الحمد لله.
الطفلة في سن الثانية تبدأ في تكوين اتجاهاتها نحو العالم من حولها ، ويعتقد بعض علماء نفس النمو أن الإحساس بالثقة هو أول تلك الاتجاهات ، وتتوقف شدة هذا الشعور في السنة الثانية على نوع العناية التي تلقاها الطفلة ، وعلى موقف الوالدين من إرضاء حاجاتها الأساسية ، وتتضح ملامح نمو الطفلة في هذه المرحلة في نزعتها إلى الاستقلال ، فهي في حاجة لحرية الكلام ، والمشي واللعب ، وكل ذلك مرتبط بالحاجة إلى تأكيد الذات التي لا تتحقق إلا بالاستقلال الذي يتاح لها ، وهذا ما تؤكده نظرية النمو عن طريق النضج التي تدعو إلى احترام فردية الطفل ، وتركه ينمو بطبيعته . وتنشأ بعض الفتيات غير واثقات في أنفسهن حيت لا تعتمد على أنفسهن في كثير ولا قليل ، وقلما تقوم بعمل ابتداء ، ودائماً تنظر من يقول لها : اعملي كذا وكذا ، فإذا ما واجهتها مشكلة توقفت فلا تستطيع اتخاذ قرار ، وقد تتهرب من المواجهة ، وقد تبكي ، وهذا جانب من جناية الوالدين عليها ، ويكون بسبب أمور منها :
-كثرة الأمر والنهي على كل صغير وكبير حتى ولو كان الأمر لا يستحق مما يفقد الطفلة الإبداع ، ويجعلها لا تثق بعملها ، بل تنتظر دائماً من يصحح لها ، ويمنحها اليقين بأن عملها صواب .
-انتقادها ولومها على كل عمل تعمله ، وتتبع عثراتها ، وتقريعها إذ قد تجتهد الطفلة فتخطيء فتجني اللوم والعتاب أكثر مما تستحق في حين كانت تنتظر الإشادة على اجتهادها مما يقضي على توجه الطفلة نحو العمل والمنافسة في الإنجاز والإجادة .
-عدم إتاحة الفرصة للطفلة بالحديث أمام الآخرين مخافة أن تخطيء أو تتحدث وتخوض في أمور غير مرغوب فيها ، أو الإذن لها بالحديث ولكن يتم تلقينها ما تقول .
-كثرة تحذيرها من الخطر ، الأمر الذي يجعلها تتوقع الشر دائماً ، وتتصور أن الخطر محيط بها من كل جانب .
-إذلالها ومقارنتها بالآخرين بما يقلل من قيمتها .
-التهكم والسخرية .
-عدم الاهتمام بما توجهه من الأسئلة .
-الرعاية الزائدة التي تظهر في الخوف الشديد على صحتها أو مستقبلها .
ويظهر على الطفلة التي فقدت ثقتها بنفسها عدة آثار سيئة ، منها :
1-أنها لا تستطيع أن تقوم بعمل استقلالاً ، وإذا طُلب منها أن تحضر شيئاً ووجدته مختلفاً عما وصف لها توقفت ، وإذا واجهتها مشكلة لا تتخذ قراراً .
2-يصيبها التبلد ، وعدم الإبداع .
3-يصيبها التبرم والضيق من كل عمل يسند إليها ، لأنها تتصور أن اللوم الحاصل لها على عملها ، إذ تتوقع أنها لن تنجزه وفق ما يراد .
4-يصيبها ضعف في الإرادة وخور في العزيمة ، واستكانة ومسكنة في غير موضعها وإهمال وسوء نظام .
5-يصيبها القلق والإحباط والنزعات العدوانية أو الميل إلى الإنطواء ، والعزلة .
ولتجنيب الطفلة تلك الآثار السيئة كان على الوالدين إتباع عدة طرق في تنمية ثقة الطفلة في نفسها ومنها على سبيل المثال لا الحصر :
-أن يُرسم لها خطوطاً عامة ينبغي عليها إتباعها والسير على نطاقها ، فيخبراها بما أحل الله لها فتأخذ به ، ويحذراها مما حرم الله عليها فتحذره ، ويجعلاها على دراية بالأخلاق الفاضلة ، والآداب السامية ، ويبثا في نفسها النفور من سيء الأخلاق والأعمال والأقوال والتباعد عن سفاسف الأمور ، وتوافهها ثم يتركا لها حرية الإبداع بعد ذلك .
-أن تسند إليها الأم بعض المهام التي في مقدورها القيام بها ، وإذا أخطأت شجعتها على مبادرتها ، ثم تخبرها كيف ينبغي أن تعمل ، وأحياناً تشجعها فقط على عملها ، وتكمل عنها العمل بلطف دون أن توجهها توجيهاً مباشراً ، وإذا لم تكن المهمة في مقدور الطفلة فإنها تستشيرها فيها ، وتطلب منها في بعض الأحيان إبداء رأيها في بعض الأمور ، وبيان فسادها من صلاحها ، حتى تعلم الطفلة أن الجميع عرضة للخطأ والصواب فتتقوى عزيمتها .
-أن يحرص الوالدان على تشجيعها أمام أقاربها ، وعند صديقاتها ، ويمنحاها من الجوائز ما يناسب إنجازها ، ويشيدا بما تقوم به من عمل تعبُّدي كالمحافظة على الصلاة ، وحفظها للقرآن ، وتفوقها في دراستها ، وعلو أخلاقها ... وهكذا .
-أن يجعلا لها كنية تميزها عن غيرها ، ويمنعاها من الألقاب المشينة ، وإذا أغضبتهما نادياها باسمها ، فتعرف أنها قصرت في حقهما – أو أحدهما – أو أخطأت في حق غيرها فتتنبه .
-تقوية إرادتها ، وذلك بتعويدها أمرين اثنين ، وهما :
أ-حفظ الأسرار : فهي عندما تتعلم كتم الأسرار ولا تفضحها ، فإن إرادتها تنمو وتقوى ، ومن ثم تكبر ثقتها بنفسها .
ب- تعويدها الصيام : فهي عندما تصمد أمام الجوع والعطش في الصوم تشعر بنشوة الظفر والانتصار على النفس ، وبالتالي فإن إرادتها تقوى على مواجهة الحياة مما يزيد في ثقتها بنفسها .
-تقوية ثقتها الاجتماعية بنفسها : وذلك عن طريق قضائها حاجيات المنزل ، وأوامر الوالدين ، ومجالستها للكبار ، واجتماعها مع الصغار .
-تقوية ثقتها العلمية بنفسها : وذلك بتعليمها القرآن ، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسيرته العظيمة ، فتنشأ وقد حملت علماً غزيراً في صغرها فتنمو ثقتها العلمية بنفسها ، لأنها تحمل حقائق العلم بعيداً عن الخرافات والأساطير .
وفي مقابل ذلك كان على الوالدين كذلك أن يتخذا الأسباب الوقائية ، والوسائل العلاجية لتحرير الطفلة من ظاهرة الشعور بالنقص ، ومن العوامل التي تسبب هذه الظاهرة : التحقير ، والإهانة ، والاستهزاء ، كمنادة الطفلة بكلمات نابية ، وعبارات قبيحة أمام الإخوة والأقارب ، وفي بعض الأحيان أمام صديقاتها ، أو أمام غرباء لم يسبق لها أن رأتهم واجتمعت بهم ، مما يجعلها تنظر إلى نفسها على أنها حقيرة مهينة ، مما يولد لديها العقد النفسية التي تدفعها إلى أن تنظر إلى الآخرين نظرة حقد ، وكراهية وأن تنطوي على نفسها فارة من الحياة .
وإذا كانت الكلمات النابية التي تنزلق من الوالدين للطفلة لم تصدر إلا عن غاية تأديبية إصلاحية لذنب كبير ، أو صغير وقعت فيه وبدر منها ، إلا أن المعالجة لارتكاب هذا الذنب لا تصلح بهذه الوسيلة التي تترك آثاراً خطيرة في نفسية الطفلة وسلوكها الشخصي ، وتجعل منها إنسانة متطبعة على لغة السب والشتائم وتحطمها نفسياً وخلقياً .
وخير علاج لهذه الظاهرة هو : تنبيه الطفلة إلى خطئها إذا أخطأت برفق ولين مع تبيان الحجج التي تقنع بها لاجتناب الخطأ ، وألا يزجرها الوالدان ، أو يوبخاها أمام الحاضرين ، وأن يسلكا معها في بادئ الأمر الأسلوب الحسن في إصلاحها ، وتقويمها إقتداءً بالرسول صلى الله عليه وسلم في الإصلاح والتربية ، وتقويم الاعوجاج ، فعالم الأطفال دقيق الحس ، سريع التأثر شديد الانفعال ، قليل الإدراك ، ضئيل الحيلة ، وبناء الثقة بالنفس لدى الطفلة يعتبر الركيزة الأولى في بناء شخصيتها في جميع أطوار حياتها .
تعليق