الاثنين 24 جمادى الأولى 1446 - 25 نوفمبر 2024
العربية

لا يقع الطلاق بالوعد به ولا بشرط إرادة الزوجة ولا بالإشارة من ناطق

201090

تاريخ النشر : 01-11-2013

المشاهدات : 117758

السؤال


أنا قلقة جداً ، بعد أن حدثت بعض المشاكل في حياتي الزوجية ، وأريد منكم التوجيه . فقد تزوجت منذ شهرين ، وفي أحد الأيام انتابني شعور جعلني أظن أن زواجي لم يكن حلالاً ( وهذه قصة أخرى طويلة ) ، فصرخت وبكيت وطلبت من زوجي أن يتركني ، فتأثر زوجي من ذلك كثيراً وبدأ بالبكاء ، فقلت له : إن كنت تريد أن تساعدني وتحافظ عليّ فاتركني ، فهزّ رأسه بالموافقة ، ثم أعطاني تلفونه لأتصل بالقاضي ، فاتصلت وتحدثت إليه ، ثم بعد ذلك ذهبنا إلى بيت أبي ، فوبختني أميّ لتصرفي ، فقلت له : يجب أن تطلقني ، فقال : إنه لن يطلقني إلا أن يوافق أبي ، فقلت له : عليك أن تطلقني حتى لو لم يوافق ، فقال : إنه لن يطلقني ، فاستمريت في ترديد كلمة : طلقني ، طلقني ، طلقني ، فقالت لي أمّي : إن بكل كلمة طلاق طلبتها منه يقع الطلاق ، فلعله كان يهز رأسه بالموافقة تعقيباً على كلام والدتي ، لكني لا أتذكر تحديداً .

ثم خرجت أمي من الغرفة ، فأمسك بيدي وقال : لا بأس ، إن كنتِ تريدين الفراق ، سأفعل ذلك غداً ، لكن على الأقل كوني امرأة صالحة اليوم فقط ، قال تلك العبارات وهو مستاء جداً ، ثم عندما همّ بالمغادرة قام وخرج فلم أرافقه ، فاتصل بي وقال : إن كنت تريدين الطلاق فاخرجي إلى هنا ، فخرجت ، ورأيته مستاءً وحزيناً جداً ، لدرجة أنه لم يقو على فتح عينيه ، ثم ذهبنا إلى مكتب القاضي ، وهناك لم يذكر أي شيء عن موضوع الطلاق ، لكنه قال لي - عندما كنّا جالسين بعد أن طلبت منه الطلاق مجدداً - : جهزي ورقة الطلاق ، ثم اتصلي بي .

ثم بعد ذلك ذهب هو إلى بيته ، وذهبت أنا إلى بيت أبي ، وفي منتصف الطريق ، اتصل بي غاضباً ، وقال : بعد كل الصبر الذي رأيته مني ، إن كنت تريدين الطلاق فلا بأس ، وقال أشياء أخرى ، ثم قال : اخرجي لمقابلتي وسأطلقك ، ثم قال : أنت طالق طلقة واحدة ، ثم قال : سأطلقك مشافهة وعلى الورق ، قال كل هذا وهو غاضب جدًا ، ثم طلب بعد ذلك أن أناوله الهاتف ليتكلم مع أخي ، فتكلم معه بشكل عادي ، وقال لي أخي - فيما بعد -: إنه لم يكن غاضباً ، ولم يبد عليه شيء من الغضب ، لكني أعرف زوجي جيداً ، فهو يخفي غضبه عندما يتكلم مع الآخرين ، لكني متيقنة أنه كان متعباً تلك اللحظة ، ومع هذا لا أجزم إن كان قد نوى الطلاق فعلاً أم لا ، لكنه في اليوم التالي قال لي : إنه كان غاضباً فحسب ، ولم يكن ينوي الطلاق .

وأريد التنويه هنا إلى أنني لم أكن حائضاً ذلك اليوم ، بل إنه كان قد نام معي قبل أن يقول ما قال ، لكنه لم يولج إيلاجاً كاملاً .

وسؤالي .

فهل ما زلت زوجة له ؟ أم إن الطلاق قد وقع ؟

الجواب

الحمد لله.


يؤلمنا أن نقرأ من زوجة مسلمة هذا الاستهتار في العلاقة الزوجية ، والطيش في طلب الطلاق والإصرار على هدم الأسرة ، والله عز وجل قد أكرمك بزوج وأسرة كريمة في حين أن غيرك من النساء والفتيات محروم من ذلك ، فلماذا تصرين على مقابلة النعمة بالنكران ، والإحسان بالإساءة !! ولماذا تسعين إلى غضب الله عز وجل ، وأنت تعلمين أن طلب الطلاق بهذه الطريقة ومن غير سبب هو من المعاصي الكبار ، التي تفسد المجتمعات ، وتقوض بنيان الأسر ، وتكون سببا في التعاسة والشقاء سنين طويلة ، وقد قال عليه الصلاة والسلام : ( أَيُّمَا امرَأَةٍ سَأَلَت زَوجَهَا طَلَاقًا فِي غَيرِ مَا بَأسٍ فَحَرَامٌ عَلَيهَا رَائِحَةُ الجَنَّةِ ) رواه الترمذي (1187) وصححه الألباني . كما سبق بيانه في موقعنا في الأرقام الآتية: (125191) ، (176201) .
وإذا كان الله سبحانه وتعالى قد وصف عقد الزواج بأنه ميثاق غليظ ، كما في قوله عز وجل : ( وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ) النساء/25 ، أي عهد بينهما كبير وعظيم ، فذلك يقتضي من كلا الزوجين صيانة التزامهما بمقتضاه إلى أقصى درجة ، ولا يخفى حينئذ ماذا سيكون حكم من ينقض هذا الميثاق الغليظ ، ويستهتر به إلى الحد الذي يجعل الزوجة تصر على طلب الطلاق بطريقة لا مسوغ لها أصلا ، سوى استثارة الزوج الذي يكتم غضبه ، ويتجرع آلام الصبر ومرارة تحمل كلام زوجته ، ويفجعه ما ستؤول إليه أمور بيته بعد الطلاق !!
لذلك كله ، فالواجب عليك التوبة إلى الله تعالى توبة نصوحا ، تعاهدينه فيها عز وجل على طي صفحة الماضي إلى غير رجعة ، والبدء بحياة جديدة مع زوجك ، ملؤها المحبة والسعادة والسلام ، تعتذرين له فيها عن كل ما بدر منك ، وتطلبين منه العفو الصفح ، ثم تجتنبين أول ما تجتنبين الصراخ والصخب والغضب ، فتلك آفات البيوت ، وحبائل الشيطان إلى بلوغ غايته في التفريق بين الزوجين .
ثانيا :
أما الحكم الشرعي ، فقد ذكرت في سؤالك مجموعة من الألفاظ التي تستحق توضيح حكمها ، وإزالة الاشتباه فيها ، فمن ذلك :
اتفق جمهور الفقهاء على أن الإنسان الناطق لا يقع منه الطلاق بالإشارة ، أو بحركة الرأس واليد ونحو ذلك ، بل لا بد من النطق الصريح أو الكنائي مع النية ، فقولك في السؤال : " إن كنت تريد أن تساعدني وتحافظ عليّ فاتركني ، فهزّ رأسه بالموافقة ". وقولك أيضا : " استمريت في ترديد كلمة : طلقني ، طلقني ، طلقني . فقالت لي أمّي أن بكل كلمة طلاق طلبتها منه يقع الطلاق ، فلعله كان يهز رأسه بالموافقة تعقيباً على كلام والدتي... لكني لا أتذكر تحديداً ". كل ذلك لا يقع به الطلاق في مذهب جمهور الفقهاء ، من الحنفية والشافعية والحنابلة .
جاء في " الفتاوى الهندية " (1/357):
" لو قالت لزوجها : طلقني . فأشار بثلاث أصابع ، وأراد بذلك ثلاث تطليقات ، لا يقع ، ما لم يقل بلسانه " انتهى .
وقال الإمام الرملي رحمه الله :
" إشارة ناطق بطلاق : لغو ؛ وإن نواه وأفهم بها كل أحد " .
انتهى من " نهاية المحتاج " (6/435) .
وقال الشيخ زكريا الأنصاري رحمه الله :
" لو أشار ناطق بالطلاق ، وإن نوى ، كأن قالت له : طلقني ، فأشار بيده : أن اذهبي : لغا ، وإن أفهم بها كل أحد ؛ لأن عدوله عن العبارة إلى الإشارة : يُفْهِم أنه غير قاصد للطلاق ، وإن قصده بها ؛ فهي لا تقصد للإفهام إلا نادرا ، ولا هي موضوعة له " .
انتهى من " أسنى المطالب " (3/277) .
ويقول ابن قدامة رحمه الله :
" القادر [يعني على النطق] لا يصح طلاقه بالإشارة ، كما لا يصح نكاحه بها " .
انتهى من " المغني " (7/485) .
وهذا كله إذا افترضنا أنه قد أشار فعلا برأسه ، بما قد يفهم منه الموافقة على الطلاق ؛ فأما إذا كان الأمر مجرد احتمال : فالأمر فيه أظهر ، وأبعد عن وقوع الطلاق بمجرد التوهم والاحتمال .
ثالثا :
أما الوعد بالطلاق في قابل الأيام فلا يعد طلاقا بنفسه ، بل لا بد من الجزم بالطلاق في الحين ، فقول الزوج : " لا بأس ، إن كنتِ تريدين الفراق ، سأفعل ذلك غداً "، ليس طلاقا ، بل هو وعد به من الغد ، وإخلاف الوعد هنا مستحب ، بل قد يكون واجبا في بعض الأحيان . ومثله كذلك قول الزوج : " جهزي ورقة الطلاق ، ثم اتصلي بي "، وقوله : " اخرجي لمقابلتي وسأطلقك ". كلها ليس فيها طلاق جازم .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" قال لها : اذهبي إلى أهلكِ وستأتيكِ ورقتكِ ، ولم تأتها ورقتها . فهذا ليس بطلاق ، يردها عليه الآن بدون أي شيء " انتهى من " لقاء الباب المفتوح " (40/ 6، بترقيم الشاملة آليا). وانظر جواب السؤال رقم : (145144) .
رابعا :
وكذلك : لا يقع الطلاق المعلق على الإرادة ، حتى يتم تعليق الطلاق على تلك الإرادة بلفظ يدل على الشرط والجزاء ؛ فيقول لها : "إن خرجت فأنت طالق" ، أو :" إن كنت تريدين الطلاق فأنت طالق " : فإنه يقع في هذه الحالة ، وبينهما فرق ظاهر .
قال الإمام النووي رحمه الله ـ في الصورة الثانية ـ :
" لو قال : إذا رضيتِ ، أو أحببتِ ، أو أردتِ : الطلاق ، فأنت طالق ؛ فقالت : رضيتُ ، أو أحببتُ ، أو أردتُ : طلقت " انتهى من " روضة الطالبين وعمدة المفتين " (8/ 161) .
وأما اللفظ المذكور في السؤال : " إن كنت تريدين الطلاق : فاخرجي إلى هنا" ، فلا يظهر فيه تعليق الطلاق على الخروج ؛ بل الظاهر منه أنه مماطلة بالطلاق ، أو أنه طلب الخروج لإثبات إرادة الزوجة الطلاق ، أو أنه وعد بالطلاق إذا خرجت ؛ فلا يلزمه الطلاق بمجرد خروجها إلا إذا طلقها فعلا ؛ كما بيناه في الحالة السابقة .
وكذلك قول الزوج : " بعد كل الصبر الذي رأيته مني ، إن كنت تريدين الطلاق فلا بأس " كل ذلك لا يقع به الطلاق بمجرده ؛ فالشرط في هذه الجملة " إن كنت تريدين الطلاق "، وجوابه قوله " فلا بأس "، يعني أنه لا بأس عليك في إرادتك الطلاق ، أما قرار الزوج بالطلاق فلم يصدر بعد .
يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" [لو قال لها] أنت بالخيار ، إن شئت أن تبقي عند أولادك على ما يحصل مني فأنت صاحبة البيت ، وإلا إذا شئت الطلاق أطلقك ، لو قال هذا فليس فيه شيء ؛ لأن هذا هو الواقع " .
انتهى من " اللقاء الشهري " (2/ 17، بترقيم الشاملة آليا).
وغاية ما يقال في هاتين الجملتين ـ هذه والتي سبقتها : " إن كنت تريدين الطلاق : فاخرجي إلى هنا" ـ : أنهما من كنايات الطلاق ؛ فلا يقع بهما الطلاق ، إلا إذا كان الزوج قد نوى إيقاعه بهذا اللفظ ، فعلا .
وقد سبق تقرير ذلك في موقعنا في الفتوى رقم : (118094) .
خامسا :
وأما قول الزوج " أنت طالق طلقة واحدة ... ثم قال : سأطلقك مشافهة وعلى الورق . قال كل هذا وهو غاضب جدا ". فهذا لفظ طلاق صريح ، لا يحتاج إلى نية خاصة ، بل يكفي النطق به ، وقصد معناه ، ليكون الطلاق واقعا .
أما الغضب : ففيه تفصيل لدى الفقهاء ، وله درجات معروفة ؛ ومتى كان زوجك مدركا لكلامه ، قاصدا لقوله ، مالكا أمره ، لم يفقد القدرة على فهم الكلام ، أو التحكم في قوله وعدم قوله : وقع طلاقه ، ولو كان غاضبا .
وأما الغضب الذي يمنع وقوع الطلاق : فهو الذي يحجب صاحبه عن إدراك الكلام الذي يقوله ، أو التحكم فيه ؛ بحيث يخرج الكلام منه ، رغما عنه ، ولا يقدر على التحكم فيه ، من شدة الغضب .
ويحتاج زوجك إلى أن يراجع أحد المفتين المختصين عندكم ، لكي يتمكن من تقدير درجة الغضب الذي أصابه ، وبناء عليه يمكنه بيان الفتوى الشرعية بخصوص حالته .
وللاستفادة من التفصيل يمكن مراجعة : (22034) ، (45174) ، (160830) ، (110797) ، (169808) .
وما ذكرته من وقوع الجماع : فإذا كان قد أولج مقدار الحشفة في الفرج ، فقد حصل الجماع الذي يمنع من وقوع الطلاق ؛ لأنه لا يجوز للزوج أن يطلق في طهر جامع فيه ، بل لا بد أن ينتظر حتى تحيض وتطهر فيطلق قبل أن يجامع ، فإذا خالف وطلق سمي " طلاقا بدعيا "، وقد ذكرنا في موقعنا أن المعتمد لدينا عدم الاعتداد بهذا الطلاق في هذه الحالة . ينظر : (106328) ، (175516) ، (158115) .
وفي جميع الأحوال ، إذا كنت قد راجعتم أحد المفتين المعتمدين ، أو المحكمة الشرعية في بلادكم ، فالواجب عليكم الأخذ بما صدر عن المحكمة في شأن طلاقكم ، ولا تلتفتوا لاختلاف آراء الفقهاء والمفتين .
وننصحكما بأن تذهبا ـ أنت وزوجك ـ إلى بعض أهل العلم ، أو طلاب العلم الثقات ، من أهل السنة في بلدكم ، ممن يعرف لغتكم ، وتعرضا عليه القضية كما جرت ، وهو ينظر في الحال بنفسه ، وبما يسمعه منكما مباشرة ، ويكون أقدر على النظر في المسألة ، وتقدير الحكم الشرعي .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب