الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 - 22 نوفمبر 2024
العربية

رسالة نوح عليه السلام في زمانه

327751

تاريخ النشر : 06-06-2020

المشاهدات : 13404

السؤال

لا شك عندى أن الله تعالى لا يظلم أحدا من عباده، وأنه لن يعذب قوما حتى يبعث فيهم رسولا، وهذا قوله سبحانه وتعالى، ومن خلال بحثى توصلت إلى أن طوفان سيدنا نوح قد أغرق الأرض كلها. فسؤالى هو: هل سيدنا نوح أرسل لكافة الأرض ووصلت رسالته للعالمين؟ أم إن الأرض كلها لم يكن فيها إلا قوم سيدنا نوح ؟

الجواب

الحمد لله.

هذا زمن موغل في القدم، ولا يقين لنا إلا بما أخبرنا الله به ، وقد أصبت فيما ذكرته من تقرر: عدل الله المطلق، سبحانه، بل رحمته التامة بعباده، وأنه لا يعذب أحدا إلا بذنبه، ولا يؤاخذه إلا بما جنت يداه.

وهذا هو الملجأ من كل معضل ومشكل لم يتبين لنا تفاصيل شأنه: أن نكل علمه إلى الله جل جلاله، سحبانه من عليم خبير، لا يسأل عما يفعل، وهم يسألون.

ونوح عليه السلام هو الأب الثاني للبشرية، فالظاهر أنه لم يكن على ظهر الأرض يومئذٍ إلا قوم نوح عليه السلام ، ولذلك فإن أكثر العلماء ممن تكلموا في هذه المسألة قالوا : بعموم الطوفان للأرض .

قال "ابن خلدون" في "التاريخ" (2/ 6): " واتفقوا على أنّ الطوفان الّذي كان في زمن نوح، وبدعوته ذهب بعمران الأرض أجمع، بما كان من خراب المعمور، ومهلك الذين ركبوا معه في السفينة، ولم يُعقِبوا فصار أهل الأرض كلّهم من نسله، وعاد أبًا ثانيًا للخليقة "، انتهى .

وظاهر القرآن الكريم يدل على أن جميع من على الأرض أغرقوا بالطوفان ، ولم ينج من البشر ولا من الحيوان إلا مَن حمله نوح عليه السلام معه في السفينة .

قال الله تعالى :  فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ . ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ  الشعراء/119-120 .

وقال عز وجل : حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ  هود/40 .

وقال تعالى :  فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلَائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ  يونس/73 .

كما جاء النص في القرآن الكريم على أن الأرض إنما عمرت بعد ذلك من نسل ذرية نوح عليه السلام فقط، وأما المؤمنون الذين نجوا معه في السفينة فلم تبق لهم ذرية ، فجميع أهل الأرض الآن من ذرية نوح عليه السلام .

قال الله تعالى :  وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ . وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ . وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ . وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ . سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ . إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ . إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ . ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ  الصافات/77-81 .

قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : لم تبق إلا ذرية نوح عليه السلام .

وقال قتادة في قوله : (وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ) قال : الناس كلهم من ذرية نوح عليه السلام 

"تفسير القرآن العظيم" لابن كثير (7/ 22).

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله :

"وقد اختلف العلماء في عدة من كان معه في السفينة :

فعن ابن عباس رضي الله عنهما : كانوا ثمانين نفسا معهم نساؤهم . وعن كعب الأحبار : كانوا اثنين وسبعين نفسا ، وقيل : كانوا عشرة .

قال جماعة من المفسرين : ارتفع الماء على أعلى جبل بالأرض خمسة عشر ذراعا ، وهو الذي عند أهل الكتاب ، وقيل : ثمانين ذراعا ، وعَمَّ جميع الأرض طولها والعرض ، سهلها وحزنها وجبالها وقفارها ورمالها، ولم يبق على وجه الأرض ممن كان بها من الأحياء عين تطرف ، ولا صغير ولا كبير .

قال الإمام مالك عن زيد بن أسلم: كان أهل ذلك الزمان قد ملؤوا السهل والجبل .

...

فإن الله لم يجعل لأحد ممن كان معه من المؤمنين نسلا ولا عقبا، سوى نوح عليه السلام . قال تعالى : (وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ)، فكل من على وجه الأرض اليوم من سائر أجناس بني آدم، ينسبون إلى أولاد نوح الثلاثة ، وهم : سام وحام ويافث" انتهى باختصار .

"البداية والنهاية" (1/111 - 114).

وقال العلامة الطاهر ابن عاشور رحمه الله :

" ضمير الفصل في قوله : ( هُمُ الْبَاقِينَ ) للحصر ، أي : لم يبق أحد من الناس إلا من نجاه الله مع نوح في السفينة من ذريته ، ثم من تناسل منهم ، فلم يبق من أبناء آدم غير ذرية نوح ، فجميع الأمم من ذرية أولاد نوح الثلاثة .

وظاهر هذا: أن من آمن مع نوح، غير أبنائه: لم يكن لهم نسل . قال ابن عباس : لما خرج نوح من السفينة، مات من معه من الرجال والنساء، إلا ولده ونساءه .

وبذلك يندفع التعارض بين هذه الآية، وبين قوله في سورة هود : ( قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ ) هود/40 .

وهذا جار على أن الطوفان قد عم الأرض كلها ، واستأصل جميع البشر ، إلا من حملهم نوح في السفينة" انتهى .

"التحرير والتنوير" (23/ 47).

وانظر جواب السؤال رقم : (130293)، (213057)، (10470).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب