الخميس 18 رمضان 1445 - 28 مارس 2024
العربية

عدم شعور الميت بمرور الزمن لا يعني انتفاء عذاب القبر ونعيمه .

224601

تاريخ النشر : 24-01-2015

المشاهدات : 182379

السؤال


القرآن يصرح أن الزمن عند الميت متوقف تماما قال الله : ( ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار ) ،( كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا ) ، قال الله : ( وما يشعرون أيان يبعثون ) فهل هذا يعني أنه لا يوجد عذاب في القبر ، وأن القرآن محرف ؟

الجواب

الحمد لله.


أولا :
حفظ الله عز وجل كتابه المجيد ، وصانه ، من كل تحريف أو تبديل أو تغيير ، ونصب له رجالا مؤمنين ، ينفون عنه تحريف الغالين ، وتأويل الجاهلين .
قال تعالى : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) الحجر/ 9 .
" في حال إنزاله وبعد إنزاله ، ففي حال إنزاله حافظون له من استراق كل شيطان رجيم ، وبعد إنزاله أودعه الله في قلب رسوله واستودعه فيه ثم في قلوب أمته ، وحفظ الله ألفاظه من التغيير فيها والزيادة والنقص، ومعانيه من التبديل ، فلا يحرف محرف معنى من معانيه إلا وقيض الله له من يبين الحق المبين " .
انتهى من " تفسير السعدي" (ص 429) .
وعلى المسلم أن يكون فطنا لما يكيد به أعداء الإسلام المسلمين ، ليشككوهم في دينهم ، وفي كتاب ربهم .
ويراجع السؤال رقم : (173268) .

ثانيا :
عذاب القبر ثابت بالكتاب والسنة وإجماع أهل السنة والجماعة ، وهو واقع على الروح والجسد .
ينظر جواب السؤال رقم : (10547).

ثالثا :
حياة البرزخ ، والتي هي حياة القبر ، من أمور الغيب التي يجب أن نؤمن بها ، ولا نقيسها بمقياس أهل الدنيا ، وما علمناه منها نقول به ، وما لم نعلمه فالله يعلمه ، ولا نتكلف علم ما لم نعلم .
سئل ابن عثيمين رحمه الله :
إن موت الإنسان يعني خروج الروح من الجسد ، وعندما يدفن في القبر هل ترد الروح إلى جسده أم أين تذهب ؟ وإذا كانت ترد الروح إلى الجسد في القبر ، فكيف يكون ذلك ؟
فأجاب :
" ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الميت إذا مات فإنها تعاد روحه إليه في قبره ، ويسأل عن ربه ودينه ونبيه ، فيثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ، فيقول المؤمن: ربي الله ، وديني الإسلام ، ونبيي محمد ، وأما الكافر أو المنافق فإنه إذا سئل يقول: ها، ها لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته. وهذه الإعادة- أعني إعادة الروح إلى البدن في القبر- ليست كحصول روح الإنسان في بدنه في الدنيا؛ لأنها حياة برزخية ولا نعلم كنهها، إذ إننا لم نخبر عن كنه هذه الحياة، وكل الأمور الغيبية التي لم نخبر عنها فإن واجبنا نحوها التوقف؛ لقول الله تعالى: ( وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) الإسراء/36 " .
انتهى من "فتاوى نور على الدرب للعثيمين" (4/ 2) بترقيم الشاملة .

رابعا :
قوله تعالى : ( كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ) الأحقاف/ 35 ، كقوله : ( كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا) النَّازِعَاتِ/ 46 ، وَكَقَوْلِهِ : ( وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ) يُونُسَ/ 45، قال ابن كثير رحمه الله :
" وَحَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّهُمِ اسْتَقْصَرُوا مُدَّةَ لُبْثِهِمْ فِي الدُّنْيَا وَفِي الْبَرْزَخِ حِينَ عَايَنُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشَدَائِدَهَا وَطُولَهَا " انتهى من " تفسير ابن كثير" (7/ 305) .
فيخبر الله عن سرعة انقضاء الدنيا ، وأن الناس إذا عاينوا الآخرة ، لم تكن الدنيا التي عاشوها ومرت بهم أيامها إلا بهذا القدر الضئيل الذي لا قيمة له .

فتبين بذلك : أنه لا دليل على " توقف الزمن نهائيا " بالنسبة للميت ، كما ورد في السؤال ، إنما دل الدليل على أنه لا يشعر بالزمن على حقيقته ، وأنه تمر عليه الأزمان الطويلة ، كأنها أقصر ما يكون .
ولا تعلق لذلك بنفي عذاب القبر ، ولا إثباته .
واعتبر ذلك بحال النائم ، فإن النائم لا يشعر بالزمن على حقيقته ، بل تمر عليه الساعات وربما الأيام ، كأنها لحظات ، لكن ذلك لا يعني أنه قد فقد الحياة ، أو أنه قد فقد الشعور بالزمن ، أو أنه لا يحس بشيء ولا يتألم ، ولا يتوجع ، أو أنه لا يرى في منامه ما يرى من الأحلام المختلفة ؛ بل يرى في الساعات الطويلة : أحلاما قصيرة سريعة الانقضاء ، وقد لا يرى شيئا ، ويرى في اللحظة واللحظات ، أحلاما ، فيها أمور جسام ، وتفصيلات عظام ، وهو ما نام إلا قليلا !!
فما علاقة ذلك ، إذا بنفي عذاب القبر ؟ وما علاقة أمر لم نفهم حقيقته وكنهه على وجهه الصحيح ، بتحريف القرآن ، أو غير ذلك من الترهات ، ووساوس الشياطين ؛ سبحانك هذا بهتان عظيم .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" اعلم أن الزمن بالنسبة للميت يذهب سريعا ، كأنه ليس بشيء ، أمات الله رجلا مائة عام فلما بعثه : ( قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) البقرة/ 259 ، وهي مائة سنة ، كذلك أهل الكهف لبثوا في كهفهم ثلاث مئة سنين وازدادوا تسعا، وهو نوم ، والنوم ليس كالموت ، الموت أسرع في ذهاب الوقت ، وهؤلاء الأموات الذين ماتوا لهم منذ سنين طويلة تجدهم كأنهم ما مرت عليهم دهور طويلة ، كأنهم الآن ماتوا ، قال الله تعالى: ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا * فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا * إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا * إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا * كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا) النازعات 42 - 46 " .
انتهى من "مجموع فتاوى ورسائل العثيمين" (17/ 428) .

ثم إن الله على كل شيء قدير ، فهذا يوم القيامة الذي مقداره خمسون ألف سنة يمر بالمؤمن كقدر ما بين الظهر والعصر ، كما تقدم في إجابة السؤال رقم : (2180) .

وأما قوله تعالى : (وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) النمل/65 ،، فلا علاقة له بذلك الأمر أصلا ؛ بل المعنى : وَمَا يَشْعُرُ الْخَلَائِقُ السَّاكِنُونَ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ بِوَقْتِ السَّاعَةِ ، كَمَا قَالَ: (ثَقُلَتْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلا بَغْتَةً) الْأَعْرَافِ 187 ، أَيْ: ثَقُلَ عِلْمُهَا عَلَى أَهْلِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ ، يدل عليه قوله قبل ذلك مباشرة : ( قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ ) .
انظر : "تفسير ابن كثير" (6/ 207) .

والحاصل ، يا أمة الله ، أن العبد الناصح لنفسه ، الحريص على دينه ، لا يجعل أذنه محلا يطرقه كل مبطل كذاب ، من سحرة القول ، وإخوان الشياطين ، ولا يجعل قلبه محلا لشبهاتهم وأباطيلهم ، بل الواجب عليه أن يلزم ما بينه له الله في كتابه ، وسنة رسوله ، وما استنبطه أهل العلم الثقات الذين يعلمون تأويله ، وما أشكل عليه ، رده إلى عالمه ، وأعرض عن شبهات المبطلين ، وتخرصات الكذابين .

ينظر للاستزادة إجابة السؤال رقم : (195920).
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب