الحمد لله.
أولا :
مجرد كون عمل الشخص ليس من الدين ، أو كونه مخالفا لبعض النصوص الشرعية ، لا يقتضي الكفر ، ولا يجوز تكفير الفاعل لمجرد ذلك ، حتى يكون فعله أو قوله ، الذي ليس من الدين ، كفرا حقيقيا في ميزان الشرع ، فالكفر حكم شرعي ، لا يقال فيه بالرأي والهوى والتشهي ، إنما مرده إلى الله ورسوله ، ولو كفرنا كل من خالف الشرع ، أو جاء بما ليس فيه : لكفرنا جماهير المسلمين ، ولما كاد يسلم من الكفر أحد .
وينظر جواب السؤال رقم : (85102) .
وتكفير المسلم أو تفسيقه ليس
بالأمر الهين ، ولذلك يجب التثبت فيه غاية التثبت .
ويجب قبل الحكم على المسلم بكفر أو فسق أن ينظر في أمرين :
أحدهما : دلالة الكتاب أو السنة على أن هذا القول أو الفعل موجب للكفر أو الفسق
الثاني : انطباق هذا الحكم على القائل المعين ، أو الفاعل المعين ، بحيث تتم شروط
التكفير أو التفسيق في حقه ، وتنتفي الموانع .
وقال ابن عثيمين رحمه الله :
" الواجب على المرء أن يتقي الله عز وجل في هذه المسألة ، وأن لا يكفر إلا من دل
الكتاب والسنة على كفره " .
انتهى من "فتاوى نور على الدرب" (6/ 2) بترقيم الشاملة .
راجع جواب السؤال رقم : (33769) ، (85102)
.
ثانيا :
من كفر أحدا : فإن كان كما يقول ، وإلا : فقد افترى إثما مبينا ، وصار على خطر عظيم
؛ لعموم قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( أَيُّمَا رَجُلٍ قَالَ
لِأَخِيهِ يَا كَافِرُ، فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا ) رواه البخاري (6104) ،
ومسلم (60) .
إلا أنه لا يكفر بتكفيره
إياه ، كفرا مخرجا عن الملة .
قال النووي رحمه الله :
" هَذَا الْحَدِيث مِمَّا عَدَّهُ بَعْض الْعُلَمَاء مِنْ الْمُشْكِلَات ، مِنْ
حَيْثُ إِنَّ ظَاهِرَهُ غَيْرُ مُرَاد; وَذَلِكَ أَنَّ مَذْهَب أَهْل الْحَقّ :
أَنَّهُ لَا يَكْفُر الْمُسْلِم بِالْمَعَاصِي ، كَالْقَتْلِ وَالزِّنَا ، وَكَذَا
قَوْله لِأَخِيهِ : يَا كَافِر ، مِنْ غَيْر اِعْتِقَادِ بُطْلَانِ دِينِ
الْإِسْلَام .
وَإِذَا عُرِفَ مَا ذَكَرْنَاهُ ، فَقِيلَ فِي تَأْوِيل الْحَدِيث أَوْجُه :
أَحَدُهَا : أَنَّهُ مَحْمُول عَلَى الْمُسْتَحِلّ لِذَلِكَ , وَهَذَا يُكَفَّر .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي : مَعْنَاهُ : رَجَعَتْ عَلَيْهِ نَقِيصَته لِأَخِيهِ ،
وَمَعْصِيَة تَكْفِيره .
وَالثَّالِث : أَنَّهُ مَحْمُول عَلَى الْخَوَارِج الْمُكَفِّرِينَ لِلْمُؤْمِنِينَ
. وَهَذَا الْوَجْهُ ضَعِيفٌ . وَالْوَجْه الرَّابِع : مَعْنَاهُ أَنَّ ذَلِكَ يؤول
بِهِ إِلَى الْكُفْر ; وَذَلِكَ أَنَّ الْمَعَاصِيَ , كَمَا قَالُوا , بَرِيد
الْكُفْر , وَيُخَاف عَلَى الْمُكْثِر مِنْهَا أَنْ يَكُون عَاقِبَة شُؤْمهَا
الْمَصِير إِلَى الْكُفْر .
وَالْوَجْه الْخَامِس : مَعْنَاهُ فَقَدْ رَجَعَ عَلَيْهِ تَكْفِيره ; فَلَيْسَ
الرَّاجِعُ حَقِيقَة الْكُفْر ، بَلْ التَّكْفِير . وَاَللَّه أَعْلَم " انتهى .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" قَوْلُهُ: (مَنْ قَالَ لِأَخِيهِ يَا كَافِرُ فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا)
فَقَدْ سَمَّاهُ أَخَاهُ حِينَ الْقَوْلِ؛ وَقَدْ أَخْبَرَ أَنَّ أَحَدَهُمَا بَاءَ
بِهَا فَلَوْ خَرَجَ أَحَدُهُمَا عَنْ الْإِسْلَامِ بِالْكُلِّيَّةِ ، لَمْ يَكُنْ
أَخَاهُ " . انتهى من " مجموع الفتاوى " (7/ 355) .
وقال ابن قدامة رحمه الله :
" ... وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ الْمُتَقَدِّمَةُ فَهِيَ عَلَى سَبِيلِ التَّغْلِيظِ
، وَالتَّشْبِيهِ لَهُ بِالْكُفَّارِ ، لَا عَلَى الْحَقِيقَةِ، كَقَوْلِهِ -
عَلَيْهِ السَّلَامُ -: (سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ) ،
وَقَوْلِهِ: ( كُفْرٌ بِاَللَّهِ تَبَرُّؤٌ مِنْ نَسَبٍ وَإِنْ دَقَّ) ، وَقَوْلُهُ
: (مَنْ قَالَ لِأَخِيهِ يَا كَافِرُ. فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا) ... " انتهى
من "المغني" (2/ 332) .
ثالثا :
من توهم من نفسه ، أو تخيل نفسه أنه يقول عن فلان : أنه كافر ، فليس مجرد ذلك مما
يدخله في حكم من كفره ، وأطلق لسانه بذلك فعلا ؛ حتى يدل على ذلك قوله ، أو فعله ؛
فإن هذا قد يكون من حديث النفس وتوهماتها ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :(
إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا ، مَا لَمْ
تَعْمَلْ أَوْ تَتَكَلَّمْ ) رواه البخاري (5269) ، ومسلم (127) .
على أنه ينبغي أيضا الاحتراز
من سوء الظن بالمسلم ؛ فإن سوء الظن من الخصال الذميمة والأخلاق الرديئة ، وخاصة
فيما يتعلق بعقيدة المسلم ودينه .
راجع جواب السؤال رقم : (112196) لمعرفة
المزيد عن ذلك ، ولمعرفة كيف تجتنب سوء الظن بالناس .
وراجع للفائدة جواب السؤال رقم : (159280)
.
والله تعالى أعلم .
تعليق