الحمد لله.
أولًا:
لقد أنزل الله تعالى على إبراهيم عليه السلام صحفًا كما قال تعالى: إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى الأعلى/18-19 .
وقد أخبرنا الله جل جلاله في كتابه الكريم ، عن بعض ما كان في صحف إبراهيم عليه السلام . قال تعالى : قال تعالى: أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى (36) وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (37) أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (38) وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى (41) ، إلى آخر الآيات من سورة النجم . ومثلها الآيات المعروفة في سورة الأعلى ، وقد سبق ذكر آخرها .
والواجب علينا إنما هو الإيمان المجمل بهذه الصحف التي أنزلها الله تعالى على نبيه موسى عليه السلام ، والإيمان بما صح عندنا ، من طريق الوحي الصادق ، بما كان فيها من العبر والمواعظ ؛ وما سوى ذلك من تفاصيل ما كان فيها ، فلم نكلف بمعرفته ، ولا طريق لنا إلى العلم بخبره ، والوقوف على تفصيله ؛ فتطلب ذلك : هو من التكلف لأمر لا نتثبته ، ولا حاجة بنا إليه في شريعتنا ؛ وقد أكمل الله لنا الدين، ورضي لنا الإسلام دينًا .
ولا خبر عندنا من وحي ببقاء صحف إبراهيم عليه السلام، ولا أن علمها بلغ أحدا من أهل الإسلام ، على وجه تثبته به النسبة ، وتنقل به الأخبار .
والظاهر أن علمها قد تناسخ من قديم ، وفقدت من أيدي الناس .
بل هذا شأن كتب بني إسرائيل : التوراة والإنجيل ، لم يبق شيء يوثق به ، مما في أيديهم ، إلا ما صدقه الشرع المطهر ، وما سوى ذلك ؛ فغايته : ألا نصدقه ، ولا نكذبه .
وإذا كان هذا شأن كتب بني إسرائيل ، مع عظم الأمم التي تعظمه ، وتعنى بشأنه ، وتحتاج إليه؛ فأولى أن يكون ذلك شأن صحف إبراهيم عليه السلام ؛ وأحسن أحوال ما يوجد في أيدي الناس من ذلك ، مما ينسب إلى صحف إبراهيم عليه السلام : أن يكون كصحف بني إسرائيل وكتبهم ؛ فلا نصدقه ، ولا نكذبه .
ولمزيد من الفائدة، انظر الأجوبة: (199116)، (126004).
ثانيًا:
أما زبور داود عليه السلام، فهو كتابه الذي أوحاه الله إليه، قال تعالى: وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا .
والزبور بمعنى المزبور أي المكتوب . "تفسير القرطبي" (6/ 17).
قال الطاهر: " اسم لمجموع أقوال داوود - عليه السلام - التي بعضها مما أوحاه إليه وبعضها مما ألهمه من دعوات ومناجاة وهو المعروف اليوم بكتاب المزامير من كتب العهد القديم " . انتهى من "التحرير والتنوير"(15/ 138).
وقد ذكر أهل العلم أن زبور داود كان يشتمل على تحميد وتمجيد لله تعالى، ليس فيه حلال ولا حرام، ولا فرائض ولا حدود، انظر: "تفسير الطبري" (14/ 625).
قال القرطبي: " الزبور كتاب داود ، وكان مائة وخمسين سورة ليس فيها حكم ولا حلال ولا حرام، وإنما هي حكم ومواعظ. والزبر الكتابة .
وقد وردت الإشارة إلى مضمون الزبور ، وصحف إبراهيم في بعض الروايات التي لا تثبت :
ففي حديث أبي ذر ، رضي الله عنه :
قلت : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا كَانَتْ صَحِيفَةُ إِبْرَاهِيمَ ؟
قَالَ : كَانَتْ أَمْثَالًا كُلُّهَا أَيُّهَا الْمَلِكُ الْمُسَلَّطُ الْمُبْتَلَى الْمَغْرُورُ ؛ إِنِّي لَمْ أَبْعَثْكَ لِتَجْمَعَ الدُّنْيَا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ ، وَلَكِنِّي بَعَثْتُكَ لِتَرُدَّ عَنِّي دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ ، فَإِنِّي لَا أَرُدُّهَا وَلَوْ كَانَتْ مِنْ كَافِرٍ .
وَعَلَى الْعَاقِلِ ، مَا لَمْ يَكُنْ مَغْلُوبًا عَلَى عَقْلِهِ : أَنْ تَكُونَ لَهُ سَاعَاتٌ ؛ سَاعَةٌ يُنَاجِي فِيهَا رَبَّهُ ، وَسَاعَةٌ يُحَاسِبُ فِيهَا نَفْسَهُ ، وَسَاعَةٌ يَتَفَكَّرُ فِيهَا فِي صُنْعِ اللَّهِ ، وَسَاعَةٌ يَخْلُو فِيهَا لِحَاجَتِهِ ، مِنَ الْمَطْعَمِ وَالْمَشْرَبِ .
وَعَلَى الْعَاقِلِ أَنْ لَا يَكُونَ ظَاعِنًا إِلَّا لِثَلَاثٍ ؛ تَزَوُّدٍ لِمَعَادٍ ، أَوْ مَرَمَّةٍ لِمَعَاشٍ ، أَوْ لَذَّةٍ فِي غَيْرِ مُحَرَّمٍ .
وَعَلَى الْعَاقِلِ أَنْ يَكُونَ بَصِيرًا بِزَمَانِهِ ، مُقْبِلًا عَلَى شَأْنِهِ ، حَافِظًا لِلِسَانِهِ .
وَمَنْ حَسَبَ كَلَامَهُ مِنْ عَمَلِهِ ، قَلَّ كَلَامُهُ إِلَّا فِيمَا يَعْنِيهِ !!
قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ؛ فَمَا كَانَتْ صُحُفُ مُوسَى ؟
قَالَ : كَانَتْ عِبَرًا كُلُّهَا
عَجِبْتُ لِمَنْ أَيْقَنَ بِالْمَوْتِ ، ثُمَّ هُوَ يَفْرَحُ !!
وَعَجِبْتُ لِمَنْ أَيْقَنَ بِالنَّارِ ، ثُمَّ هُوَ يَضْحَكُ !!
وَعَجِبْتُ لِمَنْ أَيْقَنَ بِالْقَدَرِ ، ثُمَّ هُوَ يَنْصَبُ !!
عَجِبْتُ لِمَنْ رَأَى الدُّنْيَا وَتَقَلُّبَهَا بِأَهْلِهَا ، ثُمَّ اطْمَأَنَّ إِلَيْهَا !!
وَعَجِبْتُ لِمَنْ أَيْقَنَ بِالْحِسَابِ غَدًا ، ثُمَّ لَا يَعْمَلُ !!
.
والحديث : رواه ابن حبان (361) وغيره ، وقال الأرناؤوط في تحقيق ابن حبان : " إسناده ضعيف جدا " . وكذا قال الشيخ الألباني في "الضعيفة" ، وينظر : "تفسير ابن كثير"(2/ 472).
وما ذكرناه في صحف إبراهيم عليه السلام ، من حيث ثبوتها ، والوثوق بخبرها : نذكره في الزبور، لأنه لا خبر عندنا ببقائه، فما ينقل عنه من طريق أهل الكتاب، له حكم الإسرائيليات، وأنها على ثلاثة أقسام:
1- مقبول: وهو ما علم صحته بالنقل الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
2- مسكوت عنه: وهو ما لم يعلم صحته ولا كذبه، وهذا القسم تجوز حكايته للعظة والعبرة، ولا نؤمن بصدقه ولا كذبه امتثالًا لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم .
3- مرفوض: وهو ما علم كذبه، ولا يصح تصديقه ولا قبوله ولا روايته .
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم:(265035) و (22289).
والله أعلم
تعليق