الحمد لله.
قال الله تعالى : ( وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ) آل عمران/ 133.
وقال عز وجل : ( سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ) الحديد/ 21 .
قال القرطبي رحمه الله :
" اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَأْوِيلِهِ ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : تقرن
السماوات وَالْأَرْضُ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ كَمَا تُبْسَطُ الثِّيَابُ وَيُوصَلُ
بَعْضُهَا بِبَعْضٍ ، فَذَلِكَ عَرْضُ الْجَنَّةِ ، وَلَا يَعْلَمُ طُولَهَا إِلَّا
اللَّهُ ، وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَذَلِكَ لَا يُنْكَرُ .
وقَالَ قَوْمٌ : الْكَلَامُ جَارٍ عَلَى مَقْطَعِ الْعَرَبِ مِنَ الِاسْتِعَارَةِ ،
فَلَمَّا كَانَتِ الْجَنَّةُ مِنَ الِاتِّسَاعِ وَالِانْفِسَاحِ فِي غَايَةٍ
قُصْوَى حَسُنَتِ الْعِبَارَةُ عنها بعرض السماوات وَالْأَرْضِ، كَمَا تَقُولُ
لِلرَّجُلِ : هَذَا بَحْرٌ ، وَلِشَخْصٍ كَبِيرٍ مِنَ الْحَيَوَانِ : هَذَا جَبَلٌ
، وَلَمْ تَقْصِدِ الْآيَةُ تَحْدِيدَ الْعَرْضِ ، وَلَكِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ
أَنَّهَا أوسع شي رَأَيْتُمُوهُ ".
انتهى من "تفسير القرطبي" (4/ 204-205) .
وقال ابن عاشور رحمه الله :
" وَذِكْرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَارٍ عَلَى طَرِيقَةِ الْعَرَبِ فِي
تَمْثِيلِ شِدَّةِ الِاتِّسَاعِ ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ حَقِيقَةَ عَرْضِ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ، وَقِيلَ: هُوَ عَرْضُهَا حَقِيقَةً ، وَهِيَ
مَخْلُوقَةٌ الْآنَ لَكِنَّهَا أَكْبَرُ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَهِيَ فَوْقَ
السَّمَاوَاتِ تَحْتَ الْعَرْشِ " انتهى .
وقال الشوكاني رحمه الله :
" اخْتُلِفَ فِي مَعْنَى ذَلِكَ فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ : إلى أنها تقرن السماوات
وَالْأَرْضَ بَعْضَهَا إِلَى بَعْضٍ كَمَا تُبْسَطُ الثِّيَابُ وَيُوَصَلُ
بَعْضُهَا بِبَعْضٍ فَذَلِكَ عَرْضُ الْجَنَّةِ ، وَنَبَّهَ بِالْعَرْضِ عَلَى
الطُّولِ ، لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الطُّولَ يَكُونُ أَكْثَرَ مِنَ الْعَرْضِ .
وَقِيلَ: إِنَّ هَذَا الْكَلَامَ جَاءَ عَلَى نَهْجِ كَلَامِ الْعَرَبِ مِنَ
الاستعارة دون الحقيقة ، وذلك أنها لمّا كَانَتِ الْجَنَّةُ مِنَ الِاتِّسَاعِ
وَالِانْفِسَاحِ فِي غَايَةٍ قصوى ، حسن التعبير عنها بعرض السموات وَالْأَرْضِ
مُبَالَغَةً ، لِأَنَّهُمَا أَوْسَعُ مَخْلُوقَاتِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ فِيمَا
يَعْلَمُهُ عِبَادُهُ ، وَلَمْ يَقْصِدْ بِذَلِكَ التَّحْدِيدَ " .
انتهى من "فتح القدير" (1/ 437) وينظر : "التحرير والتنوير" (4/ 89) .
فقد تبين أن للعلماء قولين
في تفسير الآية : قول الجمهور : أن المراد هنا العرض الحقيقي ، وفي ضمنه تنبيه على
الطول ، والقول الثاني أن المراد بيان سعة الجنة ، دون خصوص ذكر الطول والعرض ،
وإنما جرى التعبير على عادة العرب في مثل ذلك .
وأيا ما كان الأمر ، فلا وجه لما ذكر في السؤال من التمثيل بمساحة ... ، فهذا كله
بعيد عن الوجه المذكور في الآية ، والرياض التي مثل بها : هي جزء من السعودية ،
وأما السماوات والأرض فأمران مستقلان تماما .
وقد جرت عادة البيان الشرعي في مثل ذلك ، بالتعبير عن المعاني الغيبية ، بما
يفهمونه الناس من لغتهم ، ويعتادونه من خطابهم ، ولا شك أن ذكر الأرض التي يعرفونها
، ويشاهدون سعتها ، وامتداد أطرافها ، أدل على المقصود ، وأقرب إلى فهم المراد من
طي ذكرها بالمرة .
والواجب عليك يا عبد الله أن تعلم أن فضل ما بين كلام الله جل جلاله وكلام البشر ، كفضل ما بين الله جل جلاله ، وخلقه ؛ وقد جل كلام الله أن يوجد فيه شيء من الاختلاف ، أو العيب ، أو النقصان عن مقامات الجمال والجلال والفصاحة ، التي تليق بأشرف الكلام ؛ ومتى عجز أو قَصُرَ فهم العبد عن شيء من ذلك ، فالواجب عليه أن يتهم فهمه ، وعقله ، وعلمه ، وذوقه ، وما لم يبلغه علمه من ذلك : رده إلى عالمه ، ووكله إلى أهله وصاحبه .
راجع للفائدة إجابة السؤال
رقم : (127816) .
والله أعلم .
تعليق