الحمد لله.
روى الترمذي (2786) وأحمد (19019) وابن خزيمة (1681) وابن حبان (4424) والبيهقي (6188) والبزار (3034) عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( كُلُّ عَيْنٍ زَانِيَةٌ ، وَالْمَرْأَةُ إِذَا اسْتَعْطَرَتْ فَمَرَّتْ بِالْمَجْلِسِ فَهِيَ كَذَا وَكَذَا - يَعْنِي زَانِيَةً - ) وقال الترمذي : " هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ " .
وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد " (6/390) : " رجاله ثقات000 " . وقال ابن القطان في "أحكام النظر" (ص 67) : " رواة إسناده مشهورون " . وحسنه الألباني في "صحيح الترمذي".
أما معنى الحديث :
فقد قال المباركفوري رحمه الله في "تحفة الأحوذي" (8 / 58) :
" أي كل عين نظرت إلى أجنبية عن شهوة فهي زانية...
( إِذَا اِسْتَعْطَرَتْ ) أَيْ اِسْتَعْمَلَتْ الْعِطْرَ ( فَمَرَّتْ بِالْمَجْلِسِ ) أَيْ مَجْلِسِ الرِّجَالِ ( يَعْنِي زَانِيَةً ) لِأَنَّهَا هَيَّجَتْ شَهْوَةَ الرِّجَالِ بِعِطْرِهَا ، وَحَمَلَتْهُمْ عَلَى النَّظَرِ إِلَيْهَا وَمَنْ نَظَرَ إِلَيْهَا ، فَقَدْ زَنَى بِعَيْنَيْهِ ، فَهِيَ سَبَبُ زِنَى الْعَيْنِ فَهِيَ آثِمَةٌ" انتهى .
وقال المناوي رحمه الله في "فيض القدير" (3 / 190) :
" أي كل عين نظرت إلى محرم من امرأة أو رجل فقد حصل لها حظها من الزنا ؛ إذ هو حظها منه " انتهى .
وقال أيضا (5 / 35) :
" يعني كل عين نظرت إلى أجنبية عن شهوة فهي زانية ، أي أكثر العيون لا تنفك من نظر مستحسن وغير محرم ، وذلك زناها " انتهى .
وعلى هذا ، فالحديث ليس عاماً في كل عين ، حتى يقال : هل تشمل عين النبي صلى الله عليه وسلم أم لا ؟
وقد يرد النص بلفظ عام ، ولكن يدل السياق أو أدلة أخرى على أن المراد به بعض معانيه وليس العموم .
ومن ذلك قول الله تعالى عن الريح التي سلطها على قوم عاد فأهلكتهم : ( تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا ) الأحقاف/25 .
فكلمة (كل) هنا لا يراد بها العموم ، لأنه معلوم أنها لم تدمر السماوات والأرض .
ولهذا قال ابن القيم رحمه الله :
"قوله تعالى : (تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا) الأحقاف/25 . أي : كل شيء يقبل التدمير" انتهى .
"زاد المعاد" (4 / 297-298) .
وعلى هذا ، فالحديث ليس عاماً في كل عين ، حتى يقال بدخول عين الأنبياء في ذلك .
والأنبياء عليهم الصلاة والسلام هم صفوة الخلق ، وخير البشر ، فلا يمكن أن يتطرق إليهم شيء من النقص أو التهمة .
وأي فائدة ترجى من وراء البحث في هذا ، من حيث كون الأنبياء داخلين في هذا العموم أم لا؟ والعلماء الذين شرحوا الحديث ، ونقلنا كلامهم إنما يلتفتون إلى المعنى المراد من الحديث، دون الخوض في مثل هذه المسائل التي لا طائل من ورائها .
فعلى المسلم أن يقتصر على ما يفيده من العلم ، ويكفينا من هذا الحديث أن نعلم أن أعيننا إذا نظرت إلى الحرام فهي زانية ، وتستحق عقاب الله تعالى ، فعلى كل مؤمن أن يحفظ بصره امتثالاً لأمر الله تعالى : (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ) النور/30 .
والله أعلم
تعليق