الخميس 20 جمادى الأولى 1446 - 21 نوفمبر 2024
العربية

هل يجب أن يمس الإنسان بأساء وضراء في الدنيا حتى يدخل الجنة وإلا لم يدخلها؟

511520

تاريخ النشر : 30-05-2024

المشاهدات : 2397

السؤال

في آية : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم ۖ مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ)، هل معناه دخول الجنة يتطلب مشقة في الدنيا؟ والذي لم يبتلى ومات لا يدخل الجنة؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

لا يلزم أن يبتلى الإنسان ليدخل الجنة، فقد يُسْلِم فيموت، أو يبلغ فيموت، فيدخل الجنة دون ابتلاء، وقد يعيش زمنا أيضا، لا يمرض ولا يصيبه فقر، ثم يموت فيدخل الجنة.

غير أن هذا الذي يعيش دهره سالما من كل ابتلاء، وشدة، ومنغص لأمر العيش، لا يكاد يكون في هذه الدار، سواء كان مؤمنا أم كافرا؛ إلا في النادر الشاذ الذي لا حكم له، ولا نظر إليه.

قال الله تعالى: ( إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا ) الإنسان/2

وقال الله تعالى: ( لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ ) البلد/4.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله:

" فالناس إذا أرسل إليهم الرسل بين أمرين: إمّا أن يقول أحدهم: آمنّا، وإما أن لا يقول: آمنّا، بل يستمر على عمل السيئات. فمن قال "آمنّا" امتحنه الرب عز وجل وابتلاه، وألبسه الابتلاء والاختبار ليبين الصادق من الكاذب، ومن لم يقل "آمنّا" فلا يحسب أنه يسبق الرب لتجربته، فإنَّ أحدًا لن يُعجز الله تعالى.

هذه سنته تعالى، يُرسل الرسل إلى الخلق، فيكذبهم الناس ويؤذونهم، قال تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْأِنْسِ وَالْجِنِّ)، وقال تعالى: (كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ)، وقال تعالى: (مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ).

ومن آمن بالرسل وأطاعهم عَادَوه وآذَوه، فابتلي بما يؤلمه، وإن لم يؤمن بهم عُوقِب، فحصَلَ ما يؤلمه أعظم وأدوم. ف‌‌لابد من حصول الألم لكل نفسٍ سواءً آمنت أم كفرت، لكن المؤمن يحصل له الألم في الدنيا ابتداءً ثم تكون له العاقبة في الدنيا والآخرة. والكافر تحصل له النعمة ابتداءً، ثم يصير في الألم.

سأل رجل الشافعيَّ فقال: يا أبا عبد الله! أيما أفضل للرجل أن يمكَّن أو يُبتلَى؟ فقال الشافعي: لا يمكَّن حتى يُبتلَى، فان الله ابتلى نوحًا وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمدًا صلوات الله وسلامُه عليهم أجمعين، فلما صبروا مكَّنَهم، فلا يظن أحدٌ أن يخلص من الألم البتَّةَ.

وهذا أصلٌ عظيم، فينبغي للعاقل أن يعرفه، وهذا يحصل لكل أحد، فإن الإنسان مدنيّ الطبع، لابدَّ له أن يعيش مع الناس، والناس لهم إرادات وتصورات يطلبون منه أن يوافقهم عليها، وإن لم يوافقهم آذوه وعذَّبوه، وإن وافقهم حصل له الأذى والعذاب تارة منهم وتارة من غيرهم".

ثم قال:

" ولابدَّ أن يَبتليَ الإنسانَ بما يَسُرُّه ويسوؤه، فهو محتاج إلى أن يكون صابرًا شكورًا، قال تعالى: (إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا)، وقال تعالى: (وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)، وقال تعالى (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) ...

وذلك أن النفس لا تزكو وتصلح حتى تمحص بالبلاء، كالذهب الذي لا يخلص جيَّدُه من رديئه حتى يُفْتَنَ في كِيْرِ الامتحان، إذ كانت النفس جاهلة ظالمةً، وهي مَنْشأ كلِّ شرٍّ يَحصُل للعبد، فلا يحصل له شرّ إلا منها، قال تعالى: (مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ)، وقال تعالى: (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ)".

انظر: "جامع المسائل" لشيخ الإسلام (3/253) وما بعدها.

وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم:  (306975 )، ورقم: (71236 ).

ثانيا:

لما كانت الدنيا مليئة بالفتن والشهوات، ولا ينفك الإنسان عن ذنب، كما لا ينفك عن تقصير فيما أوجب الله عليه، جعل الله تعالى لعباده ما يكفر عنهم سيئاتهم ويرفع درجاتهم، ويخرجهم من غفلتهم، وذلك بالابتلاء في النفس أو المال أو الولد.

روى البخاري (5641)، ومسلم (2573) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَا يُصِيبُ المُسْلِمَ، مِنْ نَصَبٍ وَلاَ وَصَبٍ، وَلاَ هَمٍّ وَلاَ حُزْنٍ وَلاَ أَذًى وَلاَ غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ).

والوصب: المرض.

وروى البخاري (5660)، ومسلم (2571) عَنْ عَبْدِ اللهِ بن مسعود، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُوعَكُ، فَمَسِسْتُهُ بِيَدِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّكَ لَتُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَجَلْ إِنِّي أُوعَكُ كَمَا يُوعَكُ رَجُلَانِ مِنْكُمْ).

قَالَ: فَقُلْتُ: ذَلِكَ أَنَّ لَكَ أَجْرَيْنِ؟

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَجَلْ).

ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى مِنْ مَرَضٍ، فَمَا سِوَاهُ إِلَّا حَطَّ اللهُ بِهِ سَيِّئَاتِهِ، كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَها).

وروى الترمذي (2399) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا يَزَالُ الْبَلَاءُ بِالْمُؤْمِنِ وَالْمُؤْمِنَةِ فِي نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَمَالِهِ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ ).

وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (21631 )، ورقم: (35914 ).

ثالثاً:

لا يصل الإنسان إلى الكمال إلا بالابتلاء، ولهذا كان أولو العزم من الرسل أفضل من غيرهم، والجنة محفوفة بالمكاره، ونيل درجاتها العلى يحتاج إلى صبر ومصابرة.

ولهذا كان أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الصالحون، وإذا أحب الله عبدا ابتلاه، وإذا أراد به شرا أمسك عنه ليوافيه يوم القيامة بذنبه.

روى أحمد (1555) عن سَعْد قال: يَا رَسُولَ اللهِ أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلاءً؟ قَالَ: (الْأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الْأَمْثَلُ، فَالْأَمْثَلُ، حَتَّى يُبْتَلَى الْعَبْدُ عَلَى قَدْرِ دِينِهِ، ذَاكَ فَإِنْ كَانَ صُلْبَ الدِّينِ ابْتُلِيَ عَلَى قَدْرِ ذَاكَ وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى قَدْرِ ذَاكَ). قَالَ: (فَمَا تَبْرَحُ الْبَلايَا عَنِ الْعَبْدِ، حَتَّى يَمْشِيَ فِي الْأَرْضِ - يَعْنِي - وَمَا إِنْ عَلَيْهِ مِنْ خَطِيئَةٍ) وحسنه محققو المسند.

وروى الترمذي (2396)، وابن ماجه (4031) عَنْ أنس رضي الله عنه عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلَاءِ وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.

وروى الترمذي (2396) عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الخَيْرَ عَجَّلَ لَهُ العُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا، وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الشَّرَّ أَمْسَكَ عَنْهُ بِذَنْبِهِ حَتَّى يُوَافِيَ بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ) وصححه الألباني.

وقد يكتب الله للعبد منزلة عالية، فلا يبلغها بعمله، فيبتليه ويصبّره ليبلّغه تلك المنزلة، كما روى أحمد (22338)، وأبو داود (3090) عن إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَهْدِيٍّ السَّلَمِيُّ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ -وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا سَبَقَتْ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَنْزِلَةٌ، لَمْ يَبْلُغْهَا بِعَمَلِهِ ابْتَلَاهُ اللَّهُ فِي جَسَدِهِ، أَوْ فِي مَالِهِ، أَوْ فِي وَلَدِهِ حَتَّى يُبْلِغَهُ الْمَنْزِلَةَ الَّتِي سَبَقَتْ لَهُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى) وصححه الألباني.

فعُلم بهذا أن الابتلاء خير للعبد من عدمه، به تكفّر خطاياه، وترفع درجته، ويقرُب من ربه فيدعوه ويرجوه، لكن لا يلزم أن كل مؤمن تمسه الضراء ليدخل الجنة.

قال ابن القيم، رحمه الله: " النفوس تكتسب من العافية الدائمة والنصر والغنى طغيانا وركونا إلى العاجلة، وذلك مرض يعوقها عن جدها في سيرها إلى الله والدار الآخرة، فإذا أراد بها ربها ومالكها وراحمها كرامته قيض لها من ‌الابتلاء والامتحان ما يكون دواء لذلك المرض العائق عن السير الحثيث إليه، فيكون ذلك البلاء والمحنة بمنزلة الطبيب يسقي العليل الدواء الكريه، ويقطع منه العروق المؤلمة لاستخراج الأدواء منه، ولو تركه لغلبته الأدواء حتى يكون فيها هلاكه". انتهى، من "زاد المعاد" (3/198).

رابعاً:

قوله تعالى: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ) البقرة/ 214.

المقصود منه أن نيل الدرجات العلا لا ينال إلا بالابتلاء والصبر عليه، وهذه سنته تعالى في عباده، يبتليهم ليرفع درجاتهم.

والآية نزلت في غزوة الخندق وقيل غزوة أحد، فالخطاب فيها للصحابة رضي الله عنهم، وهم أهل الدرجات العلا، وفيها إخبار لهم أن لا ينالون هذه الدرجات إلا بالابتلاء كما ابتلي من قبلهم.

قال القرطبي رحمه الله: " قوله تعالى: (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة) (حسبتم) معناه ظننتم.

قال قتادة والسدي وأكثر المفسرين: نزلت هذه الآية في غزوة الخندق حين أصاب المسلمين ما أصابهم من الجهد والشدة، والحر والبرد، وسوء العيش، وأنواع الشدائد، وكان كما قال الله تعالى: (وبلغت القلوب الحناجر). وقيل: نزلت في حرب أحد، نظيرها- في آل عمران- (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم).

وقالت فرقة: نزلت الآية تسلية للمهاجرين حين تركوا ديارهم وأموالهم بأيدي المشركين، وآثروا رضا الله ورسوله، وأظهرت اليهود العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأسرّ قوم من الأغنياء النفاق، فأنزل الله تعالى تطييبا لقلوبهم" أم حسبتم"" انتهى من "تفسير القرطبي" (3/ 33).

وقال الرازي رحمه الله: " في النظم وجهان الأول: أنه تعالى قال في الآية السالفة: والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم:

والمراد: أنه يهدي من يشاء إلى الحق وطلب الجنة، فبين في هذه الآية أن ذلك الطلب لا يتم ولا يكمل إلا باحتمال الشدائد في التكليف، فقال: (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم). الآية.

الثاني: أنه في الآية السالفة لما بين أنه هداهم لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه، بين في هذه الآية أنهم بعد تلك الهداية احتملوا الشدائد في إقامة الحق، وصبروا على البلوى؛ فكذا أنتم يا أصحاب محمد لا تستحقون الفضيلة في الدين إلا بتحمل هذه المحن" انتهى من "تفسير" (6/ 377).

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " قوله تعالى: مستهم البأساء والضراء وزلزلوا هذه ثلاثة أشياء؛ البأساء : قالوا: إنها شدة الفقر مأخوذة من البؤس؛ وهو الفقر الشديد؛ و الضراء : قالوا: إنها المرض، والمصائب البدنية؛ و زلزلوا : الزلزلة هنا ليست زلزلة الأرض؛ لكنها زلزلة القلوب بالمخاوف، والقلق، والفتن العظيمة، والشبهات، والشهوات؛ فتكون الإصابات هنا في ثلاثة مواضع: في المال؛ والبدن؛ والنفس".

ثم ذكر من فوائد الآية:

"منها: حكمة الله عزّ وجلّ، حيث يبتلي المؤمنين بمثل هذه المصائب العظيمة امتحاناً حتى يتبين الصادق من غيره، كما قال تعالى: ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم [محمد: 31] ؛ فلا يُعرف زيف الذهب إلا إذا أذبناه بالنار؛ ولا يُعرف طيب العود إلا إذا أحرقناه بالنار؛ أيضاً لا يعرف المؤمن إلا بالابتلاء والامتحان؛ فعليك يا أخي بالصبر؛ قد تؤذى على دينك؛ قد يستهزأ بك؛ وربما تلاحَظ؛ وربما تراقَب؛ ولكن اصبر، واصدق، وانظر إلى ما حصل من أولي العزم من الرسل؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم كان ساجداً لله في آمن بقعة على الأرض - وهو المسجد الحرام -؛ فيأتي طغاة البشر بفرث الناقة، ودمها، وسلاها، يضعونها عليه وهو ساجد؛ هذا أمر عظيم لا يصبر عليه إلا أولو العزم من الرسل؛ ويبقى ساجداً حتى تأتي ابنته فاطمة وهي جويرية - أي صغيرة - تزيله عن ظهره فيبقى القوم يضحكون، ويقهقهون؛ فاصبر، واحتسب؛ واعلم أنه مهما كان الأمر من الإيذاء فإن غاية ذلك الموت؛ وإذا مت على الصبر لله عزّ وجلّ انتقلت من دار إلى خير منها...

ومنها: أن الصبر على البلاء في ذات الله عزّ وجلّ من أسباب دخول الجنة؛ لأن معنى الآية: اصبروا حتى تدخلوا الجنة.

ومنها: الإشارة إلى ما جاء في الحديث الصحيح: حفت الجنة بالمكاره [رواه مسلم 7130] ؛ لأن هذه مكاره؛ ولكنها هي الطريق إلى الجنة.

ومنها: أنه لا وصول إلى الكمال إلا بعد تجرع كأس الصبر؛ لقوله تعالى: أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم ... إلخ" انتهى من "تفسير سورة البقرة" (3/ 39).

والحاصل:

أنه لا يلزم أن يمس الإنسان البأساء والضراء حتى يدخل الجنة، لكن الدرجات العلا لا تُنال غالبا إلا بذلك، وقد يتفضل الله على من يشاء من عباده بغير ذلك، كما يلحق الأبناء بالآباء، تفضلا منه وكرما، كما قال تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ) الطور/21

وإنما قلنا: لا يلزم؛ لأنه لا دليل على هذا اللزوم، ثم قد عُلم أن من الناس من يدخلون الجنة بغير فقر ومرض وزلزلة وخوف.

وينظر جواب السؤال رقم: (458065 )، ورقم: (297596 ).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب