الحمد لله.
أولا :
للقبر في الشريعة الإسلامية قدر كبير من الحرمة ، لا يجوز لأحد التهاون فيه ولا الاعتداء عليه ، حتى لقد حرَّم النبي صلى الله عليه وسلم الجلوس على القبر تحريما شديدا ، فقد جاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( لَأَنْ يَجْلِسَ أَحَدُكُمْ عَلَى جَمْرَةٍ فَتُحْرِقَ ثِيَابَهُ فَتَخْلُصَ إِلَى جِلْدِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى قَبْرٍ ) رواه مسلم (971).
وانظر جواب السؤال رقم : (4309) ، (4698)
وهذه الحرمة تقتضي من المسلمين العناية بالقبر بالقدر الذي يحفظ للميت حرمته ، ويصون كرامته ، ولا يعرضه للأذى والامتهان ، وذلك يكون بالوسائل الآتية :
1- وضع شاخص عند رأس القبر كما وضع النبي صلى الله عليه وسلم علامة عند قبر الصحابي الجليل عثمان بن مظعون ، رواه أبو داود (3206) ، يقول النووي رحمه الله : " السنة أن يجعل عند رأسه علامة شاخصة ، من حجر أو خشبة أو غيرهما ، هكذا قاله الشافعي والمصنِّف [ يعني :الشيرازي ] وسائر الأصحاب " انتهى. " المجموع " (5/265)، وانظر جواب السؤال رقم : (8991)
2- رفع القبر قدر شبر فقط ولا يزاد عليه ، هكذا كان قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول ابن قدامة رحمه الله : " يرفع القبر عن الأرض قدر شبر ليعلم أنه قبر , فيتوقى ويترحم على صاحبه ... ولا يستحب رفع القبر إلا شيئا يسيرا " انتهى. " المغني " (2/190) .
ونقل في "الموسوعة الفقهية " (11/342) اتفاق الفقهاء عليه ، وانظر جواب السؤال رقم : (83133)
3- ينبغي إحاطة المقبرة كلها بسور يحفظها ويميزها عما حولها ، ويقيها من أذى الأولاد الصغار وأذى الدواب التي قد تمتهن القبور . ينظر : فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم (3/211-212) ، أحكام المقابر، للسحيباني (457) .
ثانيا :
وأما الوسائل المحرمة التي يقوم بها بعض الناس لحفظ قبور أقربائهم ، فهي متنوعة ، تختلف بحسب اختلاف البيئات ؛ فمن ذلك :
1- رفع القبر عن الأرض أكثر من شبر بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب: ( لَا تَدَعَ تِمْثَالًا إِلَّا طَمَسْتَهُ وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا إِلَّا سَوَّيْتَهُ ) رواه مسلم (969)
2- البناء على القبور ، أي بناء كان ، مرتفعا أو غير مرتفع ، على شكل قبة أو مقام أو أي شكل من أشكال البناء . جاء في " الموسوعة الفقهية " (32/250): " ذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى كراهة البناء على القبر في الجملة , لحديث جابر : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر وأن يبنى عليه . وسواء في البناء بناء قبة أم بيت أم غيرهما . وقال الحنفية : يحرم لو للزينة , ويكره لو للإحكام بعد الدفن " انتهى.
3- طلاء القبر بالدهان أو الجص أو غير ذلك من أنواع الزينة ، جاء في " الموسوعة الفقهية " (32/250): " واتفق الفقهاء على كراهة تجصيص القبر , لما روى جابر رضي الله تعالى عنه : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر ، وأن يقعد عليه ، وأن يبنى عليه . قال المَحَلِّي : التجصيص التبييض بالجص ، وهو الجير . قال عميرة : وحكمة النهي التزيين , وزاد إضاعة المال على غير غرض شرعي " انتهى.
4- إحاطة القبر بسور ـ سوى سور المقبرة الذي يحميها من العبث والامتهان ـ أو سياج لما فيه من شبه بالبناء المحرم على القبور ، يقول الشيخ الألباني رحمه الله : " إحاطة القبر بهذه المقصورة على هذا الشكل المزخرف ، إنما هي نوع آخر من المنكر الذي يحمل الناس على معصية الله ورسوله صلى الله عليه و سلم ، وتعظيم صاحب القبر بما لا يجوز شرعاً ، مما هو مشاهد معروف " انتهى. " تحذير الساجد " (ص/89)
5- الكتابة على القبور ، من المدح والثناء ، أو الرثاء ، أو نحو ذلك مما يدخل في معنى النياحة على الميت ، أو يفتح باب التعظيم والغلو فيه .
6- غرس الأشجار على القبور ، وزراعة النبات الأخضر عليه ، فليس ذلك من عادات المسلمين في قبورهم ، بل من عادات النصارى ، وقد سبق بيان ذلك أيضا في جواب رقم : (14370) ، (41643) ، (48958)
ثالثا :
وبناء على ما سبق ، فإن الصيانة المشروعة للقبر لا تكاد تحتاج إلى مال ينفق عليها ، ما دام القبر مصونا عن الامتهان والأذى ، وأما طلاؤه وتشييده والبناء عليه فهذا كله من العناية الممنوعة بالقبر ، وهكذا إحاطته بقضبان حديدية . وكون القبر عليه غبار : ليس من امتهان القبر في شيء؛ بل هذا هو شأن القبور دائما : أن يدفن أهلها تحت التراب .
والله أعلم .
تعليق