الثلاثاء 23 جمادى الآخرة 1446 - 24 ديسمبر 2024
العربية

هل يتعارض تحديد جنس الجنين مع كون الله تعالى هو الذي يهب الذكور والإناث

140157

تاريخ النشر : 01-12-2009

المشاهدات : 136271

السؤال

سؤالي بخصوص جنس الطفل ، ولقد قرأت إجابة سؤال بخصوص توظيف الخطة الغذائية , وقد تعجبت بالفعل حول كيفية الطرق الفعالة لتحديد جنس الطفل في الشهر الثالث من الحمل ، أليس الله تعالى هو الذي يحدِّد جنس الطفل بغض النظر عن تلك الأساليب التي يتم استخدامها لتحديده ؟ .

الجواب

الحمد لله.

أولاً:

لا شك أن الله سبحانه وتعالى قد استأثر بعلم ما في الأرحام ، كما قال تعالى : (اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الأرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ) الرعد/ 8 .

وقد أخبر تعالى عن نفسه أنه هو الذي يخلق ما يشاء ، وأنه هو الذي يهب الإناث والذكور .

قال تعالى : (لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ . أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ) الشورى/ 49 ، 50.

قال ابن كثير رحمه الله :

(يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا) أي : يرزقه البنات فقط .

( وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ ) أي : يرزقه البنين فقط .

( أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا ) أي : ويعطي مَن يشاء مِن الناس الزوجين الذكر والأنثى ، أي : من هذا ، وهذا .

( وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا ) أي : لا يولد له .

فجعل الناس أربعة أقسام ، منهم من يعطيه البنات ، ومنهم من يعطيه البنين ، ومنهم من يعطيه من النوعين ذكوراً وإناثاً ، ومنهم مَن يمنعه هذا وهذا ، فيجعله عقيماً لا نسل له ، ولا يولد له .

" تفسير ابن كثير " ( 7 / 216 ) مختصراً .

ثانياً :

سبق في جواب السؤال رقم (118173) أن نقلنا عن بعض الأطباء أنه يمكن تحديد جنس الجنين عن طريق اتباع الأم نظاماً غذائياً معيناً ، وهذا ـ إن ثبت ـ لا ينافى أن الله تعالى هو الخالق ، وهو الذي يهب الذكور والإناث .

وذلك لأن الله تعالى من حكمته أنه يجعل الشيء مرتبطاً بسببه ، كما أن الله تعالى هو الشافي ويجعل لذلك سبباً ، وهو تناول الدواء المناسب ، أو الدعاء والرقية .

والله تعالى هو المميت ويقدر لذلك أسباباً كالحوادث والأمراض وغيرها .

والله تعالى هو الرزاق ويقدر أسباب ذلك .

والله تعالى هو الذي ينزل المطر ويقدر أسباب ذلك من الرياح الباردة ، ووجود السحاب ... إلخ .

والله تعالى هو الذي يخلق البشر ويقدر أسباب ذلك كالزواج ، فكذلك هو الذي يخلق الذكر والأنثى ، ويقدر أسباب ذلك أيضاً .

والإسلام ينظر إلى الأسباب نظرة وسطية بين النافي لها ، والمغالي فيها .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : 

"وإن كان الله تعالى قد جعل لها أسباباً ، فالسبب لا يستقل بنفسه ، بل لا بد له من معاون ، ولا بد أن يمنع المعارض المعوق له ، وهو لا يحصل ويبقى إلا بمشيئة الله تعالى , ولهذا قيل : " الالتفات إلى الأسباب شرك في التوحيد ، ومحو الأسباب أن تكون أسباباً نقص في العقل ، والإعراض عن الأسباب بالكلية قدح في الشرع" انتهى .

"الفتاوى الكبرى" (5/231) .

فالسبب لا يثمر ما يراد منه إلا بمشيئة الله تعالى ، فقد تتبع الأم النظام الغذائي غير أن الله تعالى لا يقدر لها حصول ما تريد ، بل لا يكون إلا ما يريده الله تعالى .

ثالثاً :

يجب التنبيه إلى أن هناك طرقاً لتحديد جنس المولود يسوَّق لها :

1. منها ما يحتوي على خرافات وشعوذة – كالجدول الصيني - .

وينظر التفصيل فيه جواب السؤال رقم : (121516) .

2. ومنها ما هو محرَّم مما يقتضي الكشف على العورات .

3. ومنها ما هو بعيد عن الواقع العلمي ، وإنما هو محض تجارة .

ولا يجوز في هذا الباب إلا ما كان مباحاً ، مثل :

استعمال نظام تغذية معين ، أو اختيار توقيت للجماع .

مع التوكيد على ترك استعمال حتى هذه الأمور المباحة ، والتسليم بقضاء الله وتقديره ، وربط ذلك بضرورة ، أو حاجة ماسة ، ومع التنبيه على عدم التعلق بتلك الوسائل ، بل يكون القلب معلقاً بالله تعالى متوكلاً عليه .

وقد صدر قرار من "مجمع الفقه الإسلامي" يجلِّي الأمر ، ويوضحه ، وجاء فيه :

"الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه ، أما بعد : فإن " مجلس المجمع الفقهي الإسلامي " برابطة العالم الإسلامي ، في دورته التاسعة عشرة المنعقدة بمكة المكرمة في الفترة من 22 – 26 شوال 1428هـ ، التي يوافقها 3 - 7 نوفمبر 2007م قد نظر في موضوع : " اختيار جنس الجنين " ، وبعد الاستماع للبحوث المقدمة ، وعرض أهل الاختصاص ، والمناقشات المستفيضة : فإن " المجمع " يؤكد على أن الأصل في المسلم التسليم بقضاء الله وقدره ، والرضى بما يرزقه الله من ولد ، ذكراً كان ، أو أنثى ، ويحمد الله تعالى على ذلك ، فالخيرة فيما يختاره الباري جل وعلا ، ولقد جاء في القرآن الكريم ذم فعل أهل الجاهلية من عدم التسليم والرضى بالمولود إذا كان أنثى ، قال تعالى : (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ) النحل/ 58 ، 59 ، ولا بأس أن يرغب المرء في الولد ذكراً كان ، أو أنثى ، بدليل أن القرآن الكريم أشار إلى دعاء بعض الأنبياء بأن يرزقهم الولد الذكر ، وعلى ضوء ذلك : قرر " المجمع " ما يلي :

أولاً : يجوز اختيار جنس الجنين بالطرق الطبيعية ، كالنظام الغذائي ، والغسول الكيميائي ، وتوقيت الجماع بتحري وقت الإباضة ؛ لكونها أسباباً مباحة لا محذور فيها .

ثانياً : لا يجوز أي تدخل طبي لاختيار جنس الجنين ، إلا في حال الضرورة العلاجية في الأمراض الوراثية ، التي تصيب الذكور دون الإناث ، أو بالعكس ، فيجوز حينئذٍ التدخل ، بالضوابط الشرعية المقررة ، على أن يكون ذلك بقرار من لجنة طبية مختصة ، لا يقل عدد أعضائها عن ثلاثة من الأطباء العدول ، تقدِّم تقريراً طبيّاً بالإجماع يؤكد أن حالة المريضة تستدعي أن يكون هناك تدخل طبي حتى لا يصاب الجنين بالمرض الوراثي ، ومن ثمَّ يعرض هذا التقرير على جهة الإفتاء المختصة لإصدار ما تراه في ذلك .

ثالثاً : ضرورة إيجاد جهات للرقابة المباشرة والدقيقة على المستشفيات ، والمراكز الطبية التي تمارس مثل هذه العمليات في الدول الإسلامية ، لتمنع أي مخالفة لمضمون هذا القرار ، وعلى الجهات المختصة في الدول الإسلامية إصدار الأنظمة والتعليمات في ذلك .

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه .

"قرار رقم : 112 (6/19)" .

وينظر جواب السؤال رقم : (118173) ففيه زيادة بيان .

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب