نذرتُ لئن أراد الله ووصلت الديار المقدسة وزرت البيت الحرام ، أن أصوم ثلاثة أشهر رجب وشعبان ورمضان ، وقد أديتُ فرضي والحمد لله ، ولكن نظراً لظروف عملي لم أستطع إكمال الصيام فهل يجزئ عن ذلك صيام الاثنين والخميس من كل أسبوع أم لا ؟ وهل يُشترط التتابع في الصيام أم لا ؟ وإذا لم أستطع فهل يجزئ عنَّي كفارة أم لا؟
الحمد لله.
"أولاً: ننبه أنه لا ينبغي للإنسان أن ينذر، فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وقال: إِنَّ النَّذْرَ لَا يُقَدِّمُ شَيْئًا وَلَا يُؤَخِّرُ، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِالنَّذْرِ مِنْ الْبَخِيلِ.
فلا ينبغي للإنسان أن ينذر، الإنسان ينبغي له أن يتقرب إلى الله بالطاعات والقربات من غير نذر ، ولا يُلزم نفسه إلا ما أوجبه الله عليه في أصل الشريعة، أما أن يدخل نفسه في حرج، ويُحمِّلها واجباً ثقيلاً من صيام أو عبادة لا تجب عليه بأصل الشرع، ثمَّ بعد ذلك يتحرج ويطلب المخارج فهذا شيء يجب عليه أن يحذر منه من البداية وألا ينذر.
لكن إذا نذر وعقد النَّذر وهو نذر طاعة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ، والله تعالى يقول: يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا الإنسان/ 7، ويقول تعالى: وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ البقرة/270، ويقول تعالى: وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ الحج/29.
فإذا نذر الإنسان طاعة وجب عليه أن يؤديه ، لأنه أوجبه على نفسه فوجب عليه أداؤه، وما ذكرته السائلة من أنها نذرت أن تصوم ثلاثة أشهر، رجب وشعبان ورمضان : أما رمضان فهذا واجبٌ عليها في أصل الشرع أن تصومه، فقد نذرته فيكون واجباً من ناحتين: بأصل الشرع وبالنذر، فهذا لابد من صيامه، وأما صيام رجب وشعبان، فهذا يجب عليها صيامهما بالنذر فقط، ويجب عليها أن تصوم ما دامت نذرت أن تصوم رجب وشعبان ورمضان، لأن هذا نذر طاعة.
وإذا كانت عينت سنة معينة، قالت: من سنة كذا فيجب عليها أن تصوم رجب وشعبان من السنة المعنية، أما إذا كانت نذرت رجب وشعبان غير معين من سنة، فإنها تصوم رجب وشعبان من أي سنة تمرُّ عليها.
الحاصل: لا بد لها من صيام هذا النذر، ولو كان فيه عليها مشقة، لأنها هي التي ألزمت نفسها بهذا، فتصوم ما دامت تستطيع الصيام، ولو كان عليها مشقة، ولا يجزئ عنها أن تصوم الاثنين والخميس من كل أسبوع كما ذكرت، لا بد من صيام رجب وشعبان ورمضان، ولا يجزئ عنها الإطعام أيضاً، لأنها تستطيع أن تصوم ولو مع المشقة.
وإذا كان قصدها رجب وشعبان من سنة يعني متواليين، يجب عليها أن تصومهما متواليين، أما إذا كان قصدها رجب من أي سنة، وشعبان من أي سنة، فلا مانع أن تصوم رجب مثلاً في سنة، وشعبان في سنةٍ أخرى، إذا لم تكن قد نوت سنة معينة، أو في سنة واحدة". "مجموع فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (1/98).
والله أعلم.