الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 - 22 نوفمبر 2024
العربية

هل مقولة (لو علمتم الغيب لاخترتم الواقع) صحيحة؟

170021

تاريخ النشر : 01-08-2011

المشاهدات : 339719

السؤال

ما صحة المقولة: "لو علمتم الغيب لاخترتم الواقع"؟ و هل هي حديث؟ لأني دائماً أرى الناس تقول هذه الجملة، و لكني أري أن الغيب دائماً يأتي بالخير، فأريد أن أعرف مدى صحتها.

ملخص الجواب

مقولة (لو علمتم الغيب لاخترتم الواقع) ليست حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا هي قول مأثور عن أحد من أصحابه، بل لا نعلم أحدا ممن يرجع إليه في العلم والدين قد قالها، أو قرر معناها. ثم إن هذه المقولة ليست صحيحة في نفسها، بل هي باطلة مصادمة لما فطر الله عباده عليه من الحرص على طلب الخير، ودفع الضر.

الجواب

الحمد لله.

مقولة (لو علمتم الغيب لاخترتم الواقع) ليست حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا هي قول مأثور عن أحد من أصحابه، بل لا نعلم أحدا ممن يرجع إليه في العلم والدين قد قالها، أو قرر معناها.

ثم إن هذه المقولة ليست صحيحة في نفسها، بل هي باطلة مصادمة لما فطر الله عباده عليه من الحرص على طلب الخير، ودفع الضر؛ فإذا قدر أن إنسانا سافر، فأصابه حادث في نفسه، أو أهله، أو ماله، لا يقال: إنه لو اطلع على الغيب قبل أن يسافر، وعلم أن سفره هذا سوف يصيبه فيه حادث، لا يقال: إن مع علمه السابق بذلك، كان سيقدم على السفر؛ ومثل هذا لا يقوله، ولا يفعله عاقل أصلا.

إن المعنى الذي تريد هذه العبارة تقريره: أن البديل لهذا الحادث الذي أصابك: سوف يكون أشد ضررا وسوءا منه؛ فمن أصيب في حادث مع سفره، لو ترك السفر: كان سيموت ـ مثلا ـ أو سيصيبه حادث هو أشد مما أصابه؛ ولأجل هذا تقول العبارة: إنك كنت ستختار هذا الذي أصابك، لأنه أخف الضررين، وأقل الخسارت !!

ولا شك أن هذا رجم بالباطل، وقول على الله بغير علم؛ فمن قال: إنه يلزم من نجاته من هذا الذي أصابه أن يقع فيما هو أشد منه؛ بل هذا بسوء الظن بالله وتقديره، أشبه.

ومما يدل على بطلان هذه العبارة قول الله تعالى: قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ الأعراف/188

قال أبو حيان رحمه الله:
" أي لكانت حالي على خلاف ما هي عليه من استكثار الخير واستغزار المنافع واجتناب السوء والمضارّ حتى لا يمسّني شيء منها " انتهى من "البحر المحيط" (4/355).

وقال السعدي رحمه الله:
"أي: لفعلت الأسباب التي أعلم أنها تنتج لي المصالح والمنافع، ولحذرت من كل ما يفضي إلى سوء ومكروه، لعلمي بالأشياء قبل كونها، وعلمي بما تفضي إليه.

ولكني - لعدم علمي - قد ينالني ما ينالني من السوء، وقد يفوتني ما يفوتني من مصالح الدنيا ومنافعها، فهذا أدل دليل على أني لا علم لي بالغيب." انتهى من"تفسير السعدي" (311).

وقال ابن عاشور رحمه الله:
"وَجَعَلَ نَفْيَ أَنْ يَمْلِكَ لِنَفْسِهِ نَفْعًا أَوْ ضَرًّا مُقَدِّمَةً لِنَفْيِ الْعِلْمِ بِالْغَيْبِ، لِأَنَّ غَايَةَ النَّاسِ مِنَ التَّطَلُّعِ إِلَى مَعْرِفَةِ الْغَيْبِ هُوَ الْإِسْرَاعُ إِلَى الْخَيْرَاتِ الْمُسْتَقْبَلَةِ بِتَهْيِئَةِ أَسْبَابِهَا وَتَقْرِيبِهَا، وَإِلَى التَّجَنُّبِ لِمَوَاقِعِ الْأَضْرَارِ، فَنَفْيُ أَنْ يَمْلِكَ لِنَفْسِهِ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا، يَعُمُّ سَائِرَ أَنْوَاعِ الْمُلْكِ وَسَائِرَ أَنْوَاعِ النَّفْعِ وَالضَّرِّ، وَمِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ الْعُمُومِ مَا يَكُونُ مِنْهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَهُوَ مِنَ الْغَيْبِ " انتهى من "التحريرو التنوير" (9/207-208).

فتبين بذلك كله: أن الإنسان قد يفوته من الخير ما يفوته، أو يصيبه من السوء والضر ما يصيبه: لأجل جهله بما هو مغيب عنه، ولو كان علم بما في الغيب من ذلك، لتوقى ما أصابه من الضر، وحرص على ما فاته من الخير.
 

ولمزيد الفائدة، ينظر هذه الأجوبة: 335146، 247404، 264354، 20806.   

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب