الحمد لله.
والاقشعرار : انتفاض شعر الجلد وقيامه من الخوف والفزع ، فيرتعد الجسد من الخوف رِعدة وانتفاضة يسيرة لا تخرج عن حد الاعتدال .
تقول العرب : اقْشَعَرّ
جِلْدُهُ اقْشِعْراراً ، فَهُوَ مُقْشَعِرٌّ : أَخَذَتْه قُشَعْرِيرَةٌ ، أَي
رِعْدَة .
" تاج العروس " (13/420) .
وقال ابن القطاع الصقلي رحمه الله : " اقشَعّر" تغير الجلد من فزع " انتهى من " كتاب الأفعال " (3/71) .
وقال أبو محمد السرقسطي رحمه الله : " وَالِاقْشِعْرَارُ مِنَ الْقُشَعْرِيرَةِ ، وَهُوَ انْتِفَاشُ الشَّعْرِ وَقِيَامُهُ " انتهى من " الدلائل في غريب الحديث " (2/562) .
وقال ابن منظور رحمه الله : " القُشَعْرِيرة : الرِّعْدَة " انتهى من " لسان العرب " (5/95) .
وجاء في " الموسوعة الفقهية
" (21/253-354) :
" ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى حَال الْمُؤْمِنِينَ عِنْدَ الذِّكْرِ ، فَنَعَتَهُمْ
تَارَةً بِالْوَجَل ، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ
الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ) ، وَبِالْخُشُوعِ ، كَمَا
قَال تَعَالَى : ( أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ
لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَل مِنَ الْحَقِّ وَلاَ يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا
الْكِتَابَ مِنْ قَبْل فَطَال عَلَيْهِمُ الأْمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ) ،
وَنَعَتَهُمْ تَارَةً أُخْرَى بِالطُّمَأْنِينَةِ عِنْدَ الذِّكْرِ ، كَمَا فِي
قَوْله تَعَالَى : ( الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ
أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ) .
وَجَمَعَ بَيْنَ الأْمْرَيْنِ فِي قَوْله تَعَالَى : ( اللَّهُ نَزَّل أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمِنْ يُضْلِل اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ) .
فَأَمَّا الْوَجَل : فَهُوَ
الْخَوْفُ وَالْخَشْيَةُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِمَا يَقُومُ بِالْقَلْبِ مِنَ
الرَّهْبَةِ عِنْدَ ذِكْرِ عَظَمَتِهِ وَجَلاَلِهِ وَنَظَرِهِ إِلَى الْقُلُوبِ
وَالأْعْمَال ، وَذِكْرِ أَمْرِ الآْخِرَةِ وَمَا فِيهَا مِنَ الْحِسَابِ
وَالْعِقَابِ ، فَيَقْشَعِرُّ الْجَلْدُ بِسَبَبِ الْخَوْفِ الآْخِذِ بِمَجَامِعِ
الْقُلُوبِ ، وَخَاصَّةً عِنْدَ تَذَكُّرِهِمْ مَا وَقَعُوا فِيهِ مِنَ
الْمَعْصِيَةِ وَالتَّفْرِيطِ فِي جَنْبِ اللَّهِ .
وَأَمَّا الطُّمَأْنِينَةُ فَهِيَ مَا يَحْصُل مِنْ لِينِ الْقَلْبِ وَرِقَّتِهِ
وَسُكُونِهِ ، وَذَلِكَ إِذَا سَمِعُوا مَا أُعِدَّ لِلْمُتَّقِينَ مِنْ جَزِيل
الثَّوَابِ ، وَذَكَرُوا رَحْمَتَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَصِدْقَ وَعْدِهِ لِمَنْ فَعَل
الطَّاعَاتِ وَاسْتَقَامَ عَلَى شَرْعِ اللَّهِ تَعَالَى . وَقَدْ يَصْحَبُ
الْخَشْيَةَ الْبُكَاءُ وَفَيْضُ الدَّمْعِ " انتهى .
ثانيا :
أما ما يحدثه أهل البدعة من الصياح والصراخ والشهيق والاضطراب الشديد : فمن عمل
الشيطان .
قال ابن كثير رحمه الله :
" قَوْلُهُ : ( تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ
تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ) أَيْ هَذِهِ صِفَةُ
الْأَبْرَارِ ، عِنْدَ سَمَاعِ كَلَامِ الْجَبَّارِ ، الْمُهَيْمِنِ الْعَزِيزِ
الْغَفَّارِ، لِمَا يَفْهَمُونَ مِنْهُ مِنَ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ .
وَالتَّخْوِيفِ وَالتَّهْدِيدِ ، تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُهُمْ مِنَ الْخَشْيَةِ
وَالْخَوْفِ ، ( ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ )
لِمَا يَرْجُونَ ويُؤمِّلون مِنْ رَحْمَتِهِ وَلُطْفِهِ، فَهُمْ مُخَالِفُونَ
لِغَيْرِهِمْ مِنَ الْكُفَّارِ مِنْ وُجُوهٍ :
أَحَدُهَا : أَنَّ سَمَاعَ هَؤُلَاءِ هُوَ تِلَاوَةُ الْآيَاتِ ، وَسَمَاعُ
أُولَئِكَ نَغَمات لِأَبْيَاتٍ ، مِنْ أَصْوَاتِ القَيْنات .
الثَّانِي : أَنَّهُمْ إِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيَّا ، بِأَدَبٍ وَخَشْيَةٍ ، وَرَجَاءٍ وَمَحَبَّةٍ ، وَفَهْمٍ وَعِلْمٍ .
الثَّالِثُ : أَنَّهُمْ
يَلْزَمُونَ الْأَدَبَ عِنْدَ سَمَاعِهَا ، كَمَا كَانَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمْ عِنْدَ سَمَاعِهِمْ كَلَامَ اللَّهِ مِنْ تِلَاوَةِ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَقْشَعِرُّ جُلُودُهُمْ ، ثُمَّ
تَلِينُ مَعَ قُلُوبِهِمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ . لَمْ يَكُونُوا يتصارخُون وَلَا
يَتَكَلَّفُونَ مَا لَيْسَ فِيهِمْ ، بَلْ عِنْدَهُمْ مِنَ الثَّبَاتِ وَالسُّكُونِ
وَالْأَدَبِ وَالْخَشْيَةِ مَا لَا يَلْحَقُهُمْ أَحَدٌ فِي ذَلِكَ ؛ وَلِهَذَا
فَازُوا بالقِدح المُعَلّى فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ .
قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ : حَدَّثَنَا مَعْمَر قَالَ: تَلَا قَتَادَةُ، رَحِمَهُ
اللَّهُ: ( تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ
تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ) قَالَ: " هَذَا نَعْتُ
أَوْلِيَاءِ اللَّهِ ، نَعَتَهُمُ اللَّهُ بِأَنْ تَقْشَعِرَّ جُلُودُهُمْ ،
وَتَبْكِيَ أَعْيُنُهُمْ ، وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ،
وَلَمْ يَنْعَتْهُمْ بِذَهَابِ عُقُولِهِمْ وَالْغَشَيَانِ عَلَيْهِمْ ، إِنَّمَا
هَذَا فِي أَهْلِ الْبِدَعِ ، وَهَذَا مِنَ الشَّيْطَانِ " انتهى من " تفسير ابن
كثير " (7/55-56) ، وينظر : " تفسير القرطبي " (12/59) .
ثالثا :
إذا لم تحدث هذه القشعريرة عند تلاوة القرآن أو سماعه : فلا يعني ذلك بالضرورة أن
التالي أو السامع ليس ممن يخشى الله ، إذا كان مستحضرا معاني القرآن ، ولكن يكون
حاله من الخشية أقل من حال المقشعر الوجل ، الذي ينفعل قلبه وجلده وعينه للذكر ،
كما أن البكاء من خشية الله ليس شرطا في حصول الخشية ، إلا أن حال الباكي أكمل .
فالذي ذكره الله من ذلك هو حال الكمال في الخشية ، ولا يعني نقص القشعريرة ، أو انتفاءها ، أن الخشية منتفية بالكلية ؛ بل قد يكون ذلك لنقصان حاله من الكمال والخشية ، وقد يكون ذلك في وقت دون .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية
رحمه الله :
" مَا يحصل عِنْد الذّكر الْمَشْرُوع من الْبكاء ووجل الْقلب واقشعرار الجسوم :
فَمن أفضل الْأَحْوَال الَّتِي نطق بهَا الْكتاب ... وَأما السّكُون ، قسوةً وجفاء
: فَهَذَا مَذْمُوم " انتهى من " مختصر الفتاوى المصرية " (ص/100) .
وينظر للفائدة إلى جواب السؤال رقم : (159242) .
والله أعلم .