الثلاثاء 18 جمادى الأولى 1446 - 19 نوفمبر 2024
العربية

التوفيق بين الآيات التي تأمر بتبليغ الرسالة وبين حديث "لا تبشرهم فيتكلوا"

193601

تاريخ النشر : 31-03-2013

المشاهدات : 47443

السؤال


كيف نوفق الفهم بين الآية : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) المائدة / 67 ، والحديث : عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ ، قَالَ : " كُنْتُ رِدْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حِمَارٍ يُقَالُ لَهُ : عُفَيْرٌ ، قَالَ : فَقَالَ : ( يَا مُعَاذُ ، تَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ ، وَمَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ ؟ ) قَالَ : قُلْتُ : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : ( فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ ، أَنْ يَعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَحَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، أَنْ لَا يُعَذِّبَ مَنْ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ) ، قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَفَلَا أُبَشِّرُ النَّاسَ ؟ ، قَالَ : ( لَا تُبَشِّرْهُمْ فَيَتَّكِلُوا ) ؟ حيث الآية تدل على وجوب تبليغ الرسول صلى الله عليه وسلم للرسالة ، وبآخر الحديث يخبر الرسول صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل بعدم التبشير!

الجواب

الحمد لله.


فقد ذكر العلماء – رحمهم الله – وجوها مختلفة للتوفيق بين الآية الكريمة والحديث الشريف , ومن هذه الوجوه :
أولا : أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكتم هذا الأمر ، بدليل أنه أخبر به معاذ بن جبل رضي الله عنه , غاية الأمر أنه منع نشره عند بعض الناس خوفا على من لم يدرك مرامي الحديث ، والجمع بين أطراف الأدلة ، من أن يتكل على ما سمع وأدركه من هذا الحديث ، فيدع بعض العمل ، أو يفرط فيما أمر به ؛ وهذه مفسدة ظاهرة ، في حين أن فوات سماع هذا الحديث : لا يضيع شيئا من العمل ، ولا يخشى منه مفسدة بينة ، ولا شك أن فوات البشرى في حق هؤلاء ، واستمرارهم على الأخذ بالوثيقة والجد في العمل ، هو آمن لهم وأرجى من المفسدة المذكورة .
جاء في " مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح " (1 / 98) : " واحتج البخاري على أن للعالم أن يخص بالعلم قوما دون قوم ، كراهة ألا يفهموا ، وقد يتخذ أمثال هذه الأحاديث البطلة والمباحية ذريعة إلى ترك التكاليف ورفع الأحكام ، وذلك يُفضي إلى خراب الدنيا بعد خراب العقبى" انتهى .

ثانيا : أن يقال : إن أمره صلى الله عليه وسلم بالكتمان ليس المقصود به الكتمان المطلق المؤبد ، بل هو كتمان في زمان معين , ولم يستمر هذا الكتمان ، بدليل أن معاذا قد أخبر بهذا الحديث قبل موته , فقد جاء في نهاية هذا الحديث : " وأخبر بها معاذ عند موته تأثما" رواه البخاري (128) , ومسلم (53) .
جاء في " مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح " (1 / 93) : " أي تجنباً وتحرزاً عن الوقوع في إثم كتمان العلم " انتهى , وهذا ظاهر في أن معاذا رضي الله عنه لم يفهم المنع المطلق عن نشر هذا الحديث وتبليغه ، إنما فهم أن ذلك المنع مقيد بحال ، أو شخص ، أو وقت ، أو قيد ما ، ورأى أن هذا القيد قد فات ، وأن التشريع قد استقر ، واستمر شأن الناس عليه ، ولم يَخش عليهم تلك المفسدة .
جاء في " مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح " (1 / 98) : " إنما رواه معاذ مع كونه منهيا عنه ؛ لأنه علم منه : أن هذا الإخبار يتغير بتغير الزمان والأحوال , والقوم يومئذ كانوا حديثي العهد بالإسلام لم يعتادوا تكاليفه ، فلما تثبتوا واستقاموا أخبرهم " انتهى .

ثالثا: يحتمل أن النهي عن التبشير بذلك لم يكن لكل الناس بل كان خاصا بمن يخشى منه الاتكال وترك العمل , وعليه فيكون معاذ - رضي الله عنه - قد أخبر بالحديث قبل موته وخص بذلك من لا يخشى منهم الاتكال كما خصه رسول الله بذلك .
جاء في " مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح " (1 / 93) : " سَلَّمْنا أنه تأثم من الكتمان ، فكيف لا يتأثم من مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التبشير؟ أجيب : بأن النهي كان مقيداً بالاتكال ، فأخبر به من لا يخشى عليه ذلك ، وإذا زال القيد زال المقيد " انتهى .

وعليه فلا تعارض بين الآية الكريمة والحديث الشريف .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب