الحمد لله.
فضل كفارة المجلس
روى الترمذي (3433) وصححه، وأحمد (10415) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ جَلَسَ فِي مَجْلِسٍ فَكَثُرَ فِيهِ لَغَطُهُ، فَقَالَ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ مِنْ مَجْلِسِهِ ذَلِكَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ، إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا كَانَ فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ وصححه الألباني في "صحيح الترمذي".
قال القاري رحمه الله :
" أَيْ: مَا جَلَسَ شَخْصٌ مَجْلِسًا (فَكَثُرَ فِيهِ لَغَطُهُ) أَيْ: تَكَلَّمَ بِمَا فِيهِ إِثْمٌ، وَقِيلَ: لَا فَائِدَةَ فِيهِ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: اللَّغَطُ : الْمُرَادُ بِهِ الْهُزْءُ مِنَ الْقَوْلِ وَمَا لَا طَائِلَ تَحْتَهُ (فَقَالَ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ) أَيْ: أُسَبِّحُ وَأَحْمَدُ، أَوْ أُسَبِّحُ حَامِدًا لَكَ (أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ) إِقْرَارٌ بِالتَّوْحِيدِ فِي الْأُلُوهِيَّةِ (أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ) اعْتِرَافٌ بِالتَّقْصِيرِ فِي الْعُبُودِيَّةِ (إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا كَانَ) أَيْ: مِنَ اللَّغَطِ (فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ) " انتهى من "مرقاة المفاتيح" (4/ 1689).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" وَهَذَا الذِّكْرُ يَتَضَمَّنُ التَّوْحِيدَ وَالِاسْتِغْفَارَ: انتهى من "الفتاوى الكبرى" (5/ 236).
وقال ابن رجب رحمه الله :
" كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يختم مجالسه بكفارة المجلس، وأمر أن تختم المجالس به، وأخبر أنه إن كان المجلس لغوا كانت كفارة له، وروي ذلك عن جماعة من الصحابة ".انتهى من " فتح الباري " (3/ 345).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" من آداب المجالس: أن الإنسان إذا جلس مجلسا فكثر فيه لغطه فإنه يكفره أن يقول: (سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك) قبل أن يقوم من مجلسه، فإذا قال ذلك فإن هذا يمحو ما كان منه من لغط، وعليه: فيستحب أن يختم المجلس الذي كثر فيه اللغط بهذا الدعاء : سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك".
إلى أن قال:
" وقلما يجلس الإنسان مجلسا إلا ويحصل له فيه شيء من اللغط أو من اللغو أو من ضياع الوقت، فيحسن أن يقول ذلك كلما قام من مجلسه؛ حتى يكون كفارة للمجلس. "انتهى من "شرح رياض الصالحين" (4/ 358-360).
كيفية تطبيق كفارة المجلس في حياتنا اليومية
روى النسائي في "السنن الكبرى" (10067)، وفي "عمل اليوم والليلة" (308)، والطبراني في "الدعاء" (1912) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: "مَا جَلَسَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَجْلِسًا قَطُّ، وَلَا تَلَا قُرْآنًا، وَلَا صَلَّى صَلَاةً، إِلَّا خَتَمَ ذَلِكَ بِكَلِمَاتٍ، قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَاكَ مَا تَجْلِسُ مَجْلِسًا، وَلَا تَتْلُو قُرْآنًا، وَلَا تُصَلِّي صَلَاةً إِلَّا خَتَمْتَ بِهَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ؟ قَالَ: نَعَمْ، مَنْ قَالَ خَيْرًا خُتِمَ لَهُ طَابَعٌ عَلَى ذَلِكَ الْخَيْرِ، وَمَنْ قَالَ شَرًّا كُنَّ لَهُ كَفَّارَةً : سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ وصححه الألباني في "الصحيحة" (3164).
فبين النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن ذكر كفارة المجلس يكون آخر كل مجلس يجلسه الرجل، سواء كان مجلس ذكر، أو مجلسا خلط فيه بشرّ ولغط، فإن كان مجلس ذكر ختم له طابع على ذلك، قال السندي رحمه الله :"المراد أنه يكون مثبتًا لذلك الخير، رافعًا إلى درجة القبول، آمنًا له عن حضيض الرد " وإن كان غير ذلك كان كفارة له. انظر : "مرعاة المفاتيح" (8/ 204).
فيستحب للمسلم أن يختم مجلسه بهذا الذكر، أي مجلس كان، فإن كان مجلس قرآن، أو صلى صلاة، أو جلس مع أصحابه، أو جلس مع أهل بيته، أو جلس مجلس صلح، أو غير ذلك، ثم أراد أن يقوم، قال هذا الذكر قبل أن يقوم مباشرة، ثم قام.
تحذيرات مهمة: لا تعتمد على كفارة المجلس للتهاون بالذنوب
إلا أنه لا بد أن يحترز من مجالس الغيبة والنميمة وقالة السوء في الناس، فإن هذه المظالم، لا يكفي لها مجرد النطق بهذا الذكر، بل يجب التحلل من أصحابها.
وعلى المسلم أيضا ألا يخوض في مجالسه بالباطل، ركونا إلى هذا الحديث، فيظن أنه مهما قال من سوء ثم ختم مجلسه بهذا الذكر أنه يغفر له، فهذا من سوء الفهم عن الله ورسوله.
ننصح بمراجعة الأجوبة التالية لمزيد من التفاصيل: (223321، 143454، 313665، 163591).
والله أعلم.
تعليق