الأحد 23 جمادى الأولى 1446 - 24 نوفمبر 2024
العربية

ماهي صحة ادعاء النصارى أن الذبيح هو إسحاق ؟

222780

تاريخ النشر : 14-11-2014

المشاهدات : 42223

السؤال


كنت أتناقش مع رجل نصراني يعمل معي في مكان واحد ، ودار بيننا حوار حتى وصل بنا الكلام إلى أنه ذكر لي : أن من تم فديته بالذبح هو سيدنا إسحاق ، وليس إسماعيل ، وهذا ذكر في الإنجيل ، فكيف نرد عليه ؟

الجواب

الحمد لله.


أولا :
ما ذكره هذا النصراني في شأن الذبيح ، وأنه إسحاق عليه السلام ، يرد عليه من وجهين :
الوجه الأول :
أن كتب النصارى التي في أيديهم ، لم تتوفر فيها صفات القبول ، فهم مختلفون حول من كتب كتبهم هذه ، لا يدرون من هم !! ومختلفون في رواتها ، وتاريخ كتابتها ، ويجهلون المستند الذي استند عليه كتابها ، ويجهلون كيف وصلت إليهم ، ومدى التغيير الذي تعرضت له من يوم كتابتها إلى يومنا هذا ، فلهذا فقدت هذه الأناجيل مصداقيتها عند كل عاقل ومنصف .
الوجه الثاني :
أن روايات الأناجيل عن الذبيح مضطربة ، وهذا الاضطراب يظهر في عدة أمور نقتصر على ذكر أمرين هامين .
الأمر الأول :
كتب النصارى من ناحية اسم الذبيح ؛ نجدها قد ذكرت أنه إسحاق عليه السلام ، لكن من ناحية الصفة نراها قد ذكرت صفة لا تنطبق إلا على إسماعيل عليه السلام .
فقد وصفت كتبهم الذبيح بأنه وحيد إبراهيم عليه السلام أي ابنه البكر .
" خذ ابنك وحيدك ، الَّذي تحبّه ، إسحاق ، واذهب إلى أَرض المريّا ، وأَصعده هناك ، محرقةً على أَحد الجبال الّذي أَقول لك " انتهى من " سفر التكوين " ( 22 – 2 ) .
ففي هذا السفر : أن الذبيح هو الابن الوحيد لإبراهيم عليه السلام .
وقد ذكر هذا السفر كذلك ، في مكان آخر ، أن إسماعيل عليه السلام ولد لما كان إبراهيم عليه السلام ابن ست وثمانين سنة .
" كان أَبرام ابن ستّ وثمانين سنةً لمّا ولدت هاجر إسماعيل لأَبرام " انتهى من " سفر التكوين " ( 16 – 16 ) .
لكن هذا السفر نفسه ، قد ذكر أيضا : أن إسحاق عليه السلام ولد لما كان إبراهيم عليه السلام ابن مائة سنة .
" وكان إبراهيم ابن مئة سنة حين ولد له إسحاق ابنه " انتهى من " سفر التكوين "(21 – 5 ).

فيكون الحاصل أن إسماعيل عليه السلام هو الابن البكر ، وهو الذي يمكن وصفه بالابن الوحيد قبل ولادة إسحاق عليه السلام .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
" وهو – أي أن الذبيح هو إسماعيل عليه السلام - الذي تدل عليه التوراة التي بأيدي أهل الكتاب .
وأيضا : فإن فيها أنه قال لإبراهيم: اذبح ابنك وحيدك ، وفي ترجمة أخرى : بكرك ، وإسماعيل هو الذي كان وحيده وبكره ، باتفاق المسلمين وأهل الكتاب ، لكن أهل الكتاب حرفوا فزادوا إسحاق ، فتلقى ذلك عنهم من تلقاه ، وشاع عند بعض المسلمين أنه إسحاق ، وأصله من تحريف أهل الكتاب " انتهى من " مجموع الفتاوى " ( 4 / 331 - 332 ) .

الأمر الثاني :
كتبهم تذكر أن الله تعالى أخبر إبراهيم عليه السلام أنه سيولد له إسحاق ، وتكون له ذرية .
" وقال الله لإبراهيم : ساراي امرأَتك لا تدعو اسمها ساراي ، بل اسمها سارة ، وأُباركها وأُعطيك أَيضا منها ابنا. أباركها فتكون أمما ، وملوك شعوب منها يكونون ، فسقط إبراهيم على وجهه وضحك ، وقال في قلبه: هل يولد لابن مئة سنة ؟ وهل تلد سارة وهي بنت تسعين سنةً ؟ " انتهى من " سفر التكوين " ( 17 / 15 – 17 ) .
فكيف يخبره الله تعالى بأن إسحاق عليه السلام سيعيش حتى تكون له ذرية ، ثم يمتحنه بذبحه وهو صغير ؟! .
وقد جاء في القرآن الكريم ما يثبت هذا التبشير لإبراهيم عليه السلام بإسحاق وذريته .
قال الله تعالى :
( وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ ) هود /71 .
قال الشيخ المفسر محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى :
" اعلم وفقني الله وإياك أن القرآن العظيم قد دل في موضعين على أن الذبيح هو إسماعيل ، لا إسحاق أَحَدِهِمَا فِي الصَّافَّاتِ ، وَالثَّانِي فِي هُودٍ .
أَمَّا دَلَالَةُ آيَاتِ الصَّافَّاتِ عَلَى ذَلِكَ، فَهِيَ وَاضِحَةٌ جِدًّا مِنْ سِيَاقِ الْآيَاتِ، وَإِيضَاحُ ذَلِكَ أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ عَنْ نَبِيِّهِ إِبْرَاهِيمَ : ( وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ * رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ * فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ * فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى * قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَاإِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ * سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ * كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ) [الصافات: 99 - 110] .
قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ عَاطِفًا عَلَى الْبِشَارَةِ الْأُولَى: ( وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ )[الصافت:112] ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْبِشَارَةَ الْأُولَى شَيْءٌ غَيْرُ الْمُبَشَّرِ بِهِ فِي الثَّانِيَةِ ; لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ حَمْلُ كِتَابِ اللَّهِ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ: فَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ، ثُمَّ بَعْدَ انْتِهَاءِ قِصَّةِ ذَبْحِهِ يَقُولُ أَيْضًا: وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ، فَهُوَ تَكْرَارٌ لَا فَائِدَةَ فِيهِ يُنَزَّهُ عَنْهُ كَلَامُ اللَّهِ، وَهُوَ وَاضِحٌ فِي أَنَّ الْغُلَامَ الْمُبَشَّرَ بِهِ أَوَّلًا ، الَّذِي فُدِيَ بِالذَّبْحِ الْعَظِيمِ، هُوَ إِسْمَاعِيلُ، وَأَنَّ الْبِشَارَةَ بِإِسْحَاقَ نَصَّ اللَّهُ عَلَيْهَا مُسْتَقِلَّةً بَعْدَ ذَلِكَ....

أما الموضع الثاني الدال على ذلك الذي ذكرنا أنه في سورة هود ، فهو قوله تعالى : ( وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ ) ؛ لأن رسل الله من الملائكة بشرتها بإسحاق ، وأن إسحاق يلد يعقوب ، فكيف يعقل أن يؤمر إبراهيم بذبحه ، وهو صغير ، وهو عنده علم يقين بأنه يعيش حتى يلد يعقوب ؟!
فهذه الآية أيضاً دليل واضح على ما ذكرنا، فلا ينبغي للمنصف الخلاف في ذلك بعد دلالة هذه الأدلة القرآنية على ذلك ، والعلم عند الله تعالى " انتهى من" أضواء البيان " ( 6 / 754 - 756 ) .
فإذًا هؤلاء النصارى بين خيارين : إما أن يبقوا على عنادهم ويتشبثوا باسم الذبيح في كتبهم على أنه إسحاق فيبطلوا بذلك عددا من النصوص الأخرى في كتبهم ، وإما أن يوافقوا على أن ذكر اسم إسحاق أقحم في النص ، من فعل بعض الكتاب ، أو بعض المترجمين ، وبهذا يزيلون الاضطراب والتناقض الحاصل بين نصوص كتبهم .
وينظر للفائدة : جواب السؤال رقم : (5522) .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب

موضوعات ذات صلة