الحمد لله.
نعم، هناك مكان بين الجنة والنار يسمَّى "الأعراف"، وهو سور عالٍ يطلِّع منه أصحابه على أهل الجنة وعلى أهل النَّار، ثم يُدخلهم ربهم عز وجل في آخر المطاف جنَّته ولا يدخلون النار، وأرجح الأقوال فيهم أنهم أقوام استوت حسناتهم وسيئاتهم .
قال تعالى: وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْاْ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَن سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ . وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاء أَصْحَابِ النَّارِ قَالُواْ رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ . وَنَادَى أَصْحَابُ الأَعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُواْ مَا أَغْنَى عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ . أَهَؤُلاء الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لاَ يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ الأعراف/ 46 – 49 .
قال ابن القيم – رحمه الله -:
"فقوله تعالى وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ أي: بين أهل الجنة والنار حجاب، قيل: هو السور الذي يُضرب بينهم، له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبَله العذاب ؛ باطنه الذي يلي المؤمنين فيه الرحمة، وظاهره الذي يلي الكفار من جهتهم العذاب .
والأعراف: جمع عَرف، وهو المكان المرتفع، وهو سور عال بين الجنة والنار عليه أهل الأعراف .
قال حذيفة وعبد الله بن عباس: هم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم فقصرت بهم سيئاتهم عن الجنة، وتجاوزت بهم حسناتهم عن النار، فوقفوا هناك حتى يقضي الله فيهم ما يشاء ثم يدخلهم الجنة بفضل رحمته .
عن ابن مسعود قال: ... " ومن استوت حسناته وسيئاته كان من أصحاب الأعراف فوقفوا على الصراط ثم عرَفوا أهل الجنة وأهل النار، فإذا نظروا إلى أهل الجنة نادوا سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ وإذا صرفوا أبصارهم إلى أصحاب النار قَالُواْ رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ فأما أصحاب الحسنات فإنهم يُعطون نوراً يمشون به بين أيديهم وبأيمانهم، ويُعطى كل عبد يومئذ نوراً فإذا أتوا على الصراط سلب الله تعالى نور كل منافق ومنافقة، فلما رأى أهل الجنة ما لقي المنافقون قَالُوا رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا.
وأما أصحاب الأعراف: فإن النور لم ينزع من أيديهم فيقول الله لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ فكان الطمع للنور الذي في أيديهم، ثم أدخلوا الجنة، وكانوا آخر أهل الجنة دخولاً ".
يريد: آخر أهل الجنة دخولاً، ممن لم يدخل النار .
وقيل: هم قوم خرجوا في الغزو بغير إذن آبائهم، فقتلوا، فأعتقوا من النار لقتلهم في سبيل الله، وحبسوا عن الجنة لمعصية آبائهم، وهذا من جنس القول الأول .
وقيل: هم قوم رضي عنهم أحدُ الأبوين دون الآخر يحبسون على الأعراف حتى يقضي الله بين الناس ثم يدخلهم الجنة، وهي من جنس ما قبله فلا تناقض بينهما .
وقيل: هم أصحاب الفترة وأطفال المشركين .
وقيل: هم أولو الفضل من المؤمنين علوا على الأعراف فيطلعون على أهل النار وأهل الجنة جميعاً .
وقيل: هم الملائكة لا من بني آدم .
والثابت عن الصحابة هو القول الأول، وقد رويت فيه آثار كثيرة مرفوعة لا تكاد تثبت أسانيدها، وآثار الصحابة في ذلك المعتمدة .
وقد اختلف في تفسير الصحابي هل له حكم المرفوع أو الموقوف على قولين، الأول: اختيار أبي عبد الله الحاكم، والثاني: هو الصواب، ولا نقول على رسول الله ما لم نعلم أنه قاله .
ثم يقال لأهل الأعراف ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ. " طريق الهجرتين" (ص 564 – 567) باختصار .
والقول بأنهم ملائكة هو قول أبي مِجلَز لاحق بن حُمَيد، وهو بعيد عن الصواب .
قال السيوطي – رحمه الله – وقد نقل القول عنه رحمه الله -:
"قال الحليمي في " المنهاج " ثم القونوي في " مختصره ":
وقد قيل: "إن أصحاب الأعراف ملائكة يحبون أهل الجنة ويبكّتون أهل النار"، وهو بعيد لوجهين:
-
أحدهما: قوله تعالى وَعَلى الأَعرافِ رِجالٌوالرجال: الذكور العقلاء، والملائكة لا ينقسمون إلى ذكور وإناث .
-
والثاني: إخباره تعالى عنهم وأنهم يطمعون أن يدخلوا الجنة، والملائكة غير محجوبين عنها، كيف والحيلولة بين الطامع وطمعه تعذيب له، ولا عذاب يومئذ على ملك. " انتهى . نقله السيوطي في "الحبائك في أخبار الملائك" (ص 88) .
ولمزيد الفائدة، ينظر هذه الأجوبة: 98964 ،318900، 419990.
والله أعلم
تعليق