الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 - 22 نوفمبر 2024
العربية

معنى (التثليث) في الآيات التي نهت النصارى عنه.

411015

تاريخ النشر : 13-04-2023

المشاهدات : 3614

السؤال

سؤال حول قوله تعالى: (ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيرا لكم) في تفسير القرطبي هناك قولان: قول بالمسيح وأمه والله، والأخر بالأقانيم، ولابن كثير قال أيضا مثل القول الأول، لكن القول الأول مرتبط بآيات أخرى من القرآن، فهل هذا يعني أن القول الأول هو الصحيح فقط؛ لأن تفسير القرآن بالقرآن هو أفضل تفسير؟ وهل هذا يعني أن القرآن لم ينفي تثليث النصاري المتعارف عليه؟

الجواب

الحمد لله.

أولًا:

صحيحٌ أن العلماء اختلفوا في تفسير التثليث المذكور في الآية الكريمة، وقد نقل بعض العلماء أنه التثليث المشهور عند النصارى، وهو قولهم: الأب، والابن والروح القدس.

قال البغوي: "أَيْ: وَلَا تَقُولُوا هُمْ ثَلَاثَةٌ، وَكَانَتِ النَّصَارَى تَقُولُ: أَبٌ وَابْنٌ وَرُوحٌ قُدُسٌ، انتهى.

"تفسير البغوي" (2/315)، وانظر: "التيسير في التفسير" لأبي حفص النسفي (5/270)، وأشار إليه "ابن تيمية" في "الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح" (2/13).

وذكر بعض العلماء أن هذه الآية ترد على تثليث النصارى أيًّا كانت عبارتهم، كما قال الإمام ابن عطية: "ويحتمل أن يكون المقدر: المعبود ثلاثة، أو الإله ثلاثة، أو الآلهة ثلاثة، أو الأقانيم ثلاثة، وكيف ما تشعب اختلاف عبارات النصارى، فإنه يختلف بحسب ذلك التقدير" انتهى من

"تفسير ابن عطية" (2/139).

ثانيًا:

وهذا لا يعني أن ترجيح تفسير الآية بقولهم: الله، والمسيح، ومريم، قولٌ خطأ، بل هذا قول للنصارى.

انظر: "تفسير القاسمي" (3/477)، ويمكن مراجعة كتاب: "هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى".

ولا ينفي ذلك أن النصارى يقولون بالتثليث الذي هو: الآب والابن والروح القدس، وهو تثليث باطل، بل كل تشريك مع الله جل جلاله، فهو باطل، سواء كانت تشريك الثنوية، أو أهل التثليث من النصارى ومن ضاهاهم، أو غير ذلك من وجوه الشرك؛ وهذا أمر معلوم بالضرورة من دين الإسلام، دلت عليه النصوص الكثيرة في ذلك الباب.

غير أن الآية دلت - على الصحيح - على تأليه المسيح وأمه، ويمكن أن نوضح الوجوه التي ذكرناها في الجواب رقم: (243142)، بالنقل التالي:

يقول الشيخ المعلمي اليماني: " قال الله تعالى: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ * وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ * قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا)المائدة/73-76.

ليس المراد بالثلاثة هنا ما اشتهر عن النصارى من أن الله تعالى ثلاثة أقانيم، وإنما المراد بالثلاثة: الله تعالى، وعيسى، وأمه.

ويدلُّ على ذلك أمران:

الأوَّل: أنه قال: ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ فدلَّ أن الاثنين الآخرين غيره، والنصارى لا يقولون ذلك في مسألة الأقانيم، بل يقولون: إن مجموع الثلاثة الأقانيم هو الله تعالى.

الأمر الثاني: أنه ذكر في الرد عليهم حقيقة المسيح، وحقيقة أمه، وليس لأمه دخل في الأقانيم، وإنما الأقانيم عندهم عبارة عن الأب والابن وروح القدس، فالأب هو الذات، والابن هو الصفة التي فارقته، ودخلت في بطن مريم فكانت المسيح، وروح القدس صفة ثانية نزلت على المسيح في صورة حمامة.

وقال الله تعالى: (وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ)المائدة/116.

فعُلم بهاتين الآيتين أن النصارى يؤلِّهون مريم ويعبدونها، كما يؤلِّهون عيسى ويعبدونه، وقد عُلم أنهم لم يقولوا في مريم إنها واجبة الوجود، ولا قديمة، ولا أنها جزء من الله تعالى، ولا أنها تخلق وترزق وتنفع وتضرُّ وتغفر الذنوب؛ فثبت بذلك أنَّ التأليه والعبادة لا يتوقَّفان على اعتقاد شيء من هذه الصفات في المعبود، وأنَّ اعتقادهم هذه الصفات في عيسى أمر زائد على التأليه والعبادة.

فأما قوله تعالى: يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ [النساء: 171]، فأكثر المفسرين وغيرهم حمل قوله: ثَلَاثَةٌ على قولهم: الله وعيسى وأمُّه ثلاثة آلهة"، انتهى من "رفع الاشتباه عن معنى العبادة والإله" (3/ 641-644).

 والله أعلم.

الاحالات

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب