الحمد لله.
الإنابة في بعض أفعال الحج والعمرة يختلف حكمها بحسب حالة المنيب :
أولا :
الأصل الذي نص عليه الفقهاء أنه :
1. في حالة القدرة والاستطاعة .
2. أو في حالة إمكان زوال العلة المانعة من الطواف والسعي ولو مستقبلا .
3. أو في حالة إمكان استئجار أو الاستعانة بمن يحمل المريض أو العاجز ليطوف به :
في كل ذلك : لا تصح الإنابة في الطواف أو السعي ولا تجوز ؛ فالعبادة البدنية يكلف بها كل مسلم ، ومحاسب عليها بين يدي الله ، ولا ينتقل إلى النائب إلا لعذر شرعي ، خاصة – كما يقول الشيخ ابن باز رحمه الله – أن " زمن الطواف والسعي لا يفوت بخلاف زمن الرمي " .
ينظر " مجموع فتاوى ابن باز " (16/86) .
وجاء في " حاشية قليوبي " (2/139):
" الطواف والوقوف والسعي والحلق لا تجزئ فيها النيابة " انتهى بتصرف يسير.
وسئل ابن حجر الهيتمي رحمه الله :
هل تصح النيابة في الطواف والقراءة ؟
فأجاب بقوله :
" لا تصح النيابة في الطواف استقلالا ولا في القراءة إلا ممن استؤجر لهما بشرطه " .
انتهى من " الفتاوى الفقهية الكبرى " (2/ 130) .
ويقول العلامة السعدي رحمه الله :
" ذكروا أن العاجز عن الطواف والسعي يحمل ، ولم يصرحوا بجواز الاستنابة إلا في رمي الجمار " انتهى من " الأجوبة النافعة " (ص/372) .
وقال سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله :
" وأما مسكنه في جدة من الحجاج وكان مريضاً ، فهذا يطاف به محمولاً ، ويسعى به في سيارة ونحوها أو محمولاً إذا كان لا يستطيع الطواف والسعي ماشياً " .
انتهى من " مجموع فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله " (6/60) .
وقد سئلت " اللجنة الدائمة " (10/271) السؤال الآتي :
" هل يجوز لي توكيل أحد يؤدي عني طواف الإفاضة والوداع إذا لم يتيسر لي الرجوع لمكة المكرمة ، وذلك لكبر سني ، وضعف صحتي ؟ "
فأجابت اللجنة :
" لا تجوز النيابة في الطواف للإفاضة ولا للوداع ، والعاجز يطاف به محمولا ، فلا بد من مجيئكم إلى مكة " انتهى .
عبد العزيز بن باز – عبد العزيز آل الشيخ – صالح الفوزان – بكر أبوزيد .
ثانيا :
من عجز عن إتمام أفعال الحج أو العمرة عجزا تاما ، أو أصيب بمرض دائم يتعذر عليه بسببه استكمال نسكه إلا بحرج خارج عن المعتاد ، فحينئذ لا حرج أن ينيب غيره في استكمال تلك المناسك عنه ، ولكن بشرطين مهمين :
الشرط الأول : أن يكون سبب عجزه أو المشقة الحاصلة له مرضا أو مانعا لا يرجى شفاؤه أو زواله في الوقت ، فإن كانت المشقة يرجى زوالها بالراحة وتناول الدواء ونحو ذلك ، أو كان العجز مؤقتا طارئا ، لم تجز النيابة مطلقا .
والشرط الثاني : أن لا يتيسر الطواف أو السعي بالعاجز محمولا ، كأن يشتد عليه مرضه ، أو يصاب بدوار وغثيان حال حمله ، أو لم يجد من يحمله ، فإن تيسر ووجد من يعينه أو وجد مالا يستأجر به من يطيفه ويسعى به فلا يجزئه أن ينيب غيره .
والدليل على جواز الإنابة في هذه الحالة إذا انطبق الشرطان حديث ابن عباس رضي الله عنهما عن المرأة الخثعمية التي ( قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي الحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا ، لاَ يَثْبُتُ عَلَى الرَّاحِلَةِ ، أَفَأَحُجُّ عَنْهُ ؟ قَالَ : نَعَمْ . وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ ) رواه البخاري (1513) ، ومسلم (1334)، فإذا جازت النيابة في النسك كاملا في حالة " العضب "، فمن باب أولى أن تجوز النيابة في بعض أفعاله .
سئل الإمام الرملي رحمه الله :
" عن حاج ترك طواف الإفاضة ، وجاء إلى مصر مثلا ، ثم صار معضوبا بشرطه ، فهل يجوز له أن يستنيب في هذا الطواف أو في غيره من ركن أو واجب ؟
( فأجاب )
بأنه يجوز له ذلك ، بل يجب عليه ؛ لأن الإنابة إذا أجزأت في جميع النسك ، ففي بعضه أولى.
لا يقال ( النسك عبادة بدنية فلا يبنى فيه فعل شخص على فعل غيره )؛ لأن محله عند موته أو قدرته على تمامه ، وأما عند العجز عنه فيبني .
فقد قالوا إن للولي أن يحرم عن الصبي المميز وغير المميز والمجنون ، ويفعل ما عجز كل منهما عنه .
ففي هاتين المسألتين تم النسك النفل بالإنابة ، مع أنه لا إثم على من وقع له بترك إتمامه .
ولقوله صلى الله عليه وسلم : ( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم )؛ ولأن الميسور لا يسقط بالمعسور .
وقالوا : إن من عجز عن الرمي وقته ، وجب عليه أن يستنيب فيه ، وعللوه بأن الاستنابة في الحج جائزة ، وكذلك في أبعاضه ، فنزلوا فعل مأذونه ، منزلة فعله .
فإذا كان هذا في الواجب الذي يجبر تركه - ولو مع القدرة عليه - بدم ، فكيف بركن النسك !
وإنما امتنع إتمام نسك من مات في أثنائه : لخروجه عن الأهلية بالكلية " .
انتهى باختصار من " فتاوى الرملي " (2/93-94) .
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله السؤال الآتي :
" هل يجوز لي أن أوكل أحدًا عني ، يطوف ويسعى ، نظرًا لعدم قدرتي على تحمل شدة الزحام فيهما ؟
فأجاب :
إذا كان الحاج يستطيع : فإنه يطوف بنفسه ، ويسعى بنفسه ؛ لأن الله سبحانه قال : ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ) فمن دخل فيها لزمه إتمامها بإجماع المسلمين ، ولو كان نافلة ، من دخل فيها بالإحرام لزمه الإتمام بالإجماع ، امتثالاً لقوله سبحانه : ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ )، فإن عجز عن الطواف والسعي يطاف به على رؤوس الرجال محمولاً على ظهر رجل أو في عربية ، هذا هو الواجب ، ولا يستنيب .
ومعلوم أن الشيخ الكبير والعجوز الكبيرة يجوز أن يحج عنهما كما في حديث الخثعمية لما قالت : ( يا رسول الله ، إن فريضة الله قد أدركت أبي شيخًا كبيرًا لا يثبت على الراحلة ، أفأحج عنه ؟ قال : حجي عنه ) وهكذا الرجل الذي قال : ( يا رسول الله ، أدرك أبي الحج وهو شيخ كبير ، لا يستطيع الحج والظعن ، أفأحج عنه ؟ قال : حج عن أبيك واعتمر ) والشيخ الكبير والعجوز الكبيرة اللذان لا يستطيعان ركوب الرواحل - السيارات الآن والطيارات - يحج عنهما كالميت .
وإذا تكلف وأحرم ، وجاء ، وعجز لكبر سنه أو مرضه الذي لا يرجى برؤه : استناب من يكمل عنه الحج لعجزه عن ذلك .
وأما ما دام يستطيع أن يكمل بنفسه أو محمولاً فإنه يكمل "
انتهى ـ باختصار ـ من " فتاوى نور على الدرب " بعناية الشويعر (18/7) .
والخلاصة التي نبينها
للسائلة :
أنها إذا كان ضعفها عن إتمام السعي عارضا ، وإنما كانت تحتاج إلى شيء من الراحة أو
العلاج ، لتقدر بعد ذلك من إتمام السعي ولو بعد عدة أيام ، فلا يجزئها أن تنيب
غيرها ، بل يجب عليها أن تذهب للسعي فورا ، وتتم نسكها بالتقصير ، ولو كان قد مضى
على هذا الحادث أشهر وسنوات ، ولا شيء عليها فيما فعلته من محذورات الإحرام خلال
المدة لعذرها بالجهل ، وقد سبق بيان العذر بالجهل في المحذورات في الأرقام الآتية :
(36522) ، (49026)
، (95860) .
أما إذا انطبقت شروط الإنابة التي سبق شرحها فلا بأس عليها ، وعمرتها تامة بإذن
الله .
والله أعلم .
تعليق