، أو يحتاجها
في مصلحة دنياه ، بما يعينه على التكسب ودفع حاجته : فهي داخلة في حاجات الفقير
التي تصرف فيها الزكاة .
قال المرداوي :
وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : جَوَازَ الْأَخْذِ مِنْ الزَّكَاةِ
لِشِرَاءِ كُتُبٍ يَشْتَغِلُ فِيهَا بِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ كُتُبِ الْعِلْمِ
الَّتِي لَا بُدَّ مِنْهَا لِمَصْلَحَةِ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ انْتَهَى، وَهُوَ
الصَّوَابُ. " .
انتهى من "الإنصاف" (3/ 218) .
كما يجوز صرف الزكاة لشراء كتب شرعية لطالب علم متفرغ له ، وإنشاء مكتبات شرعية
تعين على التفقه في الدين ، قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" الذي أرى جواز صرف الزكاة لطلبة العلم المنقطعين لطلبه إذا كان علماً شرعيًّا ؛
لأن الدين قام بالعلم والسلاح ، قال الله تعالى : ( يَاأَيُّهَا النَّبِىُّ جَاهِدِ
الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ
وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) ، ومن المعلوم أن جهاد المنافقين إنما هو بالعلم لا بالسلاح ،
وعلى هذا فتصرف الزكاة لهم في نفقاتهم ، وما يحتاجون إليه من الكتب ، سواء كان على
سبيل التمليك الفردي الذي يشترى لكل فرد منهم ، أم على سبيل التعميم كالكتب التي
تشترى فتودع في مكتبة يرتادها الطلاب ، لأن الكتب لطالب العلم ، بمنزلة السيف
والبندقية ونحوهما للمقاتل.
أما بناء المساكن والمدارس لطلبة العلم ففي نفسي شيء من جواز صرف الزكاة فيها،
والفرق بينها وبين الكتب : أن الانتفاع بالكتب هو الوسيلة لتحصيل العلم ، فلا علم
إلا بالكتب ، بخلاف المساكن والمدارس ، لكن إذا كان الطلبة فقراء استؤجر لهم مساكن
من الزكاة ، فتصرف إليهم في هذه الناحية من سهم الفقراء ، ويستحقون ذلك لفقرهم ،
وكذلك المدارس : إذا لم تمكنهم الدراسة في المساجد " انتهى من "مجموع الفتاوى" (18/
392) .
2. وأما صرف أموا ل الزكاة
في التوعية ضد أضرار التدخين والمخدارت , بعمل منشورات ورقية وتوزيعها : فلا يجوز ؛
لأن ذلك ليس مصرفا من مصارف الزكاة ، فيكتفى بالإنفاق عليه من الصدقات العامة لديكم
.
3. وأما صرف الزكاة في
مشاريع للفقراء يتكسبون منها قوتهم ، فله صورتان:
- الأولى : أن تكون على وجه
لا تعود فيه ملكية تلك المشاريع للفقراء ، بحيث تصرف لشراء محلات أو أدوات تكون
ملكا عاما للجمعية أو غيرها ، ويكون المستحق للزكاة أجيرا فيها، فهذه لا يجوز صرف
الزكاة فيها؛ لعدم حصول التمليك للمستحق ابتداء ولا مآلا ، وإنما هذه صورة الوقف ،
وهناك فرق بين أموال الوقف ، وأموال الزكاة .
جاء في " فتاوى اللجنة الدائمة " (9 / 451) :
" لا يجوز لجمعية البر الخيرية أن تعمر بيوتا أو نحوها بما جمعت من أموال الزكاة ،
لتملكها وتنفع بها المحتاجين ، بسكناها أو بأجرتها، لما في ذلك من تملك الزكاة من
لا حق له في تملكها ، مع أن ذلك قد يفضي إلى ضياع أصلها على جهة الاستحقاق ، ولما
فيه من تخصيص نوع النفع ، وتأخير وصوله إلى المستحق ، ولما فيه من التحكم في مصالح
تلك المصارف .
وقد جرب ذلك في الجملة ففشل . ولأنه مخالف للنص دون مسوغ شرعي " .
- الثانية : أن يمّلك المستحق للزكاة المالَ ، بحيث يعطى من المال ما يشتري به أدوات حرفة يستطيع التكسب منها ، أو يكون رأس مال في تجارة يحسنها، فهذا لا بأس بصرف الزكاة فيه .
قال الرملي ـ الشافعي ـ :
" من يحسن حرفة تكفيه لائقة .. فيعطى ثمن آلة حرفته وإن كثرت ، أو تجارة : فيعطى
رأس مال يكفيه لذلك ربحه غالبا ، باعتبار عادة بلده " انتهى من " نهاية المحتاج "
(6/ 161).
وهو رواية عن الإمام أحمد ، قال المرداوي :
"وعنه : يأخذ تمام كفايته دائما ، بمتجر أو آلة صنعة ، ونحو ذلك ، اختاره في الفائق
، وهي قول في الرعاية " انتهى من "الإنصاف" (3/ 238) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
"ويجوز الأخذ من الزكاة لما يحتاج إليه في إقامة مؤنته ، وإن لم ينفقه بعينه في
المؤنة.
وقيل لأحمد رحمه الله : الرجل يكون له الزرع القائم ، وليس عنده ما يحصده : أيأخذ
من الزكاة؟ قال: نعم يأخذ " انتهى من " المستدرك على فتاوى ابن تيمية " (1 / 132).
والله أعلم .