الحمد لله.
أولا :
قال تعالى : ( وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ ) الزمر/ 68 .
اختلف أهل العلم في النفخ في الصور ، هل هو نفختان ، أم ثلاث ؟ والراجح أنهما نفختان ، كما تدل عليه الآية السابقة .
قال الشيخ ابن باز رحمه الله
:
" الصور قرن عظيم ، ينفخ فيه إسرافيل النفخة الأولى للموت والفزع ، والنفخة الثانية
للبعث والنشور . هاتان النفختان جاء بهما القرآن الكريم . إحداهما يقال لها : نفخة
الصعق ، ويقال لها : نفخة الفزع ، وبها يموت الناس ، والثانية نفخة البعث ، وقال
جماعة من العلماء : إنها ثلاث : نفخة الفزع ، وقد يفزع الناس فقط ، ثم تأتي بعدها
نفخة الموت ، ثم نفخة البعث والنشور . والمحفوظ نفختان فقط ، كما دل عليهما كتاب
الله العظيم " انتهى من " فتاوى نور على الدرب " (4/ 327) .
فإذا أذن الله تعالى بموت
الأحياء أمر ملك الصور أن ينفخ فيه ؛ فينفخ نفخة عظيمة تفزع جميع الخلائق فيصعقون
منها ويهلكون ، ثم يمكثون على ذلك مدة ، الله أعلم بمقدارها ، فتتحلل أجسادهم في
هذه المدة ولا يبقى منها إلا عجب الذنب ، وهو العظم المستدير الذي في أصل الظهر ،
ثم يرسل الله سحابا فتمطر مطرا فإذا أصاب الماء هذا العظم نبت منه الجسم كما ينبت
النبات ويتركب الخلق من هذا العظم ، ثم ينفخ في الصور نفخة البعث فتعود الأرواح إلى
الأجساد ، فيخرجون من القبور سراعا إلى أرض المحشر .
وانظر لمزيد الفائدة الفتوى رقم : (49009)
.
ثانيا :
روى البخاري (3398) - واللفظ له - ومسلم (2374) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( النَّاسُ
يَصْعَقُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُفِيقُ ، فَإِذَا أَنَا
بِمُوسَى آخِذٌ بِقَائِمَةٍ مِنْ قَوَائِمِ العَرْشِ ، فَلاَ أَدْرِي أَفَاقَ
قَبْلِي أَمْ جُوزِيَ بِصَعْقَةِ الطُّورِ ) .
وروى البخاري (2411) ، ومسلم (2373) - واللفظ له - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله
عنه عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَا تُفَضِّلُوا بَيْنَ
أَنْبِيَاءِ اللهِ ، فَإِنَّهُ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَيَصْعَقُ مَنْ فِي
السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللهُ ، قَالَ : ثُمَّ
يُنْفَخُ فِيهِ أُخْرَى ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ بُعِث َ، أَوْ فِي أَوَّلِ مَنْ
بُعِثَ ، فَإِذَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ آخِذٌ بِالْعَرْشِ ، فَلَا أَدْرِي
أَحُوسِبَ بِصَعْقَتِهِ يَوْمَ الطُّور ِ، أَوْ بُعِثَ قَبْلِي ) .
وفي رواية للبخاري (2412) : ( النَّاس يَصْعَقُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ ، فَأَكُونُ
أَوَّلَ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الأَرْضُ ... ) .
وقد ذهب بعض أهل العلم أن
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن موسى عليه السلام : ( فَلَا أَدْرِي
أَفَاقَ قَبْلِي أَمْ جُوزِيَ بِصَعْقَةِ الطُّورِ ) ، يَحْتَمِلُ أَنَّهُ قَالَهُ
قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ .
انظر : " شرح النووي على مسلم " (15/131) .
وروى أبو داود (4673) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ ، وَأَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ ، وَأَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ ) ، وصححه الألباني في " صحيح سنن أبي داود " .
وروى البخاري (4439) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنِّي أَوَّلُ مَنْ يَرْفَعُ رَأْسَهُ بَعْدَ النَّفْخَةِ الْآخِرَةِ ) .
وقال علماء اللجنة الدائمة
للإفتاء :
" أول من تنشق عنه الأرض نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وهو أول من يفيق من الصعق "
انتهى من " فتاوى اللجنة الدائمة – المجموعة الأولى " (3/458) .
يستفاد من هذه الأحاديث : أن النبي صلى الله عليه وسلم هو أول من يبعث وتنشق عنه الأرض يوم القيامة من بني آدم ، وأن إسرافيل عليه السلام يكون حيا حينما يبعث النبي صلى الله عليه وسلم ويقوم من قبره ؛ لأنه ينفخ في الصور ، فيكون النبي صلى الله عليه وسلم أول من يبعث من أهل الأرض بعد النفخ في الصور .
وحينئذ يكون أمامنا أحد
الاحتمالين :
الأول : أن يكون الذي قاله السائل صحيحًا ، وهو أن إسرافيل عليه السلام سيبعث قبل
نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، من أجل أن ينفخ في الصور نفخة البعث ، ثم بعد هذه
النفخة يكون نبينا صلى الله عليه وسلم أول من يبعث . وهذا أحد القولين للعلماء .
قال ابن كثير رحمه الله :
" نَفْخَةُ الصَّعْقِ ، هِيَ الَّتِي يموت بها الأحياء من أهل السموات وَالْأَرْضِ
، إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ، ثُمَّ يَقْبِضُ الله أَرْوَاحَ الْبَاقِينَ ، حَتَّى
يَكُونَ آخِرُ مَنْ يَمُوتُ مَلَكَ الْمَوْتِ ، وَيَنْفَرِدُ الْحَيُّ الْقَيُّومُ
الَّذِي كَانَ أَوَّلًا وَهُوَ الْبَاقِي آخِرًا بِالدَّيْمُومَةِ وَالْبَقَاءِ ،
ثُمَّ يُحْيِي أَوَّلَ مَنْ يُحْيِي إِسْرَافِيلَ ، وَيَأْمُرُهُ أَنْ يُنْفَخَ فِي
الصُّورِ أُخْرَى ، وَهِيَ النَّفْخَةُ الثَّالِثَةُ نَفْخَةُ الْبَعْثِ ، قَالَ
تَعَالَى : ( ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ ) "
انتهى بتصرف يسير من " تفسير ابن كثير" (7/116) .
وقد ورد ذلك في حديث طويل معروف عند العلماء بـ ( حديث الصور ) غير أنه حديث ضعيف ،
ضعفه البيهقي في " شعب الإيمان " (347) ، وضعفه ابن كثير في تفسيره عند الآية 73 من
سورة الأنعام .
والاحتمال الثاني : أن إسرافيل عليه السلام ممن استثناهم الله تعالى من الموت ، قال الله تعالى : ( وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ ) الزمر/ 68 . انظر " تفسير ابن جرير " (21/330) .
والله أعلم .
تعليق