الحمد لله.
فعلى ذلك : يكون تدبير الله جل جلاله لأمره ، من السماء إلى الأرض ، ثم عروج
الملائكة إليه بذلك ، كله : في يوم واحد ؛ مقدار هذا اليوم في حساب الناس : ألف سنة
مما عندهم من الأيام ، وإنما يكون عروج الملائكة بذلك إلى ربها : في وقت قصير ؛
لحظة ، أو طرف عين ، أو نحو ذلك ، وهذا كله من أمر الغيب الذي لا يعلم كنهه وماهيته
إلا الله تعالى .
راجع جواب السؤال رقم : (179186) ، (146979) .
وليس الأمر بحسب ما ظن السائل أن الله تعالى يرسل الملائكة إلى الأرض ، ثم يمكث
ألف سنة حتى يرجعوا إليه بخبر أهل الدنيا وأعمالهم ، فالله تعالى علام الغيوب ، لا
يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض ، وهو أمر مقطوع به ، معلوم بالضرورة
من دين الإسلام ، ولذلك قال تعالى في الآية التالية لهذه : ( ذَلِكَ عَالِمُ
الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ) السجدة/ 6 .
والله عز وجل يعلم ما الخلق عاملوه قبل أن يخلقهم ، وقبل أن يعملوه ، ويعلمه بعدما
خلقهم ، وقبل أن يعملوه أيضا ، ثم يعلمه في حين عملهم لما يعملون ، وبعد عملهم لما
يعملونه ، يعلمه كذلك ، علام الغيوب .
وقد روى مسلم (4797) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ :
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( كَتَبَ
اللَّهُ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ
بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ).
وروى أبو داود (4078) عن عُبَادَة بْن الصَّامِتِ قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ
الْقَلَمَ فَقَالَ لَهُ : اكْتُبْ ، قَالَ رَبِّ وَمَاذَا أَكْتُبُ ؟ ، قَالَ
اكْتُبْ مَقَادِيرَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ ). وصححه الألباني في "
صحيح أبي داود " .
وأما نزول الملائكة وعروجها : فهذا من تمام ملكه وسلطانه ، وعظمته وجلاله ،
وتدبيره لأمر كونه جل شانه ، وإنما تكتب الملائكة أعمال العباد ، وتحصيها عليهم في
صحائفهم : إقامة لحجة الله عليهم بما عملوه ، وليس لأن علم الله جل جلاله ، يحتاج
إلى شيء من ذلك ، سبحانه ، لا يحتاج إلى من يعلمه ما لا يعلم ، ولا يذكره بأمر
ينساه ؛ فهو منزه عن ذلك كله جل جلاله : ( قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى *
قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى * قَالَ فَمَا
بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى * قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا
يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى ) طه/49-52 .
وقد روى البخاري (555) ، ومسلم (632) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ
مَلاَئِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلاَئِكَةٌ بِالنَّهَارِ ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلاَةِ
الفَجْرِ وَصَلاَةِ العَصْرِ ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ ،
فَيَسْأَلُهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ : كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي ؟
فَيَقُولُونَ : تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ ، وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ
يُصَلُّونَ ).
قال النووي رحمه الله :
" قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَيَسْأَلهُمْ رَبّهمْ وَهُوَ
أَعْلَم بِهِمْ كَيْف تَرَكْتُمْ عِبَادِي ؟ ) فَهَذَا السُّؤَال عَلَى ظَاهِره ،
وَهُوَ تَعَبُّد مِنْهُ لِمَلَائِكَتِهِ ، كَمَا أَمَرَهُمْ بِكَتْبِ الْأَعْمَال ،
وَهُوَ أَعْلَم بِالْجَمِيعِ " انتهى .
وراجع للفائدة جواب السؤال رقم : (10244) .
والله تعالى أعلم .