الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

ما المقصود بحديث : (فيأتيهم الجبار في صورة غير صورته التي رأوه فيها أول مرة)؟

382372

تاريخ النشر : 22-04-2024

المشاهدات : 3749

السؤال

ما معنى هذا الجزء من الحديث الطويل فيأتيهم الجبار في صورة غير صورته التي رأوه فيها أول مرة... هل سيأخذ الله شكلا مختلفا بدلا من شكله الأصلي ؟ هل نزل الله إلى الأرض ليخاطب موسى أم تكلّم من فوق العرش؟ هل أخذ الله شكل النّار عندما كلّمه؟ هل اتّخاذ شكل الإنسان تكون صفة لله؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

دلت السنة على أن الناس يرون ربهم يوم القيامة عند الحساب، ويراه النبي صلى الله عليه وسلم حين يشفع للخلائق في فصل القضاء، فهذه الرؤية الأولى.

ثم إذا أخذ الكفار إلى النار، وبقيت هذه الأمة وفيها منافقوها، أتاهم الله في صورة غير الصورة التي رأوه فيها أول مرة، وهذا اختبار وامتحان لهم، فيسألهم ماذا تنتظرون، فيقولن ننتظر ربنا، فيقول لهم بينكم وبينه علامة؟ فيقولون: الساق، فيكشف عن ساقه، فيسجد المؤمنون، فإذا رفعوا رؤوسهم رأوه في صورته الأولى.

أما الرؤية الأولى: فيستدل لها بحديث عدي بن حاتم عند البخاري (1413) وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( ثُمَّ لَيَقِفَنَّ أَحَدُكُمْ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ حِجَابٌ وَلاَ تَرْجُمَانٌ يُتَرْجِمُ لَهُ)، وبحديث أبي هريرة عند مسلم (2968): ( فَيَلْقَى الْعَبْدَ، فَيَقُولُ: أَيْ فُلْ أَلَمْ أُكْرِمْكَ، وَأُسَوِّدْكَ، وَأُزَوِّجْكَ، وَأُسَخِّرْ لَكَ الْخَيْلَ وَالْإِبِلَ، وَأَذَرْكَ تَرْأَسُ وَتَرْبَعُ؟ فَيَقُولُ: بَلَى، قَالَ: فَيَقُولُ: أَفَظَنَنْتَ أَنَّكَ مُلَاقِيَّ؟ فَيَقُولُ: لَا، فَيَقُولُ: فَإِنِّي أَنْسَاكَ كَمَا نَسِيتَنِي) الحديث.

واللقاء يتضمن الرؤية، ثم يحصل الحجب للكفار. وينظر: مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية (6/ 462- 468).

وفي حديث أنس في الشفاعة عند البخاري (7440) ومسلم (193): ( فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي، فَيُؤْذَنُ لِي، فَإِذَا أَنَا رَأَيْتُهُ وَقَعْتُ سَاجِدًا...).

وفيه إثبات رؤية نبينا صلى الله عليه وسلم لربه في القيامة، قبل أن يأتي الله المؤمنين في صورة غير صورته، وهو مؤكد لإثبات الرؤية الأولى.

وقد جاء عند أحمد (15) وابن خزيمة في التوحيد (2/ 735) وابن حبان (6476) من حديث حذيفة عن أبي بكر: (... انْطَلِقُوا إِلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَشْفَعَ لَكُمْ إِلَى رَبِّكُمْ عَزَّ وَجَلَّ. قَالَ: فَيَنْطَلِقُ، فَيَأْتِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ رَبَّهُ، فَيَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ائْذَنْ لَهُ، وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ، قَالَ: فَيَنْطَلِقُ بِهِ جِبْرِيلُ فَيَخِرُّ سَاجِدًا قَدْرَ جُمُعَةٍ، وَيَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ارْفَعْ رَأْسَكَ يَا مُحَمَّدُ، وَقُلْ يُسْمَعْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، قَالَ: فَيَرْفَعُ رَأْسَهُ، فَإِذَا نَظَرَ إِلَى رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ، خَرَّ سَاجِدًا قَدْرَ جُمُعَةٍ أُخْرَى، فَيَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَقُلْ يُسْمَعْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ) وإسناده جيد كما قال الشيخ شعيب الأرنؤوط في تحقيق ابن حبان.

وعند ابن حبان (6480) من حديث أنس: ( فَيَتَجَلَّى لَهُ الرَّبُّ، وَلَا يَتَجَلَّى لِنَبِيٍّ قَبْلَهُ، فَيَخِرُّ لِلَّهِ سَاجِدًا، وَيَحْمَدُهُ بِمَحَامِدَ لَمْ يَحْمَدْهُ أَحَدٌ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَهُ ، وَلَنْ يَحْمَدَهُ أَحَدٌ بِهَا مِمَّنْ كَانَ بَعْدَهُ) وإسناده حسن.

وأما الرؤية الثانية والثالثة: ففي حديث أبي سعيد عند مسلم (183): (... أَتَاهُمْ رَبُّ الْعَالَمِينَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي أَدْنَى صُورَةٍ مِنَ الَّتِي رَأَوْهُ فِيهَا، قَالَ: فَمَا تَنْتَظِرُونَ؟ تَتْبَعُ كُلُّ أُمَّةٍ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ، قَالُوا: يَا رَبَّنَا، فَارَقْنَا النَّاسَ فِي الدُّنْيَا أَفْقَرَ مَا كُنَّا إِلَيْهِمْ، وَلَمْ نُصَاحِبْهُمْ، فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: نَعُوذُ بِاللهِ مِنْكَ لَا نُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، حَتَّى إِنَّ بَعْضَهُمْ لَيَكَادُ أَنْ يَنْقَلِبَ، فَيَقُولُ: هَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ آيَةٌ فَتَعْرِفُونَهُ بِهَا؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ فَلَا يَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ لِلَّهِ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ إِلَّا أَذِنَ اللهُ لَهُ بِالسُّجُودِ، وَلَا يَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ اتِّقَاءً وَرِيَاءً إِلَّا جَعَلَ اللهُ ظَهْرَهُ طَبَقَةً وَاحِدَةً، كُلَّمَا أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ خَرَّ عَلَى قَفَاهُ، ثُمَّ يَرْفَعُونَ رُءُوسَهُمْ وَقَدْ تَحَوَّلَ فِي صُورَتِهِ الَّتِي رَأَوْهُ فِيهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ، فَقَالَ: أَنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: أَنْتَ رَبُّنَا، ثُمَّ يُضْرَبُ الْجِسْرُ عَلَى جَهَنَّمَ).

 وفي حديث أبي سعيد عند البخاري: ( قَالَ: فَيَأْتِيهِمُ الجَبَّارُ فِي صُورَةٍ غَيْرِ صُورَتِهِ الَّتِي رَأَوْهُ فِيهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ، فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: أَنْتَ رَبُّنَا، فَلاَ يُكَلِّمُهُ إِلَّا الأَنْبِيَاءُ، فَيَقُولُ: هَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ آيَةٌ تَعْرِفُونَهُ؟ فَيَقُولُونَ: السَّاقُ، فَيَكْشِفُ عَنْ سَاقِهِ، فَيَسْجُدُ لَهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ، وَيَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ لِلَّهِ رِيَاءً وَسُمْعَةً، فَيَذْهَبُ كَيْمَا يَسْجُدَ، فَيَعُودُ ظَهْرُهُ طَبَقًا وَاحِدًا) أي يستوي فَقَار ظهره، فلا ينثني للسجود.

والصورة التي يأتي الله فيها عباده لا نعلمها؛ لأنها غيب لم يخبرنا به، فنحن نؤمن بذلك ونسلم، ولا ندخل فيه بأهوائنا، ولا نتخيل، ولا نشبه، ولا نمثل، فهو سبحانه " لا تمثله العقول بالتفكير، ولا تتوهمه القلوب بالتصوير، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى: 11] " انتهى من لمعة الاعتقاد، لابن قدامة، ص 5.

ثانيا:

قرر ابن القيم رحمه الله أن هذا النور هو نور الحجاب، فقال: " وَالنُّورُ الَّذِي احْتَجَبَ بِهِ سُمِّيَ نُورًا وَنَارًا، كَمَا وَقَعَ التَّرَدُّدُ فِي لَفْظِهِ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ، حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَهُوَ قَوْلُهُ: (حِجَابُهُ النُّورُ أَوِ النَّارُ )، فَإِنَّ هَذِهِ النَّارَ هِيَ نُورٌ، وَهِيَ الَّتِي كَلَّمَ اللَّهُ كَلِيمَهُ مُوسَى فِيهَا، وَهِيَ نَارٌ صَافِيَةٌ لَهَا إِشْرَاقٌ بِلَا إِحْرَاقٍ" انتهى من مختصر الصواعق، ص423

وكون النور الذي في الشجرة هو نور الله تعالى، فهذا لا ينافي علوه على عرشه، لكن ذلك يدل على القرب إلى ما دون السماء.

قال شيخ الإسلام رحمه الله: "وإذا كان المنادي هو الله رب العالمين، وقد ناداه من موضع معين، وقربه إليه؛ دل ذلك على ما قاله السلف : من قربه ودنوه من موسى عليه السلام ؛ مع أن هذا قرب مما دون السماء" انتهى من مجموع الفتاوى (5/ 464).

والمشهور عن السلف في النزول أنهم يقولون: ينزل ولا يخلو منه العرش، وهذا دال على أن نزوله ليس كنزول المخلوقين، سبحانه وتعالى وتقدس، فهو ينزل إلى السماء الدنيا ولا يكون شيء فوقه، ولا يعلم كيفية نزوله إلا هو سبحانه.

وقال شيخ الإسلام رحمه الله: " وأصل هذا: أن قربه ـ سبحانه ـ ودنوه من بعض مخلوقاته، لا يستلزم أن تخلو ذاته من فوق العرش، بل هو فوق العرش، ويقرب من خلقه كيف شاء، كما قال ذلك من قاله من السلف، وهذا كقربه إلى موسى لما كلمه من الشجرة" انتهى من شرح حديث النزول، ص99

ولا يلزم من ذلك محذور كإحاطة شيء به، بل هو تعالى عال في دنوه، فوق كل شيء.

ولهذا قال ابن كثير رحمه الله في هذا الموضع: " وقوله: وسبحان الله رب العالمين أي: الذي يفعل ما يشاء ولا يشبه شيئا من مخلوقاته، ولا يحيط به شيء من مصنوعاته، وهو العلي العظيم، المباين لجميع المخلوقات، ولا يكتنفه الأرض والسموات، بل هو الأحد الصمد، المنزه عن مماثلة المحدثات" انتهى من تفسير ابن كثير (6/ 180).

ثالثا:

لم ير موسى عليه السلام ربه، وتعالى الله أن يأخذ شكل النار أو الإنسان، فالله سبحانه ليس كمثله شيء.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب