الخميس 6 جمادى الأولى 1446 - 7 نوفمبر 2024
العربية

أسئلة حول مكانة المرأة ونقصان عقلها وكونها مخلوقة من ضلع

السؤال

أنا أعلم أن الإسلام كرم المرأة ، ولا أجحد هذا ، لكن بعض النصوص فقط تشكل علي ، مثلا : أن النبي بيّن وجه نقص عقل المرأة في الشهادة ، فلماذا بعض العلماء من يجعله نقصا في كل الأمور ، وليس الشهادة فحسب ؟ وهل ( من ) في قول النبي (فذلك من نقصان عقلها ، من نقصان دينها ) يُفهم منه أن هناك أوجها أخرى للنقص غير ما ذُكر ؟ وما شعور المسلمة إذا قرأت مثل كلام الإمام النووي في شرحه لحديث ناقصات عقل ودين يقول : " والصبر على عوج أخلاقهن" ، وكأن كل النساء سيئات الخلق ، "واحتمال ضعف عقولهن" ، والإمام ابن حجر يقول : مداراة ، بل بوب للحديث أكثر من عالم بلفظ ( مداراة ) فكأن الكلام عن إنسان في عقله خلل أو مجنون! ، نحن نفكر ، وندبر ، ونستوعب ، ونطلب العلم ـ ولله الحمد ـ لماذا هذه النظرة ؟ والمشهور أن الأدب والخلق في البنات أكثر ، فوضحوا لي حديث الضلع ، فلو أنها مؤدبة ومستقيمة ، فما وجه عوجها ؟ يقال هذا نادر ، والنادر لا حكم له ، فهل الخلق والدين في النساء نادر؟ وفي رواية ( لن تستقيم لك على حال ) ولكن كل الناس هكذا ، لا يستقيمون على حال فما وجه تخصيصها بذلك أيضا؟ أضعاف هذه الأسئلة تأتي إذا قرأت القرءان أو التفسير ، وحاولت صرفها ، ولكن تعود ، لذلك سألت لأرتاح ، وأنا كنت من قبل أرد على الشبهات ، فرجاء تفضلوا بالرد على تفاصيل سؤالي ؛ لأن الرد المجمل لا يُذهب مشكلتي .

الجواب

الحمد لله.

أولا:

ينبغي أن يوقن المؤمن بأن الإسلام كرم المرأة ، وأحسن إليها ، وأنصفها وأعطاها حقها.

كرّمها أما، وبنتا، وأختا، وزوجة، وذلك في نصوص وتشريعات معلومة.

والله سبحانه هو خالق الذكر والأنثى، وهو ربهما ومعبودهما، وهو منزه عن الظلم،  وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ  فصلت/46،  وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا  الكهف/49

والنبي صلى الله عليه وسلم رحيم بأمته ، مشفق عليها، لا فرق عنده بين الرجال والنساء في ذلك ، بل خص النساء بالوصية بهن ، خوفا من أن يجار عليهن أو يظلمن ، وكان هو صلى الله عليه وسلم أعظم الناس إحسانا وإكراما لنسائه ، حتى جعل خير الناس من كان خيرا لأهله، فقال:  أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ خُلُقًا  رواه الترمذي (1082) وصححه الألباني في "صحيح الترمذي" .

وقال:  خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي  رواه الترمذي (3895) ، وابن ماجه (1977) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.

وقال صلى الله عليه وسلم:  اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا  رواه البخاري (3331) ، ومسلم (1468).

ومن أيقن بهذه الحقائق، فهم النصوص التي جاءت في السؤال على وجهها.

فليس في ديننا انتقاص للمرأة ، ولا تحقير لها، كيف وهي الأم التي لها من البر أعظم مما للأب، وهي الزوجة التي جعلها الله سكنا ومتاعا بل خير متاع الدنيا، وهي أم الأولاد والذرية، وهل يرضى الرجل لأم أولاده أن تكون مذمومة محتقرة؟

وينظر ما سبق ذكره في جواب السؤال رقم : (132959) حول تكريم الإسلام للمرأة . وينظر أيضا جواب السؤال رقم : (70042) ، ورقم : (40405) .

ثانيا:

نقصان عقل المرأة جاء مبينا في الحديث، وهو راجع إلى غلبة عاطفتها التي تمنعها من ضبط الأحداث التي تمر عليها، فاحتاجت في الشهادة إلى من يكملها ويذكرها إن نسيت.

ونقصان الدين جاء مبينا أيضا، وهو في عدم صلاتها وصومها في أيام حيضها ونفاسها، وهو نقصان لا تذم به، وليس في إمكانها دفعه، لكنه نقصان بالنسبة لغيرها ممن لا يمتنع عن الصلاة والصوم، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.

وقد أدب الله المؤمنين ألا يتمنى أحدهم ما فضل به غيره عليه فقال:  وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا  النساء/32 .

عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: " يَغْزُو الرِّجَالُ وَلَا تَغْزُو النِّسَاءُ ، وَإِنَّمَا لَنَا نِصْفُ المِيرَاثِ"، فَأَنْزَلَ اللَّهُ:  وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ  النساء/32 ، قَالَ مُجَاهِدٌ: " وَأَنْزَلَ فِيهَا  إِنَّ المُسْلِمِينَ وَالمُسْلِمَاتِ الأحزاب/35 " رواه الترمذي (3022) ، وصححه الألباني.

وقد سبق بيان معنى نقصان العقل والدين في جواب السؤال رقم : (111867) ، وفيه أن النقصان فيما ذكر في الحديث، وليس عاما.

وكون المرأة تغلبها عاطفتها، ويضعف لذلك ضبطها، لا نراه ذما، فإن هذا هيأها لأمور عظيمة لا يقدر عليها الرجل، منها رعاية أولادها وتحمل المشاق التي لا يستطيعها غيرها، ومنها صبرها على زوجها، واحتمال الأذى منه، وسرعة فيئتها ورجوعها إليه.

ثالثا:

كون المرأة خلقت من ضلَع، وأعوج ما في الضلع أعلاه، هذا أمر قدري لا يد لها فيه، ولا اعتراض لها على خالقها في ذلك ما دامت مؤمنة، وهو الحكيم الخبير فيما خلق وقدّر.

وإخبار النبي صلى الله عليه وسلم بذلك كان للوصية بها، والصبر على ما قد يصدر منها، لا لذمها أو توبيخها أو التحقير من شأنها.

روى البخاري (3331) ، ومسلم (1468) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ ، فَإِنَّ المَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلاَهُ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ .

وروى مسلم (1468) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  إِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ لَنْ تَسْتَقِيمَ لَكَ عَلَى طَرِيقَةٍ ، فَإِنِ اسْتَمْتَعْتَ بِهَا اسْتَمْتَعْتَ بِهَا وَبِهَا عِوَجٌ، وَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهَا، كَسَرْتَهَا وَكَسْرُهَا طَلَاقُهَا .

وروى أحمد (20093) ، والحاكم (7333) عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:  إِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ وَإنَّكَ إِنْ تُرِدْ إِقَامَة الضِّلَعِ تَكْسِرْهَا فَدَارِهَا تَعِشْ بِهَا وصححه محققو المسند، والألباني في "صحيح الجامع" (1944).

فالمرأة جُبلت على شيء من ضعف الطباع، وميل فيها ، وشدة الغيرة، وغلبة العاطفة، فمن غض الطرف، وعفا عن الهفوة، هنأ في عيشه معها. ومن وقف مع كل صغيرة، وأراد تقويمها في كل أمر، فسد عيشه، ولم يهنأ معها، وأدى ذلك إلى طلاقها.

وهذا أمر يعرفه الأزواج، ومن عالج مشاكلهم.

ومن كابرت في ذلك فلعدم تأملها في حال النساء مع أزواجهن.

والرجل قد يحسن للمرأة دهرا، فإذا أساء إليها قالت: ما رأيت منك خيرا قط!

وكفران العشير على هذا النحو، قد يوجد في الرجال، لكنه في النساء أكثر، وهو داخل فيما سماه النبي صلى الله عليه وسلم عوجا، ودعا للصبر عليه.

وقد بان لك أن لفظ المداراة لفظ نبوي، لم يخترعه العلماء. والمداراة هي التغاضي عما ذكرنا، ولا تعني أن المرأة مصابة بجنون أو خلل في العقل كما ذكرت.

وأما عوج الأخلاق، ونحو ذلك من العبارات، فليس المراد منها وصف كل امرأة بذلك، أو أن أخلاق المرأة كلها كذلك، وإنما المراد ما يصدر من الهفوات، وما ينشأ عن سرعة التأثر بالعاطفة، ونحو ذلك.

وكل قول يؤخذ منه ويرد ، إلا قول المعصوم صلى الله عليه وسلم.

وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم : (264771) .

وتأملي قولك: " أضعاف هذه الأسئلة تأتي إذا قرأت القرءان أو التفسير" فهو مثال للمبالغة والتسرع في إعطاء الأحكام، الذي يغلب على النساء، فماذا وجدت في القرآن مما هو من جنس ما جاء في سؤالك؟!

وبعد: فإن قلوبنا تنفر من مثل هذه الأسئلة التي فيها اعتراض على كلام الله أو كلام رسوله صلى الله عليه وسلم، وإننا لنعجب ممن وقر الإيمان في قلبه لم يشغل نفسه بهذا؟

وحسب المؤمن أو المؤمنة أن يجتهد في عمل الصالحات، ليفوز بالنعيم والسعادة في الدنيا والآخرة، كما قال الله:  مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ  النحل/97 .

وقال تعالى:  وَمَنْ يَعْمَلْ مِنْ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا  النساء/124 .

وقال سبحانه:  فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ  آل عمران/195 .

فأقبلي على عبادتك وطاعتك ، ودعي عنك الوساوس والشبهات ، فإن الدنيا دار عمل ، وغدا توفى النفوس ما كسبت ، ويحصد الزارعون ما زرعوا.

نسأل الله أن يشرح صدرك ، وييسر أمرك ، ويقيك نزغات الشيطان .

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب