رأيت أحد النصارى يقول: نفترض أن سليمان نبيا وسمع النملة وهى تقول: (ادخلوا مساكنكم)، لكن كيف عرفت النملة أن هذا هو جيش سليمان؟ كيف نرد على هذه الشبهة؟
الحمد لله.
أولًا:
اعلم أخي السائل أن المؤمن عليه أن يبتعد عن مجادلة اليهود والنصارى وكل غير مسلم يشككه في دينه، وعليه أن يبتعد عن مواطن الشك والريبة، وعليه أن يقدم في قلبه تعظيم الله ورسوله، وأن ما أخبر الله صدقٌ علمنا كيفيته أو جهلناها.
فإذا أخبرنا الله خبرًا في القرآن؛ صدقناه، لأن الله لا ينطق إلا بالصدق سبحانه وبحمده.
ثانيًا:
لقد أخبرنا الله في سورة النمل عن قصة النملة وذكائها، وفطنتها، "ويكفي من فطنتها ما قصَّ الله سبحانه في كتابه من قولها لجماعة النَّمل - وقد رأت سليمان عليه الصَّلاةُ والسَّلام وجنودَه -: يَاأَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ النمل/18.
فتكلَّمت بعشرة أنواعٍ من الخطاب في هذه النَّصيحة: النِّداء، والتَّنبيه، والتَّسمية، والأمر، والنَّص، والتَّحذير، والتَّخصيص، والتَّعميم، والاعتذار.
فاشتملت نصيحتُها مع الاختصار على هذه الأنواع العشرة. ولذلك أعجبَ سليمانَ قولُها، وتبسَّم ضاحكًا منه، وسأل الله أن يُوزِعَه شُكرَ نعمته عليه لمَّا سمعَ كلامها." انظر:"مفتاح دار السعادة" (2/ 692)
ثالثًا:
لقد أخبرنا الله أن النملة عرفت سليمان، كما عرفه الهدهد، وحمل إليه خبر ملكة سبأ، فكانت المخلوقات تعرف سليمان عليه السلام. والله تعالى يلهم المخلوقات بما شاء، قال الله تعالى: وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ * ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ النحل/68 - 69
ووحي الله تعالى إلى النحل، معناه: أنه "يلهمهما" ما فيه مصحلتها، وما به قوام عيشها. وهذا من نعمة الله ورحمته بالناس، وإظهار لقدرته سبحانه على هداية المخلوقات، فإنه سبحانه وبحمده أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى طه/50.
وهذا الوحي لا يقتصر على النحل، بل لكل مخلوق هداية وإلهام يلهمه الله إياه سبحانه وبحمده.
وسليمان عليه السلام كان نبي الزمان، وأمره مشهور، وملكه متسع، وحشرت له الجنود من الجن والإنس والطير، فشأنه عظيم، وخبره خطير شهير؛ فلا عجب أن تكون المخلوقات على معرفة به، كما كانت على معرفة بنبينا صلى الله عليه وسلم.
قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي لَأَعْرِفُ حَجَرًا بِمَكَّةَ كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُبْعَثَ إِنِّي لَأَعْرِفُهُ الْآنَ رواه "مسلم (2277)
والله أعلم.