ما هي عقوبة اللواط، وهل هناك فرق بين الفاعل والمفعول به؟
أجمع الصحابة على قتل اللوطي، لكن اختلفوا في طريقة قتله، فمنهم من ذهب إلى أن يحرق بالنار، وهذا قول علي رضي الله عنه، وبه أخذ أبو بكر رضي الله عنه، كما سيأتي. ومنهم قال: يرمى به من أعلى شاهق، ويتبع بالحجارة، وهذا قول ابن عباس رضي الله عنه. ومنهم من قال: يرجم بالحجارة حتى يموت، وهذا مروي عن علي وابن عباس أيضاً. ثم اختلف الفقهاء بعد الصحابة، فمنهم من قال يقتل على أي حال كان، محصنا أو غير محصن. ومنهم من قال: بل يعاقب عقوبة الزاني، فيرجم إن كان محصنا، ويجلد إن كان غير محصن. ومنهم من قال: يعزر التعزير البليغ الذي يراه الحاكم.
الحمد لله.
جريمة اللواط من أعظم الجرائم، وأقبح الذنوب، وأسوأ الأفعال وقد عاقب الله فاعليها بما لم يعاقب به أمة من الأمم، وهي تدل على انتكاس الفطرة، وطمْس البصيرة، وضعف العقل، وقلة الديانة، وهي علامة الخذلان، وسلم الحرمان، نسأل الله العفو والعافية.
قال تعالى: وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ الأعراف/80- 84.
وقال سبحانه: لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ. فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍإِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ الحجر/72- 76 إلى غير ذلك من الآيات.
وروى الترمذي (1456) وأبو داود (4462) وابن ماجه (2561) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَاقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وروى أحمد (2915) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَعَنَ اللَّهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ، لَعَنَ اللَّهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ، ثَلاثًا وحسنه شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند.
وقد أجمع الصحابة على قتل اللوطي، لكن اختلفوا في طريقة قتله، فمنهم من ذهب إلى أن يحرق بالنار، وهذا قول علي رضي الله عنه، وبه أخذ أبو بكر رضي الله عنه، كما سيأتي. ومنهم قال: يرمى به من أعلى شاهق، ويتبع بالحجارة، وهذا قول ابن عباس رضي الله عنه.
ومنهم من قال: يرجم بالحجارة حتى يموت، وهذا مروي عن علي وابن عباس أيضاً.
ثم اختلف الفقهاء بعد الصحابة، فمنهم من قال يقتل على أي حال كان، محصنا أو غير محصن.
ومنهم من قال: بل يعاقب عقوبة الزاني، فيرجم إن كان محصنا، ويجلد إن كان غير محصن.
ومنهم من قال: يعزر التعزير البليغ الذي يراه الحاكم.
وقد بسط ابن القيم رحمه الله الكلام على هذه المسألة، وذكر حجج الفقهاء وناقشها، وانتصر للقول الأول، وذلك في كتابه “الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي” والذي وضعه لعلاج هذه الفاحشة المنكرة. ونحن ننقل طرفا من كلامه رحمه الله: قال:
” ولما كانت مفسدة اللواط من أعظم المفاسد، كانت عقوبته في الدنيا والآخرة من أعظم العقوبات.
وقد اختلف الناس هل هو أغلظ عقوبة من الزنا، أو الزنا أغلظ عقوبة منه، أو عقوبتهما سواء؟ على ثلاثة أقوال:
فذهب أبو بكر الصديق وعلى بن أبي طالب وخالد بن الوليد وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عباس ومالك وإسحق بن راهويه والإمام أحمد في أصح الروايتين عنه والشافعي في أحد قوليه إلى أن عقوبته أغلظ من عقوبة الزنا، وعقوبته القتل على كل حال، محصنا كان أو غير محصن.
وذهب الشافعي في ظاهر مذهبه والإمام أحمد في الرواية الثانية عنه إلى أن عقوبته وعقوبة الزاني سواء.
وذهب الإمام أبو حنيفة إلى أن عقوبته دون عقوبة الزاني وهى التعزير “.
إلى أن قال: “قال أصحاب القول الأول وهم جمهور الأمة وحكاه غير واحد إجماعا للصحابة: ليس في المعاصى مفسدة أعظم من مفسدة اللواط وهى تلي مفسدة الكفر وربما كانت أعظم من مفسدة القتل كما سنبينه إن شاء الله تعالى.
قالوا: ولم يبتل الله تعالى بهذه الكبيرة قبل قوم لوط أحدا من العالمين، وعاقبهم عقوبة لم يعاقب بها أمة غيرهم، وجمع عليهم أنواعا من العقوبات من الإهلاك، وقلب ديارهم عليهم، والخسف بهم ورجمهم بالحجارة من السماء، وطمس أعينهم، وعذّبهم وجعل عذابهم مستمرا فنكّل بهم نكالا لم ينكّله بأمة سواهم، وذلك لعظم مفسدة هذه الجريمة التي تكاد الأرض تميد من جوانبها إذا عُملت عليها، وتهرب الملائكة إلى أقطار السموات والأرض إذا شاهدوها خشية نزول العذاب على أهلها، فيصيبهم معهم، وتعج الأرض إلى ربها تبارك وتعالى وتكاد الجبال تزول عن أماكنها.
وقتل المفعول به خير له من وطئه، فإنه إذا وطأه الرجل قتله قتلا لا ترجي الحياة معه، بخلاف قتله فإنه مظلوم شهيد. قالوا: والدليل على هذا (يعني على أن مفسدة اللواط أشد من مفسدة القتل) أن الله سبحانه جعل حد القاتل إلى خيرة الولي إن شاء قتل وإن شاء عفى، وحتم قتل اللوطي حدا كما أجمع عليه أصحاب رسول الله ودلت عليه سنة رسول الله الصريحة التي لا معارض لها، بل عليها عمل أصحابه وخلفائه الراشدين رضي الله عنهم أجمعين.
وقد ثبت عن خالد بن الوليد أنه وجد في بعض نواحي العرب رجلا ينكح كما تنكح المرأة، فكتب إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه، فاستشار أبو بكر الصديق الصحابة رضي الله عنهم، فكان على بن أبي طالب أشدهم قولا فيه، فقال: ما فعل هذا إلا أمة من الأمم واحدة وقد علمتم ما فعل الله بها. أرى أن يحرق بالنار، فكتب أبو بكر إلى خالد فحرقه.
وقال عبد الله بن عباس: ينظر أعلى ما في القرية فيرمى اللوطي منها منكسا ثم يتبع بالحجارة.
وأخذ ابن عباس هذا الحد من عقوبة الله للوطية قوم لوط.
وابن عباس هو الذي روى عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به رواه أهل السنن وصححه ابن حبان وغيره، واحتج الإمام أحمد بهذا الحديث وإسناده على شرط البخاري.
قالوا: وثبت عنه أنه قال: لعن الله من عمل عمل قوم لوط، لعن الله من عمل عمل قوم لوط، لعن الله من عمل عمل قوم لوط ولم يجىء عنه لعنة الزاني ثلاث مرات في حديث واحد، وقد لعن جماعة من أهل الكبائر، فلم يتجاوز بهم في اللعن مرة واحدة، وكرر لعن اللوطية فأكده ثلاث مرات، وأطبق أصحاب رسول الله على قتله لم يختلف منهم فيه رجلان، وإنما اختلفت أقوالهم في صفة قتله، فظن بعض الناس أن ذلك اختلاف منهم في قتله، فحكاها مسألة نزاع بين الصحابة، وهي بينهم مسألة إجماع، لا مسألة نزاع.
قالوا: ومن تأمل قوله سبحانه: وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا وقوله في اللواط: أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين تبين له تفاوت ما بينهما، فإنه سبحانه نَكّرَ الفاحشة في الزنا، أي هو فاحشة من الفواحش، وعرّفها في اللواط وذلك يفيد أنه جامع لمعاني اسم الفاحشة، كما تقول: زيد الرجل، ونعم الرجل زيد، أي: أتأتون الخصلة التي استقر فحشها عند كل أحد، فهي لظهور فحشها وكماله غنيّة عن ذكرها، بحيث لا ينصرف الاسم إلى غيرها …” انتهى من “الجواب الكافي” ص 260- 263
وقال شيخ الإسلام رحمه الله: “وأما اللواط فمن العلماء من يقول: حده كحد الزنا، وقد قيل دون ذلك. والصحيح الذي اتفقت عليه الصحابة: أن يقتل الاثنان الأعلى والأسفل. سواء كانا محصنين، أو غير محصنين. فإن أهل السنن رووا عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط، فاقتلوا الفاعل والمفعول به وروى أبو داود عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: (في البكر يوجد على اللواطية، قال: يرجم) ويروى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه نحو ذلك. ولم تختلف الصحابة في قتله، ولكن تنوعوا فيه، فروي عن الصديق رضي الله عنه أنه أمر بتحريقه، وعن غيره قتله.
وعن بعضهم: أنه يلقى عليه جدار حتى يموت تحت الهدم.
وقيل: يحبسان في أنتن موضع حتى يموتا.
وعن بعضهم: أنه يرفع على أعلى جدار في القرية، ويرمى منه، ويتبع بالحجارة، كما فعل الله بقوم لوط وهذه رواية عن ابن عباس، والرواية الأخرى قال: يرجم، وعلى هذا أكثر السلف، قالوا: لأن الله رجم قوم لوط، وشرع رجم الزاني تشبيها برجم قوم لوط، فيرجم الاثنان، سواء كانا حرين أو مملوكين، أو كان أحدهما مملوك الآخر، إذا كانا بالغين، فإن كان أحدهما غير بالغ عوقب بما دون القتل، ولا يرجم إلا البالغ. ” انتهى من “السياسة الشرعية” ص 138.
المفعول به كالفاعل، لأنهما اشتركا في الفاحشة، فكان عقوبتهما القتل كما جاء في الحديث، لكن يستثنى من ذلك صورتان:
قال في “شرح منتهى الإرادات” (3/348): ” ولا حد إن أكره ملوط به على اللواط بإلجاءٍ بأن غلبه الواطئ على نفسه أو بتهديد بنحو قتل أو ضرب ” انتهى بتصرف
ونقل ابن قدامة رحمه الله في “المغني” (9/62) أنه لا خلاف بين العلماء في أن الحد لا يُقام على المجنون ولا الصبيّ الذي لم يبلغ.
وينظر لمزيد الفائدة هذه الأجوبة: 5177، 352863، 27176، 404118، 262717.
والله أعلم.