الحمد لله.
لا تعارض بين قول الله تعالى: ( وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَٰكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) السجدة/ 13، وبين ما روى البخاري (6661) ومسلم (2848) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا تَزَالُ جَهَنَّمُ تَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ حَتَّى يَضَعَ رَبُّ الْعِزَّةِ فِيهَا قَدَمَهُ فَتَقُولُ قَطْ قَطْ وَعِزَّتِكَ وَيُزْوَى بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ).
ورواه البخاري (4849)، ومسلم (2846) واللفظ له، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بلفظ: ( فَأَمَّا النَّارُ فَلَا تَمْتَلِئُ فَيَضَعُ قَدَمَهُ عَلَيْهَا، فَتَقُولُ: قَطْ، قَطْ. فَهُنَالِكَ تَمْتَلِئُ، وَيُزْوَى بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ).
وروى البخاري (4850) من حديث أبي هريرة: (فَأَمَّا النَّارُ فَلَا تَمْتَلِئُ حَتَّى يَضَعَ رِجْلَهُ، فَتَقُولُ: قَطْ قَطْ، فَهُنَالِكَ تَمْتَلِئُ، وَيُزْوَى بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ).
وأما اللفظ الوارد في السؤال (حَتَّى يُدْلِيَ فِيهَا رَبُّ الْعَالَمِينَ قَدَمَهُ) فقد رواه ابن خزيمة في "التوحيد" (1/21).
ووجه عدم التعارض: أن الآية دلت على أن جهنم تمتلئ من الجنة والناس، وهذا ما سيكون، لكن لا تمتلئ بهم حتى يضع الجبار قدمه عليها.
وقد ورى الطبري بإسناده عن ابن عباس قال: "إن الله الملِك، قد سبقت منه كلمة (لأمْلأنَّ جَهَنَّمَ) لا يُلقى فيها شيء إلا ذهب فيها، لا يملأها شيء، حتى إذا لم يبق من أهلها أحد إلا دخلها، وهي لا يملأها شيء، أتاها الربّ فوضع قدمه عليها، ثم قال لها: هل امتلأت يا جهنم؟ فتقول: قطِ قطِ; قد امتلأت، ملأتني من الجنّ والإنس، فليس في مزيد. قال ابن عباس: ولم يكن يملأها شيء، حتى وجدت مسّ قدم الله تعالى ذِكرُه، فتضايقت، فما فيها موضع إبرة".
وروى عنه أيضا قال: "إن الله الملك تبارك وتعالى قد سبقت كلمته: (لأمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ)؛ فلما بعث الناس، وأُحضِروا، وسيق أعداء الله إلى النار زمرا، جعلوا يقتحمون في جهنم فوجا فوجا، لا يلقى في جهنم شيء إلا ذهب فيها، ولا يملأها شيء، قالت: ألستَ قد أقسمت لتملأني من الجِنَّة والناس أجمعين؟ فوضع قدمه، فقالت حين وضع قدمه فيها: قدِ قدِ، فإني قد امتلأت، فليس لي مزيد، ولم يكن يملأها شيء، حتى وَجَدَتْ مسّ ما وُضع عليها، فتضايقت حين جعل عليها ما جعل، فامتلأت، فما فيها موضع إبرة" انتهى من "تفسير الطبري" (22/360).
فجهنم تمتلئ بالجِنة والناس حتى لا يبقى فيها موضع إبرة، وهذا الامتلاء لا يقع إلا بعد أن يضع الجبار عليها قدمه، ، فالآية إخبار عما يؤول إليه الأمر، دون ذكر كيف يحصل ذلك، وهذا ما بينته السنة.
والله أعلم.
تعليق