الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

هل كراهة التعدد تدخل في نواقض الإسلام؟

السؤال

قرأت في إجابة السؤال 31807 : "من نواقض الإسلام العشرة : من أبغض شيئاً مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ولو عمل به فقد كفر ، لقوله تعالى : ( ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم ) محمد / 9 . .... ولا فرق في جميع هذه النواقض بين الهازل والجاد والخائف، إلا المكره، وكلها من أعظم ما يكون خطراً، وأكثر ما يكون وقوعاً . فينبغي للمسلم أن يحذرها ، ويخاف منها على نفسه ، نعوذ بالله من موجبات غضبه ، وأليم عقابه ، وصلى الله على خير خلقه محمد وآله وصحبه وسلم....." والكثير من النساء يُبغضن التعدد ويصرّحن بهذا في المجالس هازلات أو جادات ، فهل يدخل هذا في الارتداد ؟ و يجب عليهن التوبة والاغتسال ؟

الجواب

الحمد لله.

إذا رضي المسلم بحكم الله ، وأذعن له ، ولم يرفضه ، ولم يعترض عليه ، فهذا هو الواجب ، ولا يضره لو كانت نفسه تكره الفعل طبعا ، ككراهة النفس للقتال مع قبولها وإذعانها لحكم الله . قال الله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) البقرة/216 .

ومثل ذلك : كراهة المرأة لوجود مزاحمة لها ، فإن هذا أمر طبعي ، لأنها ستنازعها زوجها ، لكن فرق بين كراهة فرض الله للقتال ، وكراهة النفس للقتال ، وبين كراهة تشريع الله للتعدد ، وكراهة النفس لوجود الضرة . فما فرضه الله وشرعه يحب دينا وقربة ، ولو كان الفعل المفروض مكروها للنفس شاقا عليها . على أنه كلما كمل إيمان العبد أصبحت هذه المكروهات محبوبة له طبعا ، كما هي محبوبة له شرعا .

والمذكور في نواقض الإسلام إنما هو كراهة ما أنزل الله ، وكراهة تشريعه .

قال ابن القيم رحمه الله : "وليس من شرط الرضى ألا يحس بالألم والمكاره بل ألا يعترض على الحكم ولا يتسخطه ولهذا أشكل على بعض الناس الرضى بالمكروه وطعنوا فيه وقالوا : هذا ممتنع على الطبيعة وإنما هو الصبر وإلا فكيف يجتمع الرضى والكراهية وهما ضدان .
والصواب : أنه لا تناقض بينهما وأن وجود التألم وكراهة النفس له لا ينافي الرضى كرضى المريض بشرب الدواء الكريه ورضى الصائم في اليوم الشديد الحر بما يناله من ألم الجوع والظمأ ورضى المجاهد بما يحصل له في سبيل الله من ألم الجراح وغيرها" انتهى من "مدارج السالكين" (2/175) .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في توضيح هذا الأمر : "قوله تعالى: (وهو كره لكم) : (كره) مصدر بمعنى اسم المفعول ، يعني: وهو مكروه لكم ؛ والمصدر بمعنى اسم المفعول يأتي كثيراً، مثل: (وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ) [الطلاق: 6] يعني: محمول ؛ وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )، أي مردود .
وجملة ( وهو كره لكم ) في محل نصب على الحال؛ والضمير ( هو ) يعود على القتال؛ وليس يعود على الكتابة؛ فإن المسلمين لا يكرهون ما فرضه الله عليهم؛ وإنما يكرهون القتال بمقتضى الطبيعة البشرية؛ وفرق بين أن يقال: إننا نكره ما فرض الله من القتال؛ وبين أن يقال: إننا نكره القتال؛ فكراهة القتال أمر طبيعي؛ فإن الإنسان يكره أن يقاتل أحداً من الناس فيقتله؛ فيصبح مقتولاً؛ لكن إذا كان هذا القتال مفروضاً علينا صار محبوباً إلينا من وجهٍ، ومكروهاً لنا من وجهٍ آخر؛ فباعتبار أن الله فرضه علينا يكون محبوباً إلينا؛ ولهذا كان الصحابة رضي الله عنهم يأتون إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يصرون أن يقاتلوا؛ وباعتبار أن النفس تنفر منه يكون مكروهاً إلينا ".

ثم قال في فوائد الآية : " ومنها: أنه لا حرج على الإنسان إذا كره ما كتب عليه؛ لا كراهته من حيث أمَر الشارع به؛ ولكن كراهته من حيث الطبيعة؛ أما من حيث أمر الشارع به فالواجب الرضا، وانشراح الصدر به " انتهى من "تفسير القرآن لابن عثيمين".

وقال رحمه الله في موضع آخر : " وقوله: (وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ) يجب أن تعلم أن الضمير في قوله: (وَهُوَ) يعود على القتال وليس يعود على الكتابة، لأن الصحابة رضي الله عنهم لايمكن أن يكرهوا فريضة الله ، لكن يكرهون القتل ويقاتلون فيقتلون.
وفرق بين أن يكره الإنسان حكم الله، أو أن يكره المحكوم به " انتهى من "مؤلفات الشيخ ابن عثيمين" (2/ 438).

والحاصل : أنه يلزم المؤمنة أن ترضى بتشريع الله للتعدد ، وتعتقد أن فيه الحكمة والصلاح ، وألا تكره هذا الحكم والتشريع وإن كانت نفسها تكره وجود الضرة المزاحمة لها ، ككراهة الإنسان للقتال ، وكراهة نفسه لما يخرجها عن الراحة والدعة كالوضوء بالماء البارد للفجر ، والصوم في شدة الحر ، ونحو ذلك مما فيه مشقة ، لكن يقهرها العبد بمحبته لله ، ورضاه واستسلامه لشرعه ، ولهذا جاء في الحديث الذي رواه البخاري (6487) ومسلم (2823) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (حُفَّتْ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ ، وَحُفَّتْ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ) .

قال النووي رحمه الله في شرح مسلم : " فَأَمَّا الْمَكَارِه فَيَدْخُل فِيهَا الِاجْتِهَاد فِي الْعِبَادَات , وَالْمُوَاظَبَة عَلَيْهَا , وَالصَّبْر عَلَى مَشَاقّهَا , وَكَظْم الْغَيْظ , وَالْعَفْو وَالْحِلْم وَالصَّدَقَة وَالْإِحْسَان إِلَى الْمُسِيء وَالصَّبْر عَنْ الشَّهَوَات , وَنَحْو ذَلِكَ " انتهى .

ومثله قوله صلى الله عليه وسلم : (أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟ قَالُوا : بَلَى ، يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ : إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ ، وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ ، فَذَلِكُمْ الرِّبَاطُ) رواه مسلم (251) من حديث أبي هريرة .

قال النووي رحمه الله : " والمكاره تكون بشدة البرد وألم الجسم ونحو ذلك " انتهى .

وينظر جواب السؤال رقم : (10991) .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب

موضوعات ذات صلة