الحمد لله.
أولا:
يحرم على الصائم إتيان أهله في نهار مضان؛ لقوله تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ البقرة/187.
وقال الله تعالى في الحديث القدسي: يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي الصِّيَامُ لِي، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ وَالحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا رواه البخاري (1894).
ومن جامع مستعملا الواقي الذكري، قضى شهوته، من غير شك.
والجماع مع هذا الواقي، تترتب عليه جميع الأحكام، من وجوب الغسل، وإفساد الصوم، وإفساد النسك إذا كان قبل التحلل الأول، ويحرم فعله في الحيض، وتحصل به رجعة المطلقة، وغير ذلك.
قال النووي رحمه الله في "الروضة" (1/ 82): "وَلَوْ لَفَّ عَلَى ذَكَرِهِ خِرْقَةً، فَأَوْلَجَهُ، وَجَبَ الْغُسْل،ُ عَلَى أَصَحِّ الْأَوْجُهِ، وَلَا يَجِبُ فِي الثَّانِي. وَالثَّالِثُ إِنْ كَانَتِ الْخِرْقَةُ خَشِنَةً، وَهِيَ الَّتِي تَمْنَعُ وُصُولَ بَلَلِ الْفَرْجِ إِلَى الذَّكَرِ، وَتَمْنَعُ وُصُولَ الْحَرَارَةِ مِنْ أَحَدِهِمَا إِلَى الْآخَرِ، لَمْ يَجِبْ، وَإِلَّا وَجَبَ.
قُلْتُ: قَالَ صَاحِبُ (الْبَحْرِ) : وَتَجْرِي هَذِهِ الْأَوْجُهُ فِي إِفْسَادِ الْحَجِّ بِهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ تَجْرِيَ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ" انتهى.
وقال في "تحفة المحتاج "(3/ 397): "(الإمساك عن الجماع) إجماعا ؛ فيفطر به ، وإن لم ينزل".
قال الشرواني في حاشيته عليه: "(قوله فيفطر به) أي: ولو بحائل ، كما هو ظاهر سم" انتهى.
وقال في "كشاف القناع" (1/ 201) في تحريم وطء الحائض: "(ولو) كان الوطء (بحائل) لفه على ذكره، أو كيس أدخله فيه" انتهى.
وهذه الفتوى خطأ من قائلها، تقوّض بنيان الصوم من أساسه، ولو تأمل العاقل الأمر، لبان له قبحها وشرها، فلو أن إنسانا امتنع عن الطعام والشراب، ثم صار يجامع أهله كل يوم بحائل، فأي صيام هذا؟!
وربما ابتلي بمن يقول له: إن إنزال المني ليس مفسدا للصوم، فيجتمع له جماع وإنزال مني، ثم يقول: إني صائم!
فهذا عبث تنزه عنه الشريعة الكاملة.
ولو أخذ بهذا من يجامع أجنبية وقال: إنه لم يزن؛ لأن الجماع لم يحصل، فماذا يقول له هذا المفتي؟!
ولهذا لا يلتفت إلى القول بأن الإيلاج لا يكون جماعا مع وجود حائل، ولو قاله من قاله من الفقهاء، لا سيما مع هذه الحوائل الرقيقة التي لا تمنع اللذة، فليست هي كمن لف خرقة على ذكره كما صوّره الفقهاء.
ثانيا:
الفتوى لا تؤخذ إلا من أهلها، ولهذا على من وقع في ذلك:
1-التوبة إلى الله تعالى من اقتراف المحرم.
2-قضاء هذا اليوم الذي أفسده بالجماع.
3-الكفارة ، وهي عتق رقبة ؛ فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا.
وسواء في ذلك أنزل أو لم ينزل.
وفي "الموسوعة الفقهية" (35/ 55): " لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَى مَنْ جَامَعَ فِي الْفَرْجِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ عَامِدًا بِغَيْرِ عُذْرٍ ، أَنْزَل أَمْ لَمْ يُنْزِل " انتهى .
والله أعلم.
تعليق