السبت 20 جمادى الآخرة 1446 - 21 ديسمبر 2024
العربية

ما الفرق بين خلق عيسى عليه السلام ، وخلق غيره من بني آدم ؟

240271

تاريخ النشر : 22-04-2016

المشاهدات : 43566

السؤال

بعد اطلاعى على السوالين رقم: (216397)، ورقم : (6333) هل يمكن أن نقول : إن الفرق بين خلق عيسى عليه السلام وبقية البشر أن الله أرسل جبريل عليه السلام بروح عيسى عليه السلام ، أما بقية البشر يرسل الله ملكا لنفخ الأرواح بعد مائة وعشرين يوما ، هل ورد ما يدل على اسم هذا الملك فى السنة ؟ وهل هناك فروقات بين خلق عيسى عليه السلام وبقية البشر ؟

الجواب

الحمد لله.

وكل الله عز وجل بخلق عيسى من أمه ، ملكا كريما ، تمثل لها في صورة بشر .
قال الله تعالى : ( وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ ) الأنبياء/ 91 ، وقال تعالى : (وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا) التحريم/ 12 .
وهذا الملك : هو جبريل عليه السلام ، كما يدل عليه سياق الآيات ، وكما يدل عليه وصفه بأنه “روح” ، وأنه “رسول” ، وإضافة ذلك إلى رب العزة سبحانه .
قال الله تعالى :
( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا * فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا * قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا * قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا * قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا * قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا ) مريم/16-21 .
قال ابن كثير رحمه الله :
” وَقَوْلُهُ: فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا أَيِ: اسْتَتَرَتْ مِنْهُمْ وَتَوَارَتْ، فَأَرْسَلَ اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهَا جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا أَيْ: عَلَى صُورَةِ إِنْسَانٍ تَامٍّ كَامِلٍ.
قَالَ مُجَاهِدٌ، وَالضَّحَّاكُ، وقَتَادَةُ، وَابْنُ جُرَيْج وَوَهْبُ بْنُ مُنَبِّه، والسُّدِّي، فِي قَوْلِهِ: فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا يعني: جبريل، عليه السلام.
وَهَذَا الَّذِي قَالُوهُ هُوَ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ فَإِنَّهُ تَعَالَى قَدْ قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: نزلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ [الشُّعَرَاءِ: 193، 194] …” .
انتهى من “تفسير ابن كثير” (5/219-220) .

وقد خلق الله عز وجل نبيه عيسى عليه السلام ، على هذه الصفة ، وبهذه الطريقة المخالفة لخلق عامة البشر ، تنبيها للعباد على قدرة الخالق عز وجل ، ومشيئته واختياره ، وأنه ـ تبارك وتعالى ـ يخلق ما يشاء ويختار ، لا معقب لحكمه ، ولا راد لكلماته ، سبحانه .
قال الله تعالى : ( إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) آل عمران/ 59 .
قال ابن كثير رحمه الله :
” يَقُولُ تَعَالَى: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ) فِي قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى حَيْثُ خَلَقَهُ مِنْ غَيْرِ أَبٍ (كَمَثَلِ آدَمَ) فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَهُ مِنْ غَيْرِ أَبٍ وَلَا أُمٍّ ، بَلْ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ، وَالَّذِي خَلَقَ آدَمَ قَادِرٌ عَلَى خَلْقِ عِيسَى ، بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى ” انتهى من “تفسير ابن كثير” (2/ 49) .
وقال ابن كثير رحمه الله أيضا :
قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَم أَكُ بَغِيًّا أَيْ: فَتَعَجَّبَتْ مَرْيَمُ مِنْ هَذَا وَقَالَتْ: كَيْفَ يَكُونُ لِي غُلَامٌ ؟ أَيْ: عَلَى أَيِّ صِفَةٍ يُوجَدُ هَذَا الْغُلَامُ مِنِّي ، وَلَسْتُ بِذَاتِ زَوْجٍ ، وَلَا يُتَصَوَّرُ مِنِّي الْفُجُورُ؛ وَلِهَذَا قَالَتْ: وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا وَالْبَغِيُّ: هِيَ الزَّانِيَةُ ..
قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ أَيْ: فَقَالَ لَهَا الْمَلَكُ مُجِيبًا لَهَا عَمَّا سَأَلَتْ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ قَالَ: إِنَّهُ سَيُوجَدُ مِنْكِ غُلَامًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَكِ بَعْلٌ ، وَلَا تُوجَدُ مِنْكِ فَاحِشَةٌ ، فَإِنَّهُ عَلَى مَا يَشَاءُ قَادِرٌ؛ وَلِهَذَا قَالَ: وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ أَيْ: دَلَالَةً وَعَلَامَةً لِلنَّاسِ عَلَى قُدْرَةِ بَارِئِهِمْ وَخَالِقِهِمُ ، الَّذِي نَوَّعَ فِي خَلْقِهِمْ ، فَخَلَقَ أَبَاهُمْ آدَمَ مِنْ غَيْرِ ذَكَرٍ وَلَا أُنْثَى، وَخَلَقَ حَوَّاءَ مِنْ ذَكَرٍ بِلَا أُنْثَى ، وَخَلَقَ بَقِيَّةَ الذُّرِّيَّةِ مَنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى ، إِلَّا عِيسَى فَإِنَّهُ أَوْجَدَهُ مِنْ أُنْثَى بِلَا ذَكَرٍ، فَتَمَّتِ الْقِسْمَةُ الرُّبَاعِيَّةُ الدَّالَّةُ عَلَى كَمَالِ قُدْرَتِهِ وَعَظِيمِ سُلْطَانِهِ فَلَا إِلَهَ غَيْرُهُ وَلَا رَبَّ سِوَاهُ .
وَقَوْلُهُ: وَرَحْمَةً مِنَّا أَيْ وَنَجْعَلُ هَذَا الْغُلَامَ رَحْمَةً مِنَ اللَّهِ نَبِيًّا من الأنبياء يدعو إلى عبادة اللَّهِ تَعَالَى وَتَوْحِيدِهِ .. ” انتهى باختصار من “تفسير ابن كثير” (5/220) .

وانظر السؤال رقم : (6333) .

والحاصل : أن عيسى عليه السلام قد خلقه الله عز وجل من أم بلا أب ، وقد أوكل نفخ الروح في أمه إلى ملك كريم ، ورسول أمين ، وهو جبريل عليه السلام ، الذي سماه الله عز وجل “روح القدس” .
وأما من عداه من بني آدم ، فإنما يخلقون من التقاء ماء الرجل بالمرأة ، فإذا شاء الله عز وجل أن يخلق خلقا حصل الإخصاب ، ونُفخ فيه الروح بعد مائة وعشرين يوما ، في قول جمهور الفقهاء .
روى البخاري (3208) ، ومسلم (2643) عن ابن مسعود رضي الله عنه قَالَ: ” حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ ( إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ، ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ ، ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ ، ثُمَّ يُرْسَلُ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ ، وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ : بِكَتْبِ رِزْقِهِ ، وَأَجَلِهِ ، وَعَمَلِهِ ، وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ ) .
فتصوير الجنين وتخليقه وكتابة ما يتعلق به ونفخ الروح فيه : يباشره الملك الموكل به ، بأمر من الله تعالى .
انظر السؤال رقم : (216397) .
وهذا الملك ، جبريل عليه السلام ، هو الذي تولى نفخ روح عيسى عليه السلام ، في أمه مريم ، بأمر الله عز وجل له ، على أظهر الأقوال في ذلك .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
” وأما المسيح، فيقال : إنه ولدته مريم ، ويقال : المسيح ابن مريم، فكان المسيح جزءًا من مريم، وخلق بعد نفخ الروح في فرج مريم ، كما قال تعالى : وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ [ التحريم : 12 ] ، وفي الأخرى : فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ [ الأنبياء : 91 ] .
وأما حواء، فخلقها الله من مادة أخذت من آدم ، كما خلق آدم من المادة الأرضية ، وهي الماء والتراب والريح الذي أيبسته حتى صار صلصالًا ، فلهذا لا يقال : إن آدم وَلَدَ حواء، ولا آدم وَلَدَهُ الترابُ ، ويقال في المسيح : ولدته مريم ، فإنه كان من أصلين : من مريم ومن النفخ الذي نفخ فيها جبريل . قال الله تعالى : فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ على هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا [ مريم : 17 : 22 ] ، إلى آخر القصة، فهي إنما حملت به بعد النفخ ، لم تحمل به مدة بلا نفخ ، ثم نفخت فيه روح الحياة كسائر الآدميين ، ففرق بين النفخ للحمل ، وبين النفخ لروح الحياة ” .
انتهى من “مجموع الفتاوى” (5/271) ، وينظر أيضا (5/266) .

وقال الشيخ السعدي رحمه الله في ” تفسيره ” (ص 530) :
” وحين جاءها جبريل في صورة بشر سوي تام الخلق والحسن قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا فجازاها الله من جنس عملها، ورزقها ولدا من غير أب ، بل نفخ فيها جبريل عليه السلام ، فحملت بإذن الله ” انتهى .
وقال أيضا (ص 874)
” وقوله وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا أي: صانته وحفظته عن الفاحشة ، لكمال ديانتها، وعفتها ، ونزاهتها.
فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا بأن نفخ جبريل [عليه السلام] في جيب درعها فوصلت نفخته إلى مريم ، فجاء منها عيسى ابن مريم [عليه السلام]، الرسول الكريم والسيد العظيم ” انتهى .
وينظر : “تفسير القرطبي” (18/204) ، “أضواء البيان” (3/449) .

واختلف العلماء في مدة حمل مريم بعيسى عليه السلام :
فذهب الجمهور إلى أنها تسعة أشهر كغيره من البشر .
وقال عكرمة : ثمانية أشهر ، قال : ولهذا لا يعيش ولد الثمانية أشهر ، حفظاً لخاصة عيسى .
وروي عن ابن عباس أنه قال : لم يكن إلا أن حملت فوضعت .
والراجح : أنها حملت به كما تحمل النساء بأولادهن .
انظر السؤال رقم : (45820).
أما الملك الموكل بنفخ الروح : فلم نجد في نصوص الشرع نصا يصرح باسمه ، فالبحث والسؤال عن ذلك من التكلف ، ولا فائدة ترجى من وراء معرفة اسمه .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب