الحمد لله.
أولا :
التأمين التجاري محرم بجميع صوره ، سواء كان تأمينا على الحياة ، أو الصحة ، أو على الممتلكات . لكن يجوز التعامل به في حالتين :
الأولى : أن يجبر الإنسان عليه ، كما لو أجبر على التأمين على سيارته ، أو أجبرت المؤسسة على التأمين الصحي لموظفيها ، ويكون الإثم حينئذ على الآمر المجبِر .
والثانية : أن يضطر الإنسان إلى التأمين الصحي أو يحتاج إليه حاجة شديدة لعدم تمكنه من العلاج على نفقته دون تأمين ، فهذه حاجة تبيح التعامل بالتأمين الصحي عند جمع من أهل العلم ، لأن علة التحريم في هذا التأمين هي الغرر (الجهالة) والمقامرة لا الربا ، وما كان كذلك ، جاز عند الحاجة .
ووجه الغرر : أن المؤمّن يدفع مالا لا يدري أينتفع بخدمات علاجية مساوية له أو أكثر منه أو أقل .
ومن أنواع التأمين ما هو قائم على الغرر والربا معا ، كالتأمين على الحياة ، فإن المؤمّن يدفع أقساطا لا يدري عددها ، مقابل مال معلوم أزيد مما دفع .
وممن ذهب إلى جواز التأمين الصحي عند الحاجة : الدكتور علي محيي الدين القرة داغي ، والـدكتور عبد الرحمن بن صالح الأطرم ، والدكتور يوسف الشبيلي ، والدكتور خالد الدعيجي .
ومن كلام أهل العلم في تقرير أن ما حرم لأجل الغرر جاز عند الحاجة :
قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " وكذلك بيع الغرر هو من جنس الميسر ويباح منه أنواع عند الحاجة ورجحان المصلحة " انتهى من "مجموع الفتاوى" (14/ 471).
وقال رحمه الله : "وبيع الغرر نُهي عنه لأنه من نوع الميسر الذي يفضي إلى أكل المال بالباطل ، فإذا عارض ذلك ضرر أعظم من ذلك أباحه ؛ دفعا لأعظم الفسادين باحتمال أدناهما . والله أعلم " انتهى من "مجموع الفتاوى" (29/ 483).
وقال أيضا : " ومفسدة الغرر أقل من الربا , فكذلك رخص فيما تدعو إليه الحاجة , فإن تحريمه أشد ضررا من ضرر كونه غررا , مثل : بيع العقار , وإن لم تعلم دواخل الحيطان والأساس , ومثل بيع الحيوان الحامل أو المرضع , وإن لم يعلم مقدار الحمل واللبن , وإن كان قد نهي عن بيع الحمل مفردا , وكذلك اللبن عند الأكثرين , ومثل بيع الثمرة بعد بدو صلاحها , فإنه يصح مستحق الإبقاء كما دلت عليه السنة , وذهب إليه الجمهور كمالك والشافعي وأحمد , وإن كانت الأجزاء التي يكمل بها الصلاح لم تخلق بعد . وجوز صلى الله عليه وسلم لمن باع نخلا قد أُبِّرت أن يشترط المبتاع ثمرتها , فيكون قد اشترى ثمرة قبل بدو صلاحها , لكن على وجه البيع للأصل , فظهر أنه يجوز من الغرر اليسير ضمنا وتبعا ما لا يجوز من غيره " انتهى من "الفتاوى الكبرى" (4/ 21).
ثانيا :
الذي يظهر جواز أن يعمل الإنسان طبيبا في قسم التأمين بالمستشفى ؛ ولا يعد ذلك من الإعانة على المحرم ؛ لأن من المراجعين من هو محتاج للتأمين ، أو مجبر عليه ، أو أجبرت شركته على التأمين له ، أو لأسرته ، وهؤلاء يباح لهم الانتفاع بالتأمين الصحي كما سبق ، ويبقى من كان غير محتاج له ، وهذا يعسر تمييزه ، ونسأل الله أن يعفو عنه .
والله أعلم .
تعليق