الخميس 20 جمادى الأولى 1446 - 21 نوفمبر 2024
العربية

الكلام على حديث أطيط العرش وهل يلزم منه الجسمية؟

426117

تاريخ النشر : 19-01-2024

المشاهدات : 9703

السؤال

بفرض صحة الأحاديث التي ورد فيها أطيط العرش،هل فيها طعن في الله تعالى؛ لأن المخالفين يقولون: بأنها تعني أن الله سبحانه وتعالى له جسم، وأنه جسم ثقيل عياذا بالله تعالى؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

أطيط العرش، جاء في حديث الأوعال الذي رواه أبو داود (4726) وغيره، عن محمد بن إسحاق، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: " أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْرَابِيٌّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، جُهِدَتِ الْأَنْفُسُ، وَضَاعَتِ الْعِيَالُ، وَنُهِكَتِ الْأَمْوَالُ، وَهَلَكَتْ الْأَنْعَامُ، فَاسْتَسْقِ اللَّهَ لَنَا فَإِنَّا نَسْتَشْفِعُ بِكَ عَلَى اللَّهِ وَنَسْتَشْفِعُ بِاللَّهِ عَلَيْكَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَيْحَكَ أَتَدْرِي مَا تَقُولُ؟) وَسَبَّحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَا زَالَ يُسَبِّحُ حَتَّى عُرِفَ ذَلِكَ فِي وُجُوهِ أَصْحَابِهِ، ثُمَّ قَالَ: (وَيْحَكَ إِنَّهُ لَا يُسْتَشْفَعُ بِاللَّهِ عَلَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ، شَأْنُ اللَّهِ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ، وَيْحَكَ أَتَدْرِي مَا اللَّهُ، إِنَّ عَرْشَهُ عَلَى سَمَاوَاتِهِ لَهَكَذَا) وَقَالَ بِأَصَابِعِهِ مِثْلَ الْقُبَّةِ عَلَيْهِ (وَإِنَّهُ لَيَئِطُّ بِهِ أَطِيطَ الرَّحْلِ بِالرَّاكِبِ) قَالَ ابْنُ بَشَّارٍ فِي حَدِيثِهِ: (إِنَّ اللَّهَ فَوْقَ عَرْشِهِ، وَعَرْشُهُ فَوْقَ سَمَاوَاتِهِ) وَسَاقَ الْحَدِيثَ.

هو حديث ضعيف، ضعفه الألباني وغيره.

وأخرج عبد الله بن أحمد في "السنة" (585) عن عبد الله بن خليفة، عن عمر رضي الله عنه قال: "إذا جلس الرب على الكرسي، سمع له أطيط كأطيط الرحل الجديد".

وجاء أيضا في حديث عبد الله بن خليفة قال: " أتت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: ادع الله أن يدخلني الجنة، فعظم الرب - تعالى ذكره -، ثم قال: ( إن كرسيه وسع السموات والأرض، وإنه ليقعد عليه، فما يفضل منه مقدار أربع أصابع، ثم قال باصابعه فجمعها: وإن له أطيطا كأطيط الرحل الجديد إذا ركب من ثقله).

أخرجه ابن جرير في "تفسيره": (1/111) ، والدارمي في "الرد على بشر المريسي": ص 47، وأحمد في "السنة": ص 17. كلهم من طريق إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد الله بن خليفة مرسلا بنحوه.

وقد روى الحديث مرفوعا وموقوفا.

وقد طعن بعض العلماء في هذا الحديث لاضطراب في السند والمتن، قال ابن كثير: "ثم منهم من يرويه عن عمر موقوفا، ومنهم من يرويه عن عمر مرسلا، ومنهم من يزيد في متنه زيادة غريبة، ومنهم من يحذفها" انتهى من "تفسير ابن كثير": (1/ 310).

وعبد الله بن خليفة الذي عليه مدار الحديث لم يوثقه إلا ابن حبان، وقال فيه الذهبي: لا يكاد يعرف. ولهذا فهو حديث ضعيف أيضا.

والأطيط: نقيض صوت المحامل والرحال إذا ثقل عليها الركبان. وأط الرحل والنسع يئط أطاً وأطيطاً: صَوَّتَ، وكذلك كل شيء أشبه صوت الرحل الجديد. "لسان العرب" (1/92) -مادة أطط.

قال الذهبي في "العلو" (ص44-45) : " هذا حديث غريب جدا، فرد. وابن إسحاق حجة في المغازي إذا أسند، وله مناكير وعجائب؛ فالله أعلم أقال النبي صلى الله عليه وسلم هذا أم لا؟ والله عز وجل؛ فـ ليس كمثله شيء جل جلاله، وتقدست أسماؤه، ولا إله غيره.

الأطيط الواقع بذات العرش، من جنس الأطيط الحاصل في الرحل؛ فذاك صفة للرحل وللعرش، ومعاذ الله أن نعده صفة لله عز وجل.

ثم لفظ الأطيط لم يأت به نص ثابت" انتهى.

وعلى فرض صحة الحديث -وقد صححه جماعة من المحدثين-؛ فلا محذور فيه، ولا يلزم منه الجسمية الممنوعة، وهو كونه جسدا، أو مركبا من الهيولى والصورة، أو من عدة أجزاء، كما سيأتي.

والله تعالى له ذات حقيقية عظيمة أعظم وأكبر من كل شيء، لا كما يدور كلام الجهمية وأفراخهم على أنه ليس شيئا في الخارج، حتى إن مآل كلامهم، وأصولهم البدعية: أنه مجرد معنى في الذهن، تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا.

قال حماد بن زيد وغيره: " ما يُجادِلُونَ إلّا أنَّهُ لَيْسَ فِي السَّماءِ إلَهٌ ". انتهى، من "خلق أفعال العباد" للبخاري (30). وينظر للفائدة: "العلو" للذهبي، رقم (388) وتعليق الذهبي عليه.

ولو صح الحديث لقلنا به دون التفات لتشنيع المعطلة.

ولهذا قال الذهبي في "العرش" (2/ 155) قلت: وهذا الحديث صحيح عند جماعة من المحدثين، أخرجه الحافظ ضياء الدين المقدسي في صحيحه، وهو من شرط ابن حبان، فلا أدري أخرجه أم لا؟، فإن عنده: أن العدل الحافظ، إذا حدث عن رجل لم يُعرف بجرح؛ فإن ذلك إسناد صحيح.

فإذا كان هؤلاء الأئمة: أبو إسحاق السبيعي، والثوري، والأعمش، وإسرائيل، وعبد الرحمن بن مهدي، وأبو أحمد الزبيري، ووكيع، وأحمد بن حنبل، وغيرهم ممن يطول ذكرهم وعددهم الذين هم سُرُج الهدى ومصابيح الدجى، قد تلقوا هذا الحديث بالقبول وحدثوا به، ولم ينكروه، ولم يطعنوا في إسناده، فمن نحن حتى ننكره، ونتحذلق عليهم؟

بل نؤمن به، ونكل علمه إلى الله عز وجل.

قال الإمام أحمد: "لا نزيل عن ربنا صفة من صفاته لشناعة شنِّعت؛ وإن نَبَت عن الأسماع".

فانظر إلى وكيع بن الجراح الذي خلف سفيان الثوري في علمه وفضله، وكان يشبّه به في سمته وهديه، كيف أنكر على ذلك الرجل، وغضب لما رآه قد تلون لهذا الحديث" انتهى.

ويمكن توجيه الأطيط: بأنه من عظمة الله، كما أن السموات تشقق من ذلك، وقد أورد ابن أبي شيبة رحمه الله في كتابه العرش، حديث جبير بن مطعم في الأطيط، وأتبعه بحديث أبي أمامة صدي بن عجلان الباهلي قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (سَلُوا اللَّهَ جَنَّةَ الْفِرْدَوْسِ، فَإِنَّهَا صُرَّةُ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ أَهْلَ الْفِرْدَوْسِ لَيَسْمَعُونَ أَطِيطَ الْعَرْشِ).

ثم روى بإسناده عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ قَالَ: "مِمَّنْ فَوْقِهِنَّ: مِنَ الثِّقَلِ".

ثم روى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ ، قَالَ: "بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ" .

ثم عن قَتَادَةَ: يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ قَالَ: "يَنْفَطِرْنَ مِنْ عَظَمَةِ اللَّهِ وَجَلَالِهِ" .

وحديث أبي أمامة أخرجه ابن بطة في "الإبانة": "ق (195/ ب) ، والحاكم في "المستدرك": (2/ 371) ، والطبراني في "المعجم الكبير": ص 7966 كلهم عن طريق إسرائيل، عن جعفر بن الزبير به.

وإسناده ضعيف، لأن جعفر بن الزبير متروك الحديث.

قال الدكتور محمد بن خليفة التميمي في تحقيقه لكتاب العرش ص338: " إيراد المصنف لهذا الأثر والأثرين اللذين سيأتيان من بعده إنما هو لأمرين:

الأمر الأول: لما فيهما من الدلالة على علو الله- سبحانه وتعالى- وذلك لأن فيها إثبات علو الله وارتفاعه فوق سمواته.

الأمر الثاني: أنه أوردهما لما فيهما من التأييد لمسألة الأطيط الواردة في الحديثين السابقين، فكأنما مقصد المؤلف أن يبين أن أطيط العرش هو من جنس تشقق السموات وتفطرها، إذ الكل يتشقق من عظمة الله وجلاله- سبحانه وتعالى-.

وأما ما ورد في الأثر من أن تشقق السموات إنما هو من الثقل، فإن كان المقصود بالثقل ثقل من في السموات من الملائكة ومن فوق السموات كالعرش، فهذا يؤيده حديث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أطت السماء، وحق لها أن تئط ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك واضحا جبهته ساجدا". انظر: "سنن الترمذي"، "كتاب الزهد"، باب 9: (5/556) ، و"مسند الإمام أحمد" (5/173) .

وأما إذا كان المقصود ثقل الرحمن، فإن الوارد عن أهل التفسير كالطبري وابن كثير والقرطبي وغيرهم أن التشقق من عظمة الله وجلاله، وهذا ما ورد عن ابن عباس والضحاك وقتادة والسدي، وكعب الأحبار. والله أعلم" انتهى.

وقد صرح الذهبي نفسه بأن مراده من ذكر هذا الحديث، ما فيه من تقرير العلو؛ دون خصوص مسألة "الأطيط". قال:

"وقولنا في هذه الأحاديث: أننا نؤمن بما صح منها، وبما اتفق السلف على إمراره وإقراره.

فأما ما في إسناده مقال، واختلف العلماء في قبوله، وتأويله؛ فإنا لا نتعرض له بتقرير؛ بل نرويه في الجملة، ونبين حاله.

وهذا الحديث إنما سقناه لما فيه مما تواتر من علو الله تعالى فوق عرشه، مما يوافق آيات الكتاب" انتهى، من "العلو" (45).

ثانيا:

أهل السنة لا يثبتون لفظ الجسم ولا ينفونه.

وأما معنى الجسم: فإن الجسم استعمل في أربعة معان، كلها منفية عن الله تعالى؛ إلا معنى واحدا.

1-الجسد والبدن. وهو معناه في اللغة.

2-المركب من الهيولى (المادة) والصورة، وإليه ذهب الفلاسفة.

3-المؤلف أو المركب من جوهرين فصاعداً، وإليه ذهب الأشاعرة.

4-الموجود، أو القائم بنفسه، أو المشار إليه، وإليه ذهب الكرامية.

والمعاني الثلاثة الأول باطلة في حق الله تعالى.

وأما المعنى الرابع، فحق، لكن لا يعبر عنه بالجسم؛ لعدم وروده.

وينظر: جواب السؤال رقم: (364434).

وعليه؛ فنسبة أهل السنة إلى التجسيم كذب وافتراء، وهذا من صنيع أهل البدع قديما وحديثا.

قال الإمام أبو حاتم الرازي رحمه الله: " علامة أهل البدع الوقيعة في أهل الأثر.

وعلامة الزنادقة: تسميتهم أهل السنة حشوية، يريدون إبطال الأثر.

وعلامة الجهمية: تسميتهم أهل السنة مشبهة .

وعلامة الرافضة: تسميتهم أهل السنة ناصبة" رواه اللالكائي في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة" (1/ 197 - 201).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب