الحمد لله.
بيان معنى أثر ابن مسعود (ما خلق الله من جنة ولا نار ولا سماء ولا أرض أعظم من آية الكرسي)
أثر ابن مسعود رضي الله عنه: "ما خلق الله من جنة ولا نار ولا سماء ولا أرض أعظم من آية الكرسي": معناه أنه المخلوق مهما عظم كالجنة والنار؛ فلن يكون أعظم من آية الكرسي لأنها كلام الله غير مخلوق.
فالخلق واقع على الجنة والنار وما معها، وليس على آية الكرسي، وليس هنا نفي وإثبات واستعمال للجنس كما في قوله: (لا شخص أغير من الله)، وإنما فيه ذكر مخلوقات وأنها منها شيء أعظم من آية الكرسي.
وهكذا فهم أهل العلم.
قال البخاري في "خلق أفعال العباد" ص33: "وقال الحميدي، حدثنا حصين، عن مسلم بن صبيح، عن شتير بن شكل، عن عبد الله رضي الله عنه، قال: " ما خلق الله من أرض ولا سماء، ولا جنة ولا نار أعظم من: الله لا إله إلا هو الحي القيوم [البقرة: 255].
قال سفيان، في تفسيره: " إن كل شيء مخلوق، والقرآن ليس بمخلوق، وكلامه أعظم من خلقه، لأنه يقول للشيء: كن، فيكون، فلا يكون شيء أعظم مما يكون به الخلق، والقرآن كلام الله "" انتهى.
والأثر رواه الترمذي (2884) قال حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الحُمَيْدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، فِي تَفْسِيرِ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ سَمَاءٍ وَلَا أَرْضٍ أَعْظَمَ مِنْ آيَةِ الكُرْسِيِّ، قَالَ سُفْيَانُ: لِأَنَّ آيَةَ الكُرْسِيِّ هُوَ كَلَامُ اللَّهِ، وَكَلَامُ اللَّهِ أَعْظَمُ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ.
ونقل الذهبي في "السير"(11/245) عن الإمام أحمد أنه قال – فيما وقع له من مناظرة الجهمية-: "واحتجوا بحديث ابن مسعود: "ما خلق الله من جنة ولا نار ولا سماء ولا أرض أعظم من آية الكرسي"؟
فقلت: إنما وقع الخلق على الجنة والنار، والسماء والأرض، ولم يقع على القرآن".
وقال الذهبي في "السير"(10/578): "قال أبو الحسن عبد الملك الميموني قال رجل لأبي عبد الله: ذهبت إلى خلف البزار أعظه، بلغني أنه حدث بحديث عن أبي الأحوص عن عبد الله قال: (ما خلق الله شيئا أعظم...) وذكر الحديث.
فقال أبو عبد الله: ما كان ينبغي له أن يحدث بهذا في هذه الأيام - يريد زمن المحنة.
والمتن: (ما خلق الله من سماء ولا أرض أعظم من آية الكرسي).
وقد قال أحمد بن حنبل -لما أوردوا عليه هذا يوم المحنة-: إن الخلق واقع ها هنا على السماء والأرض، وهذه الأشياء، لا على القرآن.
قلت-القائل الذهبي-: كذا ينبغي للمحدث أن لا يشهر الأحاديث التي يتشبث بظاهرها أعداء السنن، من الجهمية وأهل الأهواء، والأحاديث التي فيها صفات لم تثبت؛ فإنك لن تحدث قوماً بحديث لا تبلغه عقولهم، إلا كان فتنة لبعضهم، فلا تكتم العلم الذي هو علم، ولا تبذله للجهلة الذين يشغبون عليك، أو الذين يفهمون منه ما يضرهم" انتهى.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "التسعينية" (2/ 614): " وكذلك الحديث الآخر: "ما خلق الله من سماء ولا أرض": فإن هذا لا يؤثر عن -النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أصلًا، ولكن يؤثر عن ابن مسعود نفسه.
وقد ثبت عن ابن مسعود بنقل العدول أنَّه قال: من حلف بالقرآن فعليه بكلِّ آية يمين، ومن كفر بحرف منه فقد كفر به أجمع".
وقد اتفق المسلمون على أن الكفارة لا تجب بما يخلقه في الأجسام، فعلم أن القرآن كان عند ابن مسعود صفة لله، لا مخلوقًا له، وأن معنى ذلك الأثر أنَّه ليس في الموجودات المخلوقة ما هو أفضل من آية الكرسي، لا أنها هي مخلوقة، كما يقال: الله أكبر من كل شيء، وإن كان ذلك الكبير مخلوقًا، والله تعالى ليس بمخلوق، وبذلك فسر الأئمة قول ابن مسعود".
وذكر تفسير سفيان بن عيينة، ثم قال:
" وروى الخلال عن أبي عبيد قال: وقد قال رجل: ما خلق الله من سماء ولا أرض أعظم من آية الكرسي، أفليس يدلك على أن هذا مخلوق؟
قال أبو عبيد: إنَّما قال: ما خلق الله من سماء ولا أرض أعظم من آية الكرسي، فأخبر الله أن السماء والأرض أعظم مَنْ خلقَ، وأخبر أن آية الكرسي التي هي من صفاته: أعظم من هذا العظيم المخلوق" انتهى.
وللفائدة ينظر جواب فضل آية الكرسي.
والله أعلم .
تعليق