الثلاثاء 9 رمضان 1445 - 19 مارس 2024
العربية

قصة الذبيح

5522

تاريخ النشر : 01-09-1999

المشاهدات : 89249

السؤال


حسب معتقد المسلمين فإن النبي إبراهيم كان يريد أن يذبح ولده إسماعيل ، حصل نقاش بيني وبين كافر وذكر بأن هذا لم يُذكر في القرآن.
بعد البحث يبدو لي أن في القرآن غموض حول هوية الابن الذي أراد ذبحه (حسب النسخة المترجمة التي أمتلكها) في سورة رقم 37
أرجو أن توضح موقف المسلمين من إبراهيم والأضحية مع ذكر الأدلة .

الجواب

الحمد لله.


قال الله تعالى عن عبده وخليله إبراهيم عليه السلام : ( وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ (99) رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100) فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (101) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ(102) فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَاإِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105)إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ(106) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (108) سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ(109) كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ(110) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (111) وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (112) وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ  (113)

قال ابن كثير رحمه الله تعالى : يذكر تعالى عن خليله إبراهيم أنه لما هاجر من بلاد قومه سأل ربه أن يهب له ولدا صالحا فبشره الله تعالى بغلام حليم وهو إسماعيل عليه السلام لأنه أول من وُلد ( لإبراهيم الخليل عليه السلام ) ، وهذا لا خلاف فيه بين أهل الملل ( أنّ إسماعيل كان ) أول ولده وبكره .

وقوله : ( فلما بلغ معه السعي ) أي : شبّ وصار يسعى في مصالحه كأبيه قال مجاهد    فلما بلغ معه السعي    أي شب وارتحل وأطاق ما يفعله أبوه من السعي والعمل فلما كان هذا رأى إبراهيم عليه السلام في المنام أنه يؤمر بذبح ولده هذا ، وفي الحديث عن ابن عباس مرفوعا : " رؤيا الأنبياء وحي " .. وهذا اختبار من الله عز وجل لخليله في أن يذبح هذا الولد العزيز الذي جاءه على كِبَر وقد طعن في السن بعد ما أمر بأن يسكنه هو وأمه في بلاد قفر وواد ليس به حسيس ولا أنيس ولا زرع ولا ضرع فامتثل أمر الله في ذلك وتركهما هناك ثقة بالله وتوكلا عليه فجعل الله لهما فرجا ومخرجا ورزقهما من حيث لا يحتسبان ثم لما أمر بعد هذا كله بذبح ولده هذا الذي .. هو بكره ووحيده الذي ليس له غيره أجاب ربه وامتثل أمره وسارع إلى طاعته ثم عرض ذلك على ولده ليكون أطيب لقلبه وأهون عليه من أن يأخذه قسرا ويذبحه قهرا : ( قال يا بنيّ إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى ) ، فبادر الغلام الحليم .. ( قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين ) وهذا الجواب في غاية السداد والطاعة للوالد ولرب العباد قال الله تعالى : ( فلما أسلما وتلّه للجبين    ) ، قيل أسلما أي استسلما لأمر الله وعزما على ذلك ، .. ومعنى تله للجبين أي ألقاه على وجهه قيل أراد أن يذبحه من قفاه لئلا يشاهد ( وجهه ) في حال ذبحه قاله ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وقتادة والضحاك .. وأسلما أي سمّى إبراهيم وكبر وتشهّد الولد للموت قال السدي وغيره أمَرَّ السكين على حلقه فلم تقطع شيئا ويقال جُعل بينها وبين حلقه صفيحة من نحاس والله أعلم فعند ذلك نودي من الله عز وجلّ : ( أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا ) ، أي قد حصل المقصود من اختبارك وطاعتك ومبادرتك إلى أمر ربك وبذْلِك ولدك للقربان كما سمحت ببدنك للنيران وكما مالك مبذول للضيفان ولهذا قال تعالى : ( إن هذا لهو البلاء المبين    أي الاختبار الظاهر البيّن ، وقوله : ( وفديناه بذِبْح عظيم ) أي وجعلنا فداء ذبح ولده ما يسَّرَه الله تعالى له من العِوَض عنه والمشهور عن الجمهور أنه كبش أبيض أعْيَن أقرن .. قال الثوري عن عبدالله بن عثمان بن خيثم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال كبش قد رعى في الجنة أربعين خريفا .    

وروي عن ابن عباس أن رأس الكبش لم يزل معلقا عند ميزاب الكعبة قد يبس وهذا وحده دليل على أن الذبيح إسماعيل لأنه كان هو المقيم بمكة وإسحق لا نعلم أنه قدمها في حال صغره والله أعلم  .

انظر البداية والنهاية لابن كثير 1/157-158

فالذبيح هو إسماعيل وليس إسحاق لما تقدّم وقد ذكر ابن كثير في تفسير هذه الآيات عدّة وجوه في إثبات أن الذبيح هو إسماعيل وملخصها :

1- أن إسماعيل هو أول ولد بُشِّر به إبراهيم ، وهو أكبر من إسحاق باتفاق المسلمين وأهل الكتاب ، وقد ذكر عند أهل الكتاب أن الله تعالى أمره أن يذبح ابنه الوحيد وفي نسخة بكره .

2- أن أول ولد له من المعزَّة ما ليس لمن بعده من الأولاد فالأمر بذبحه أبلغ في الابتلاء والاختبار.

3- أنه ذكر البشارة بغلام حليم وذكر أنه الذبيح ثم قال بعد ذلك : " وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين " ، والملائكة لما بشروا إبراهيم بإسحاق قالوا : " إنا بشرناك بغلام عليم "

4- أن الله تعالى قال : " فبشرناه بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب " أي يولد له في حياتهما ولد يسمى يعقوب فيكون من ذريته عقب ونسل .. فلا يجوز بعد هذا أن يؤمر بذبحه وهو صغير لأن الله تعالى قد وعدهما بأنه سيُعْقب ويكون له نسل .

5- أن إسماعيل وصف ههنا بالحليم لأنه مناسب لهذا المقام . تفسير ابن كثير 4/15 والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الشيخ محمد صالح المنجد