سمعت أن الفرق بين المغفرة والعفو: أن المغفرة: ﺃﻥ ﻳُﺴﺎﻣِﺤﻚ ﺍﻟﻠّﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺬَﻧﺐ وﻟﻜﻨﻪُ ﺳَﻴﺒﻘﻰ ﻣُﺴﺠﻼ ﻓِﻲ ﺻَﺤِﻴﻔَﺘﻚ. أما ﺍﻟﻌَﻔﻮ: ﻓَﻬﻮ ﻣُﺴﺎﻣَﺤﺘﻚ ﻋَﻠﻰ ﺍﻟﺬَﻧﺐ، ﻣَﻊ ﻣَﺤﻮِﻩ ﻣِﻦ ﺍﻟصحيفة، وﻛﺄﻧَﻪ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ . فأنا لم أفهم كيف ﺳَﻴﺒﻘﻰ ﻣُﺴﺠﻼ ﻓِﻲ ﺻَﺤِﻴﻔَﺘﻚ، و هل ستحاسب عنه، وهل هناك حديث نبوي يؤكد هذا، أليس الحسنات تمحو السيئات، أليس كثرة الاستغفار تمحو الذنوب؟
الحمد لله.
ذهبت طائفة من أهل العلم إلى أن العفو أبلغ من المغفرة؛ لأن العفو محو، والمغفرة ستر.
قال أبو حامد الغزالي رحمه الله:
" الْعَفوّ: هُوَ الَّذِي يمحو السَّيِّئَات، ويتجاوز عَن الْمعاصِي، وَهُوَ قريب من الغفور، وَلكنه أبلغ مِنْهُ، فَإِن الغفران يُنبئ عَن السّتْر، وَالْعَفو يُنبئ عَن المحو، والمحو أبلغ من السّتْر". انتهى من "المقصد الأسنى" (ص 140).
وقال الشيخ محمد منير الدمشقي رحمه الله في "النفحات السلفية" (ص 87):
" العفو في حق الله تعالى: عبارة عن إزالة آثار الذنوب بالكلية، فيمحوها من ديوان الكرام الكاتبين، ولا يطالبه بها يوم القيامة، وينسيها من قلوبهم، لئلا يخجلوا عند تذكيرها، ويثبت مكان كل سيئة حسنة، والعفو أبلغ من المغفرة؛ لأن الغفران يشعر بالستر، والعفو يشعر بالمحو، والمحو أبلغ من الستر." انتهى
وذهب آخرون إلى أن المغفرة أبلغ من العفو؛ لأنها سترٌ، وإسقاطٌ للعقاب، ونيلٌ للثواب، أما العفو: فلا يلزم منه الستر، ولا نيل الثواب.
قال ابن جزي رحمه الله:
" العفو: ترك المؤاخذة بالذنب. والمغفرة تقتضي ـ مع ذلك ـ: الستر. والرحمة تجمع ذلك مع التفضل بالإنعام " انتهى من " التسهيل" (1/ 143).
وقال الرازي في "تفسيره" (7/ 124):
" الْعَفْو أَنْ يُسْقِطَ عَنْهُ الْعِقَابَ، وَالْمَغْفِرَةَ أَنْ يَسْتُرَ عَلَيْهِ جُرْمَهُ، صَوْنًا لَهُ مِنْ عَذَابِ التَّخْجِيلِ وَالْفَضِيحَةِ، كَأَنَّ الْعَبْدَ يَقُولُ: أَطْلُبُ مِنْكَ الْعَفْوَ، وَإِذَا عَفَوْتَ عَنِّي فَاسْتُرْهُ عَلَيَّ." انتهى.
قال الكفوي رحمه الله:
" الغفران: يَقْتَضِي إِسْقَاط الْعقَاب، ونيل الثَّوَاب، وَلَا يسْتَحقّهُ إِلَّا الْمُؤمن، وَلَا يسْتَعْمل إِلَّا فِي الْبَارِي تَعَالَى.
وَالْعَفو: يَقْتَضِي إِسْقَاط اللوم والذم، وَلَا يَقْتَضِي نيل الثَّوَاب.." انتهى من "الكليات" (ص 666).
وقال العسكري في "الفروق" (413-414):
" الْفرق بَين الْعَفو والغفران:
أَن الغفران: يَقْتَضِي إِسْقَاط الْعقَاب، وَإِسْقَاط الْعقَاب هُوَ إِيجَاب الثَّوَاب؛ فَلَا يسْتَحق الغفران إِلَّا الْمُؤمن الْمُسْتَحق للثَّواب. وَلِهَذَا لَا يسْتَعْمل إِلَّا فِي الله، فَيُقَال: غفر الله لَك، وَلَا يُقَال غفر زيد لَك، إِلَّا شاذا قَلِيلا...
وَالْعَفو: يَقْتَضِي إِسْقَاط اللوم والذم، وَلَا يَقْتَضِي إِيجَاب الثَّوَاب، وَلِهَذَا يسْتَعْمل فِي العَبْد، فَيُقَال: عَفا زيد عَن عَمْرو؛ وَإِذا عَفا عَنهُ: لم يجب عَلَيْهِ إثابته.
إِلَّا أَن الْعَفو والغفران: لما تقَارب معنياهما، تداخلا، واستعملا فِي صِفَات الله جلّ اسْمه على وَجه وَاحِد؛ فَيُقَال: عَفا الله عَنهُ، وَغفر لَهُ؛ بِمَعْنى وَاحِد.
وَمَا تعدى بِهِ اللفظان يدل على مَا قُلْنَا، وَذَلِكَ أَنَّك تَقول عَفا عَنهُ، فَيَقْتَضِي ذَلِك إِزَالَة شَيْء عَنهُ. وَتقول: غفر لَهُ فَيَقْتَضِي ذَلِك اثبات شَيْء لَهُ." انتهى.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" الْعَفْوُ مُتَضَمِّنٌ لِإِسْقَاطِ حَقِّهِ قِبَلِهِمْ وَمُسَامَحَتِهِمْ بِهِ، وَالْمَغْفِرَةُ مُتَضَمِّنَةٌ لِوِقَايَتِهِمْ شَرَّ ذُنُوبِهِمْ، وَإِقْبَالِهِ عَلَيْهِمْ، وَرِضَاهُ عَنْهُمْ؛ بِخِلَافِ الْعَفْوِ الْمُجَرَّدِ؛ فَإِنَّ الْعَافِيَ قَدْ يَعْفُو، وَلَا يُقْبِلُ عَلَى مَنْ عَفَا عَنْهُ، وَلَا يَرْضَى عَنْهُ.
فَالْعَفْوُ تَرْكٌ مَحْضٌ، وَالْمَغْفِرَةُ إحْسَانٌ وَفَضْلٌ وَجُودٌ " انتهى من "مجموع الفتاوى" (14/ 140).
وبهذا يتبين أن المغفرة أبلغ من العفو، على القول الراجح؛ لما تتضمنه من الإحسان والعطاء.
أما القول بأن المغفرة: أن يسامحك الله على الذنب، مع بقائه في صحائفك، وأن العفو مسامحة مع محو الذنب من الصحائف فلا يدل عليه الدليل.
ولمزيد الفائدة، ينظر هذه الأجوبة: 330743، 20468، 332284.
والله تعالى أعلم.