الخميس 20 جمادى الأولى 1446 - 21 نوفمبر 2024
العربية

ربط فاحشة قوم لوط بالإسراف، وبيان المراد من قوله تعالى: (بل أنتم قوم مسرفون).

380818

تاريخ النشر : 17-09-2022

المشاهدات : 6054

السؤال

ما هي حكمة ربط فاحشة اللواط بكلمة الإسراف في قوله تعالى:( إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاءِ ۚ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ )، أو بمعنى آخر، لماذا قال مسرفون تحديدا في وصف هذه الفاحشة؟

ملخص الجواب

الإسراف المذكور في الآية عن هؤلاء القوم الكافرين المعذبين: ليس المراد به أن استحقاقهم للعذاب إنما كان لأجل وقوعهم في ذلك المنكر كثيرا، فهذا إنما يقوله من طمس الله على بصيرته، ولم يفهم كلام الله، ولا عرف لسان العرب؛ وإنما المراد أن هذا العمل الدنيء القبيح: هو في نفسه إسراف، ومجاوزة للحد الذي حده الله لعباده، ولو وقع من صاحبه مرة واحدة، في دهره كله!! وينظر للأهمية بيان ذلك في الجواب المطول

الجواب

الحمد لله.

أولا:

قال الله تعالى : إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ الأعراف/81.

قال ابن كثير، رحمه الله : "ولوط هو ابن هاران بن آزر، وهو ابن أخي إبراهيم الخليل، عليهما السلام، وكان قد آمن مع إبراهيم، عليه السلام، وهاجر معه إلى أرض الشام، فبعثه الله تعالى إلى أهل "سدوم" وما حولها من القرى، يدعوهم إلى الله، عز وجل، ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عما كانوا يرتكبونه من المآثم والمحارم والفواحش التي اخترعوها، لم يسبقهم بها أحد من بني آدم ولا غيرهم، وهو إتيان الذكور. وهذا شيء لم يكن بنو آدم تعهده ولا تألفه، ولا يخطر ببالهم، حتى صنع ذلك أهل "سدوم" عليهم لعائن الله"، انتهى من "تفسير ابن كثير" (3/444).

وقال الطيبي رحمه الله: "والذكر من الإنسان خلق للفاعلية، والأنثى للمفعولية، ووضع فيهما الشهوة لتكثير النسل، بقاءً لنوع الإنسان. فإذا عُكس، كان إبطالاً لتلك الحكمة.

وإليه أشار قوله تعالي: إنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ؛ أي لا حامل لكم عليه إلا مجرد الشهوة من غير داع آخر، ولا ذم أعظم منه؛ لأنه وصف لهم بالبهيمية، وأنه لا داعي لهم من جهة العقل ألبتة، كطلب النسل والتخلي إلي العبادة ونحوه. والله أعلم بالصواب، انتهى "شرح المشكاة" (8/2526).

وقال الفخر الرازي، رحمه الله: " هب أن الفاعل يلتذ بذلك العمل إلا أنه يبقى في إيجاب العار العظيم والعيب الكامل بالمفعول على وجه لا يزول ذلك العيب عنه أبداً لدهر والعاقل لا يرضى لأجل لذة خسيسة منقضية في الحال إيجاب العيب الدائم الباقي بالغير" انتهى، من "مفاتيح الغيب" (14/138).

ثانيا:

للجواب عما ورد في السؤال، مما يتعلق بالآية الكريمة، يقال:

أولًا :

الإسراف في اللغة: "مجاوزة الحد، والإفراط، والخطأ، ووضع الشيء في غير موضعه".

انظر: "تفسير الثعلبي" (10/80)، "تهذيب اللغة" (12/276).

ثانيًا :

الإسراف في الآية الكريمة، معناه : "إنكم لقوم تأتون ما حرم الله عليكم، وتعصونه بفعلكم هذا".

انظر: "تفسير الطبري" (10/305).

فهؤلاء المجرمون أسرفوا في أفعالهم؛ بمعنى : أنَّهم جاوزوا الحلال الذي أباحه الله لهم، إلى الحرام الذي حرمه الله عليهم.

قال السعدي، رحمه الله: " بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ أي: متجاوزون لما حده الله متجرئون على محارمه." انتهى، من "تفسير السعدي" (296).

وقال الشنقيطي، رحمه الله: " بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ والإسرافُ مجاوزةُ الحدِّ؛ لأن اللَّهَ خَلَقَ لهم النساءَ وجعلَ فيهن الجمالَ، وركبَ فيهن الشهوةَ؛ لأن اللَّهَ إنما رَكَّبَ الشهوةَ في الرجالِ والنساءِ، الحكمةُ الكبرى في ذلك أن يقعَ التناسلُ ويبقى نوعُ الإنسانِ؛ لأن المرأةَ إذا كانت لا تَشْتَهِي الجماعَ لا يمكنُ أن تَقْبَلَهُ بحالٍ أبدًا، فلا يمكنُ أن يُرْغِمَهَا على قبولِ جماعِ الرجلِ لها إلا شهوتُها في ذلك الفعلِ، فلو كانت لا تشتهيه ألبتةَ لَمَا قَبِلَتْهُ أبدًا وَلَتَمَنَّعَتِ النساءُ عن ذلك الفعلِ فَانْقَطَعَ نسلُ بَنِي آدمَ، وكذلك الرجلُ إن كان لم يُرَكَّبْ فيه شهوةُ هذا الفعلِ لاَ يقبلُ ذلك الفعلَ أبدًا. فجعلَ اللَّهُ الشهوةَ في الرجالِ إلى النساءِ، وفي النساءِ إلى الرجالِ؛ لتجتمعَ الشهوةُ والشهوةُ فيقعُ بذلك التناسلُ، ويبقَى نوعُ الإنسانِ. فَمَنْ صَرَفَ الشهوةَ إلى غيرِ محلِّها وجعلَها في الذَّكَرِ أَسْرَفَ؛ لأنه جَاوَزَ الحدَّ وَوَضَعَ الأمرَ في غيرِ مَوْضِعِهِ؛ لأنه لو اقْتَصَرَ الرجالُ على الرجالِ وتركوا النساءَ لاَنْقَطَعَ النسلُ وانقطعَ بَنُو آدمَ وخرب الْعَالَمُ كُلُّهُ؛ ولذا قال: بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ" انتهى، من "العذب النمير" (3/563).

وليس المراد أنَّ الحكم عليهم معلق على الإسراف بمعناه العام دون غيره ، كما قد يتوهم ، بل المراد بيان أن هذ الفعلة الشنيعة : إسراف، لأنه خروج عن الحد المباح، إلى الحال المحرم، بنفس الفعل، ولو مرة واحدة، ولو لم يكرر هذه الفعلة الشنعاء، فهي في نفسها إسراف، وكبيرة من كبائر الإثم، ولو وقعت من صاحبها مرة واحدة، نعوذ بالله من الضلال والفحش .

قال "القاسمي" في "محاسن التأويل" (5/ 139): "(بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ): إضراب عن الإنكار، إلى الإخبار عنهم بالحال التي توجب ارتكاب القبائح، وتدعو إلى اتباع الشهوات، وهو أنهم قوم عادتهم الإسراف، وتجاوز الحدود في كل شيء. فمن ثمّ أسرفوا في باب قضاء الشهوة، حتى تجاوزوا المعتاد، إلى غير المعتاد. ونحوه (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ) [الشعراء: 166]"، انتهى .

وقال "الطاهر ابن عاشور" : "ووصفهم بالإسراف، بطريق الجملة الاسمية الدالة على الثبات، أي أنتم قوم تمكن منهم الإسراف في الشهوات؛ فلذلك اشتهوا شهوة غريبة، لما سئموا الشهوات المعتادة.

وهذه شِنْشِنة الاسترسال في الشهوات، حتى يصبح المرء لا يشفي شهوته شيء، ونحوه قوله عنهم في آية أخرى: (بل أنتم قوم عادون) [الشعراء: 166]"، انتهى من"التحرير والتنوير" : (8/232).

والحاصل:

أن الإسراف المذكور في الآية عن هؤلاء القوم الكافرين المعذبين: ليس المراد به أن استحقاقهم للعذاب إنما كان لأجل وقوعهم في ذلك المنكر كثيرا، فهذا إنما يقوله من طمس الله على بصيرته، ولم يفهم كلام الله، ولا عرف لسان العرب؛ وإنما المراد أن هذا العمل الدنيء القبيح: هو في نفسه إسراف، ومجاوزة للحد الذي حده الله لعباده، ولو وقع من صاحبه مرة واحدة، في دهره كله!!

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب