الأحد 23 جمادى الأولى 1446 - 24 نوفمبر 2024
العربية

أحكام صلاة التراويح والوتر

تاريخ النشر : 22-03-2023

المشاهدات : 9947

أحكام صلاة التراويح والوتر

قيام الليل قربة عظيمة في رمضان وغيره، وهو في رمضان آكد؛ لقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) ([1]). 

سمي قيام الليل في رمضان بصلاة التراويح؛ لأنّ السّلف رحمهم الله كانوا إذا صلّوها استراحوا بعد كلّ ركعتين، أو أربع من اجتهادهم في تطويل صلاة قيام الليل([2]).

أولاً: الفرق بين صلاة التراويح والتهجد والوتر:

صلاة التهجد والتراويح أسماء ومصطلحات داخلة في مسمى صلاة الليل.

لكن الفرق بينهما: أن التراويح تطلق -عند العلماء- على القيام من أول الليل في رمضان خاصة.

وصلاة التهجد: هي الصلاة التي تكون بعد نوم([3]).

فائدة: فرق أهل العلم بين صلاة الليل والوتر من جهة الحكم ومن جهة الكيفية:

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:

" والسنة قولاً وفعلاً قد فرقت بين صلاة الليل وبين الوتر، وكذلك أهل العلم فرقوا بينهما حكماً، وكيفية:

أما تفريق السنة بينهما قولاً: ففي حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم كيف صلاة الليل؟ قال: (مثنى مثنى، فإذا خفت الصبح فأوتر بواحدة) رواه البخاري. وانظر "الفتح" (3/20).

وأما تفريق السنة بينهما فعلاً: ففي حديث عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وأنا راقدة معترضة على فراشه، فإذا أراد أن يوتر أيقظني فأوتر. رواه البخاري. وانظر: "الفتح" (2/487)، ورواه مسلم (1/51) بلفظ: (كان يصلي صلاته بالليل وأنا معترضة بين يديه فإذا بقي الوتر أيقظها فأوترت). وروى (1/508) عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة يوتر من ذلك بخمس لا يجلس في شيء إلا في آخرها. وروى (1/513) عنها حين قال لها سعد بن هشام بن عامر: أنبئيني عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت:  (ويصلي تسع ركعات لا يجلس فيها إلا في الثامنة فيذكر الله ويحمده، ويدعوه، ثم ينهض ولا يسلم، ثم يقوم فيصلي التاسعة، ثم يقعد فيذكر الله، ويحمده، ويدعوه، ثم يسلم تسليماً يسمعنا).

وأما تفريق العلماء بين الوتر وصلاة الليل حكماً: فإن العلماء اختلفوا في وجوب الوتر، فذهب أبو حنيفة إلى وجوبه، وهو رواية عن أحمد ذكرها في "الإنصاف" و"الفروع"، قال أحمد: من ترك الوتر عمداً فهو رجل سوء ولا ينبغي أن تقبل له شهادة.

والمشهور من المذهب أن الوتر سنة، وهو مذهب مالك؛ والشافعي.

وأما صلاة الليل فليس فيها هذا الخلاف، ففي "فتح الباري" (3/27): "ولم أر النقل في القول بإيجابه إلا عن بعض التابعين. قال ابن عبد البر: شذ بعض التابعين فأوجب قيام الليل ولو قدر حلب شاة، والذي عليه جماعة العلماء أنه مندوب إليه" انتهى.

وأما تفريق العلماء بين الوتر وصلاة الليل في الكيفية: فقد صرح فقهاؤنا الحنابلة بالتفريق بينهما فقالوا: صلاة الليل مثنى مثنى، وقالوا في الوتر: إن أوتر بخمس، أو سبع لم يجلس إلا في آخرها، وإن أوتر بتسع جلس عقب الثامنة فتشهد، ثم قام قبل أن يسلم فيصلي التاسعة، ثم يتشهد ويسلم، هذا ما قاله صاحب "زاد المستقنع" " انتهى([4]).

وكذلك من جهة الكيفية: فقالوا: أقل ما يحصل به القيام: ركعتان، وأكثره لا حد له؛ لحديث:

(صَلاة اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خَشِيَ الصُّبْحَ صَلَّى وَاحِدَةً فَأَوْتَرَتْ لَهُ مَا صَلَّى) ([5]).

وأقل ما يحصل به الوتر: ركعة واحدة؛ للحديث السابق.

قد ورد ما يفيد أن أقل القيام ركعة، لكنه لا يصح.

فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصلاة الليل، ورغَّب فيها حتى قال: عليكم بصلاة الليل ولو ركعة" ([6]).

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: فَذَكَرْتُ قيامَ الليلِ، فقال بعضهم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: نصفَه، ثلثَه، ربعَه، فُواق حَلْبِ ناقةٍ، فُواق حلْبِ شاةٍ"([7]).

(فُواق الناقة): "بضم الفاء وتفتح ما بين الحلبتين من الوقت، لأنها تحلب ثم تترك سويعة يرضعها الفصيل، لتدر" انتهى ([8]).

واعلم أن الوتر غير قيام الليل، فلا يؤخذ من صحة الوتر بركعة، أن أقل القيام ركعة.

قال في "كشاف القناع" (5/ 23): "(وَهَلْ هُوَ ) أَيْ الْوِتْرُ (قِيَامُ اللَّيْلِ أَوْ غَيْرُهُ ؟ احْتِمَالَانِ؛ الْأَظْهَرُ: الثَّانِي)، أَيْ أَنَّ الْوِتْرَ غَيْرُ قِيَامِ اللَّيْلِ، لِحَدِيثٍ سَاقَهُ ابْنُ عَقِيلٍ: الْوِتْرُ وَالتَّهَجُّدُ وَرَكْعَتَا الْفَجْرِ.قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: فَرَّقَ أَصْحَابُنَا هُنَا بَيْنَ الْوِتْرِ، وَقِيَامِ اللَّيْلِ" انتهى.

وبهذا يتبين أن صلاة الوتر من صلاة الليل، ولكنها تخالف صلاة الليل في بعض الفروقات، منها: الكيفية ([9]).

 

ثانيا: مشروعية صلاة التراويح جماعة في المسجد، وبطلان القول ببدعيتها:

صلاة التراويح في المسجد مع الجماعة أفضل من صلاتها في البيت، وقد دلت على ذلك السنة، وفعل الصحابة رضي الله عنهم.

1/ فعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: صَلَّى ذَاتَ لَيْلَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَصَلَّى بِصَلَاتِهِ نَاسٌ، ثُمَّ صَلَّى مِنْ الْقَابِلَةِ، فَكَثُرَ النَّاسُ، ثُمَّ اجْتَمَعُوا مِنْ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ، فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ: (قَدْ رَأَيْتُ الَّذِي صَنَعْتُمْ، وَلَمْ يَمْنَعْنِي مِنْ الْخُرُوجِ إِلَيْكُمْ إِلا أَنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ) وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ ([10]).

فهذا يدل على أن صلاة التراويح في جماعة مشروعة بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، غير أنه تركها خشية أن تفرض على الأمة، فلما مات النبي صلى الله عليه وسلم زال هذا المحذور، لاستقرار الشريعة.

2/ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ: قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ قَامَ مَعَ الإِمَامِ –يعني في صلاة التراويح- حَتَّى يَنْصَرِفَ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ) ([11]).

3/عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَيْلَةً فِي رَمَضَانَ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَإِذَا النَّاسُ أَوْزَاعٌ مُتَفَرِّقُونَ، يُصَلِّي الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ، وَيُصَلِّي الرَّجُلُ فَيُصَلِّي بِصَلَاتِهِ الرَّهْطُ، فَقَالَ عُمَرُ: إِنِّي أَرَى لَوْ جَمَعْتُ هَؤُلاءِ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ لَكَانَ أَمْثَلَ، ثُمَّ عَزَمَ فَجَمَعَهُمْ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ([12]).

قَوْله: (أَمْثَل) أي أفضل.

قال النووي رحمه الله:" صَلاةُ التَّرَاوِيحِ سُنَّةٌ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ... وَتَجُوزُ مُنْفَرِدًا وَجَمَاعَةً, وَأَيُّهُمَا أَفْضَلُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ، الصَّحِيحُ بِاتِّفَاقِ الأَصْحَابِ أَنَّ الْجَمَاعَةَ أَفْضَلُ. الثَّانِي: الانْفِرَادُ أَفْضَلُ.

قَالَ أَصْحَابُنَا: الْخِلافُ فِيمَنْ يَحْفَظُ الْقُرْآنَ، وَلا يَخَافُ الْكَسَلَ عَنْهَا لَوْ انْفَرَدَ, وَلا تَخْتَلُّ الْجَمَاعَةُ فِي الْمَسْجِدِ لِتَخَلُّفِهِ. فَإِنْ فُقِدَ أَحَدُ هَذِهِ الأُمُورِ فَالْجَمَاعَةُ أَفْضَلُ بِلا خِلافٍ.

قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ: قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ وَأَبُو إِسْحَاقَ صَلَاةُ التَّرَاوِيحِ جَمَاعَةً أَفْضَلُ مِنْ الانْفِرَادِ لإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ، وَإِجْمَاعِ أَهْلِ الأَمْصَارِ عَلَى ذَلِكَ" انتهى ([13]).

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:

" وكان النبي صلى الله عليه وسلم أول من سن الجماعة في صلاة التراويح في المسجد، ثم تركها خوفا من أن تفرض على أمته.... ثم ذكر الحديثين السابقين، ثم قال:

ولا ينبغي للرجل أن يتخلف عن صلاة التراويح لينال ثوابها وأجرها، ولا ينصرف حتى ينتهي الإمام منها ومن الوتر، ليحصل له أجر قيام الليل كله" انتهى باختصار ([14]).

وقال الألباني رحمه الله:

" وتشرع الجماعة في قيام رمضان، بل هي أفضل من الانفراد، لإقامة النبي صلى الله عليه وسلم لها بنفسه، وبيانه لفضلها بقوله.

وإنما لم يقم بهم عليه الصلاة والسلام بقية الشهر خشية أن تفرض عليهم صلاة الليل في رمضان، فيعجزوا عنها كما جاء في حديث عائشة في "الصحيحين" وغيرهما. وقد زالت هذه الخشية بوفاته صلى الله عليه وسلم بعد أن أكمل الله الشريعة، وبذلك زال المعلول، وهو ترك الجماعة في قيام رمضان، وبقي الحكم السابق، وهو مشروعية الجماعة، ولذلك أحياها عمر رضي الله عنه كما في "صحيح البخاري" وغيره " انتهى ([15]).

وأما قول عمر رضي الله عنه –عن صلاة التراويح-: "نعمت البدعة هذه " لما رأى الصحابة مجتمعين على صلاة التراويح، فمراده رضي الله عنه: البدعة اللغوية وليست الشرعية. يعني: أنها أمر جديد، لم تجر به عادة الناس وعملهم.
وذلك أن جمع الناس في رمضان كل ليلة على إمام واحد باستمرار وانتظام: لم يكن من قبل، فاعتبر ظاهر الحال، وقصد المعنى اللغوي للبدعة، ولم يقصد المعنى الشرعي لها، الذي يعني: استحداث أمر في الدين، وليس منه، مع نسبته إلى الدين؛ فصلاة التراويح من الدين المشروع المندوب إليها، وهكذا صلاتها جماعة: من الأمر المرغب فيه المندوب إليه، وثبت أصله من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وقوله.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" هذه تسمية لغوية، لا تسمية شرعية، وذلك أن البدعة في اللغة تعم كل ما فعل ابتداء من غير مثال سابق. وأما البدعة الشرعية: فما لم يدل عليه دليل شرعي، فإذا كان نص رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دل على استحباب فعل أو إيجابه بعد موته، أو دل عليه مطلقا، ولم يعمل به إلا بعد موته، ككتاب الصدقة، الذي أخرجه أبو بكر-رضي الله عنه- فإذا عمل ذلك العمل بعد موته، صح أن يسمى بدعة في اللغة؛ لأنه عمل مبتدأ.
كما أن نفس الدين الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم يسمى بدعة، ويسمى محدثا في اللغة، كما قالت رسل قريش للنجاشي عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم المهاجرين إلى الحبشة: "إن هؤلاء خرجوا من دين آبائهم، ولم يدخلوا في دين الملك، وجاءوا بدين محدث لا يعرف".
ثم ذلك العمل الذي يدل عليه الكتاب والسنة: ليس بدعة في الشريعة، وإن سمي بدعة في اللغة، فلفظ البدعة في اللغة، أعم من لفظ البدعة في الشريعة.
وقد علم أن قول النبي صلى الله عليه وسلم: (كل بدعة ضلالة) لم يرد به كل عمل مبتدأ، فإن دين الإسلام، بل كل دين جاءت به الرسل، فهو عمل مبتدأ، وإنما أراد: ما ابتُدئ من الأعمال التي لم يشرعها هو صلى الله عليه وسلم.
وإذا كان كذلك: فالنبي صلى الله عليه وسلم قد كانوا يصلون قيام رمضان على عهده جماعة وفرادى؛ وقد قال لهم في الليلة الثالثة، أو الرابعة لما اجتمعوا: (إنه لم يمنعني أن أخرج إليكم إلا كراهة أن تفرض عليكم، فصلوا في بيوتكم؛ فإن أفضل صلاة المرء في بيته، إلا المكتوبة).
فعلّل صلى الله عليه وسلم عدم الخروج بخشية الافتراض، فعلم بذلك أن المقتضي للخروج قائم، وأنه لولا خوف الافتراض لخرج إليهم.
فلما كان في عهد عمر رضي الله عنه جمعهم على قارئ واحد، وأسرج المسجد، فصارت هذه الهيئة، وهي اجتماعهم في المسجد على إمام واحد، مع الإسراج: عملا لم يكونوا يعملونه من قبل؛ فسمي بدعة؛ لأنه في اللغة يسمى بذلك، ولم يكن بدعة شرعية؛ لأن السنة اقتضت أنه عمل صالح، لولا خوف الافتراض، وخوف الافتراض قد زال بموته صلى الله عليه وسلم، فانتفى المعارض" ([16]).
وقال ابن رجب رحمه الله:
" وأما ما وقع في كلام السَّلف مِنِ استحسان بعض البدع، فإنَّما ذلك في البدع اللُّغوية، لا الشرعية، فمِنْ ذلك قولُ عمر - رضي الله عنه - لمَّا جمعَ الناسَ في قيامِ رمضان على إمامٍ واحدٍ في المسجد، وخرج ورآهم يصلُّون كذلك فقال: نعمت البدعةُ هذه. وروي عنه أنَّه قال: إنْ كانت هذه بدعة، فنعمت البدعة "
ومرادُه أنَّ هذا الفعلَ لم يكن على هذا الوجه قبل هذا الوقت، ولكن له أصولٌ منَ الشَّريعةِ يُرجع إليها، فمنها: أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كان يحُثُّ على قيام رمضان، ويُرَغِّبُ فيه، وكان النَّاس في زمنه يقومون في المسجد جماعاتٍ متفرِّقةً ووحداناً، وهو -صلى الله عليه وسلم- صلَّى بأصحابه في رمضانَ غيرَ ليلةٍ، ثم امتنع مِنْ ذلك معلِّلاً بأنَّه خشي أنْ يُكتب عليهم، فيعجزوا عن القيام به، وهذا قد أُمِنَ بعده - صلى الله عليه وسلم" ([17]).
قال الشيخ الألباني رحمه الله:

"قول عمر: "نعمت البدعة هذه" لم يقصد به البدعة بمعناها الشرعي، الذي هو إحداث شيء في الدين على غير مثال سابق، وإنما قصد البدعة بمعنى من معانيها اللغوية، وهو الأمر الحديث الجديد الذي لم يكن معروفا قبيل إيجاده، ومما لا شك فيه أن صلاة التراويح جماعة وراء إمام واحد: لم يكن معهودا ولا معمولا زمن خلافة أبي بكر وشطرا من خلافة عمر، فهي بهذا الاعتبار حادثة، ولكن بالنظر إلى أنها موافقة لما فعله صلى الله عليه وسلم فهي سنة وليست بدعة، وما وصفها بالحسن إلا لذلك" ([18]).

ثالثاً: فضل صلاة التراويح:

صلاة التراويح -كما سبق- داخلة في صلاة الليل، فتشملها أدلة الكتاب والسنة التي وردت بالترغيب في صلاة الليل على جهة العموم ([19]).

وقد ورد بخصوص فضل قيام الليل في رمضان خاصة، قوله عليه الصلاة والسلام: (مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) ([20]) ([21]).

وورد بخصوص ليلة القدر، قوله عليه الصلاة والسلام: (مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) ([22]).

ولهذا (كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْتَهِد فِي الْعَشْر الأَوَاخِر مَا لا يَجْتَهِد فِي غَيْرهَا) ([23]).

وقال النووي رحمه الله: "فَفِي هَذَا الْحَدِيث: أَنَّهُ يُسْتَحَبّ أَنْ يُزَاد مِنْ الْعِبَادَات فِي الْعَشْر الأَوَاخِر مِنْ رَمَضَان, وَاسْتِحْبَاب إِحْيَاء لَيَالِيه بِالْعِبَادَاتِ" ([24]).

رابعاً: وقت صلاة التراويح:

يبتدئ وقت صلاة التراويح من بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر.

قال النووي رحمه الله: "يَدْخُلُ وَقْتُ التَّرَاوِيحِ بِالْفَرَاغِ مِنْ صَلاةِ الْعِشَاءِ" انتهى([25]).

ولكن إذا كان الرجل سيصلي في المسجد إماماً بالناس فالأولى أن يصليها بعد صلاة العشاء، ولا يؤخرها إلى نصف الليل أو آخره حتى لا يشق ذلك على المصلين، وربما ينام بعضهم فتفوته الصلاة. وعلى هذا جرى عمل المسلمين، أنهم يصلون التراويح بعد صلاة العشاء ولا يؤخرونها.

وقال ابن قدامة رحمه الله: قِيلَ للإمام أَحْمَدَ: تُؤَخِّرُ الْقِيَامَ يَعْنِي فِي التَّرَاوِيحِ إلَى آخِرِ اللَّيْلِ؟ قَالَ: لا, سُنَّةُ الْمُسْلِمِينَ أَحَبُّ إلَيَّ" ([26]).

أما من كان سيصليها في بيته فهو بالخيار إن شاء صلاها في أول الليل وإن شاء صلاها آخره.

مسألة: يُشرع للمسلم أداء صلاة التراويح بعد صلاة العشاء من الليلة الأولى لرمضان، وهي الليلة التي يُرى فيها الهلال، يُكمل المسلمون عدة شعبان ثلاثين يوماً.

ومثل هذا نهاية شهر رمضان، فإنه لا تُصلَّى التراويح إذا ثبت انتهاء الشهر برؤية هلال العيد أو بإتمام عدة رمضان ثلاثين يوماً.

فيتبين أن صلاة التراويح لا تتعلق بصيام نهار رمضان، بل بدخول الشهر من الليل ابتداءً، وبآخر يوم من رمضان انتهاءً.

ولا ينبغي القول إن صلاة الترويح نافلة مطلقة فيجوز أن تؤدى في أي ليلة وجماعة؛ لأن صلاة التراويح مقصودة لشهر رمضان، ومصليها يقصد الأجر المترتب على قيامه، والجماعة فيها ليست كحكم الجماعة في غيرها، فيجوز في رمضان أن يصلى قيامه جماعة في كل ليلة مع الإعلان والتشجيع عليه، بخلاف القيام في غيره فإنه لا يسن إلا ما جاء من غير قصد أو بقصد التشجيع والتعليم، فيسن أحياناً دون الالتزام بفعله دائماً.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "التَّراويحَ في غير رمضان بِدْعةٌ، فلو أراد النَّاس أنْ يجتمعوا على قيام الليل في المساجد جماعة في غير رمضان لكان هذا من البِدع.

ولا بأس أن يُصلِّي الإنسانُ جماعة في غير رمضان في بيته أحياناً؛ لفعل الرسول صلى الله عليه وسلم: "فقد صَلَّى مرَّةً بابن عبَّاس، ومرَّةً بابن مسعود ومرَّةً بحذيفة بن اليمان، جماعة في بيته" لكن لم يتَّخذْ ذلك سُنَّة راتبةً، ولم يكن أيضاً يفعله في المسجد" ([27]).

وعليه: فمن صلى صلاة التراويح قبل ثبوت دخول رمضان فهو كمن صلى الصلاة في غير وقتها، فلا يكتب له أجرها، هذا إن سلِم من الإثم إن تعمد ذلك([28]).

مسألة: من جمع بين صلاتي المغرب والعشاء جمع تقديم؛ للعذر، فإن وقت التراويح والوتر يبتدئ في حقه من بعد صلاة العشاء المجموعة لصلاة المغرب.

جاء في شرح "منتهى الإرادات" (1/ 238): " (ووقت وتر: ما بين صلاة العشاء، ولو مع) كون العشاء جمعت مع مغرب (جمع تقديم) في وقت المغرب، (وطلوع الفجر)؛ لحديث معاذ: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: زادني ربي صلاة، وهي الوتر، ووقتها: ما بين العشاء وطلوع الفجر" رواه أحمد" انتهى ([29]).

مسألة: يصح أن يصلي الشخص التراويح قبل راتبة العشاء؛ لكنه خلاف الأولى.

قال الشيخ منصور البهوتي رحمه الله: "وإن صلَّى التراويح بعد العشاء وقبل سنَّتها: صحَّ جزماً، ولكن الأفضل فعلها بعد السنَّة على المنصوص" انتهى ([30]).

 

خامساً: عدد ركعات صلاة التراويح:

ليس لصلاة التراويح عدد محدد لا تجوز الزيادة عليه؛ فقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاة الليل فقال: (مثنى مثنى) ولم يحددها بعدد معين.

قال السيوطي رحمه الله:

"الَّذِي وَرَدَتْ بِهِ الأْحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ وَالْحِسَانُ الأْمْرُ بِقِيَامِ رَمَضَانَ وَالتَّرْغِيبُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصٍ بِعَدَدٍ" انتهى([31]).

وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: "وثبت عن عمر رضي لله عنه أنه أمر من عين من الصحابة أن يصلي إحدى عشرة، وثبت عنهم أنهم صلوا بأمره ثلاثا وعشرين، وهذا يدل على التوسعة في ذلك، وأن الأمر عند الصحابة واسع، كما دل عليه قوله عليه الصلاة والسلام: (صلاة الليل مثنى مثنى )" انتهى([32]).

ولنسمع إلى توجيه من الشيخ الفاضل ابن عثيمين رحمه الله حيث يقول:

وهنا نقول: لا ينبغي لنا أن نغلو أو نفرط، فبعض الناس يغلو من حيث التزام السنة في العدد، فيقول: لا تجوز الزيادة على العدد الذي جاءت به السنَّة، وينكر أشدَّ النكير على من زاد على ذلك، ويقول: إنه آثم عاصٍ.

وهذا لا شك أنه خطأ، وكيف يكون آثماً عاصياً وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاة الليل فقال: مثنى مثنى، ولم يحدد بعدد، ومن المعلوم أن الذي سأله عن صلاة الليل لا يعلم العدد؛ لأن من لا يعلم الكيفية فجهله بالعدد من باب أولى، وهو ليس ممن خدم الرسول صلى الله عليه وسلم حتى نقول إنه يعلم ما يحدث داخل بيته، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم بيَّن له كيفية الصلاة دون أن يحدد له بعدد: عُلم أن الأمر في هذا واسع، وأن للإنسان أن يصلِّيَ مائة ركعة ويوتر بواحدة.

وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (صلوا كما رأيتموني أصلي)  فهذا ليس على عمومه حتى عند هؤلاء، ولهذا لا يوجبون على الإنسان أن يوتر مرة بخمس، ومرة بسبع، ومرة بتسع، ولو أخذنا بالعموم لقلنا يجب أن توتر مرة بخمس، ومرة بسبع، ومرة بتسع سرداً، وإنما المراد: صلوا كما رأيتموني أصلي في الكيفية، أما في العدد فلا إلا ما ثبت النص بتحديده.

وعلى كلٍّ ينبغي للإنسان أن لا يشدد على الناس في أمر واسع، حتى إنا رأينا من الإخوة الذين يشددون في هذا مَن يبدِّعون الأئمة الذين يزيدون على إحدى عشرة، ويخرجون من المسجد فيفوتهم الأجر الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم (من قام مع الإمام حتى ينصرف كُتب له قيام ليلة) ([33])، وقد يجلسون إذا صلوا عشر ركعات فتنقطع الصفوف بجلوسهم، وربما يتحدثون أحياناً فيشوشون على المصلين.

ونحن لا نشك بأنهم يريدون الخير، وأنهم مجتهدون، لكن ليس كل مجتهدٍ يكون مصيباً.

والطرف الثاني: عكس هؤلاء، أنكروا على من اقتصر على إحدى عشرة ركعة إنكاراً عظيماً، وقالوا: خرجتَ عن الإجماع قال تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 115]، فكل من قبلك لا يعرفون إلا ثلاثاً وعشرين ركعة، ثم يشدِّدون في النكير، وهذا أيضاً خطأ" ([34]).

أما الدليل الذي استدل القائلون بعدم جواز الزيادة في صلاة التراويح على ثمان ركعات فهو حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه سأل عائشة رضي الله عنها: " كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان ؟ فقالت: ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة يصلي أربعا فلا تسل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي أربعا فلا تسل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي ثلاثا فقلت يا رسول الله أتنام قبل أن توتر قال يا عائشة: (إن عينيَّ تنامان ولا ينام قلبي) ([35]).

فقالوا: هذا الحديث يدل على المداومة لرسول الله في صلاته في الليل في رمضان وغيره.

وقد ردَّ العلماء على الاستدلال بهذا الحديث بأن هذا من فعله صلى الله عليه وسلَّم، والفعل لا يدل على الوجوب.

ومن الأدلة الواضحة على أن صلاة الليل ومنها صلاة التراويح غير مقيدة بعدد حديث ابن عمر أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة الليل فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام: (صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلَّى) ([36]).

ونظرة إلى أقوال العلماء في المذاهب المعتبرة تبين لك أن الأمر في هذا واسع، وأنه لا حرج في الزيادة على إحدى عشرة ركعة:

قال السرخسي رحمه الله، وهو من أئمة المذهب الحنفي: "فإنها عشرون ركعة سوى الوتر عندنا" ([37]).

وقال ابن قدامة رحمه الله: "والمختار عند أبي عبد الله (يعني الإمام أحمد ) رحمه الله، فيها عشرون ركعة، وبهذا قال الثوري، وأبو حنيفة، والشافعي، وقال مالك: ستة وثلاثون" ([38]).

وقال النووي رحمه الله: "صلاة التراويح سنة بإجماع العلماء، ومذهبنا أنها عشرون ركعة بعشر تسليمات وتجوز منفردا وجماعة" ([39]).

فهذه مذاهب الأئمة الأربعة في عدد ركعات صلاة التراويح وكلهم قالوا بالزيادة على إحدى عشرة ركعة، ولعل من الأسباب التي جعلتهم يقولون بالزيادة على إحدى عشرة ركعة:

1/ أنهم رأوا أن حديث عائشة رضي الله عنها لا يقتضي التحديد بهذا العدد.

2/ وردت الزيادة عن كثير من السلف ([40]).

3/ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي إحدى عشرة ركعة وكان يطيلها جداً حتى كان يستوعب بها عامة الليل، بل في إحدى الليالي التي صلى فيها النبي صلى الله عليه وسلم صلاة التراويح بأصحابه لم ينصرف من الصلاة إلا قبيل طلوع الفجر حتى خشي الصحابة أن يفوتهم السحور، وكان الصحابة رضي الله عنهم يحبون الصلاة خلف النبي صلى الله عليه وسلم ولا يستطيلونها فرأى العلماء أن الإمام إذا أطال الصلاة إلى هذا الحد شق ذلك على المأمومين وربما أدى ذلك إلى تنفيرهم فرأوا أن الإمام يخفف من القراءة ويزيد من عدد الركعات.

والحاصل: أن من صلى إحدى عشرة ركعة على الصفة الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم فقد أحسن وأصاب السنة، ومن خفف القراءة وزاد عدد الركعات فقد أحسن، ولا إنكار على من فعل أحد الأمرين.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:

"والتراويح إن صلاها كمذهب أبي حنيفة، والشافعي، وأحمد: عشرين ركعة أو: كمذهب مالك ستا وثلاثين، أو ثلاث عشرة، أو إحدى عشرة فقد أحسن، كما نص عليه الإمام أحمد لعدم التوقيف فيكون تكثير الركعات وتقليلها بحسب طول القيام وقصره" ([41]).

وقال علماء اللجنة للإفتاء :
"
لم يثبت في عدد ركعات صلاة التراويح حد محدد، والعلماء مختلفون فيه منهم من يرى أنه ثلاث وعشرون ، ومنهم من يرى أنه ست وثلاثون، ومنهم من يرى أكثر، ومنهم يرى أقل، والصحابة صلوها في عهد عمر ثلاثا وعشرين في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، والنبي كان لا يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة أو ثلاث عشرة ، ولم يحدد للناس عددا معينا في التراويح وقيام الليل، بل كان يحث على قيام الليل وعلى قيام رمضان بالذات فيقول صلى الله عليه وسلم: (من قام رمضان واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه)، ولم يحدد عدد الركعات، وهذا يختلف باختلاف صفة القيام، فمن كان يطيل الصلاة؛ فإنه يقلل عدد الركعات كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، ومن كان يخفف الصلاة رفقا بالناس، فإنه يكثر عدد الركعات كما فعل الصحابة في عهد عمر، ولا بأس أن يزيد في عدد الركعات في العشر الأواخر عن عددها في العشرين الأول ويقسمها إلى قسمين: قسما يصليه في أول الليل ويخففه على أنه تراويح كما في العشرين الأول، وقسما يصليه في آخر الليل ويطيله على أنه تهجد، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيرها" ([42]).

فتجوز صلاة التراويح بالقليل والكثير من الركعات، ويكون ذلك حسب ما يرى أهل كل مسجد أنه أنسب لهم.

والأفضل هو ما ثبت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه لم يكن يزيد في قيام الليل على إحدى عشرة ركعة، في رمضان وغيره ([43]) .

سادساً: حكم صلاة التراويح:

صلاة التراويح سنة بإجماع أهل العلم، قال النووي رحمه الله: "صلاة التراويح سنة بإجماع العلماء" انتهى([44]).

 

سابعاً: تقسيم قيام الليل في العشر الأواخر إلى قسمين تراويح وتهجد:

إذا تقرر بأن التراويح ليس لها عدد محدد من الركعات، وأن الليل كله محل للقيام، وأن الفصل بين القيام لا يفعل تعبدا لذاته، وإنما يفعل تيسيرا، واستكثارا من الخير، وابتغاء لإيقاع شيء من القيام في الثلث الأخير من الليل، فإنه لا يصح الاعتراض على جعل القيام على جزئين.

قال الشيخ عبد الله أبابطين رحمه الله:

"إذا تبين أنه لا تحديد في عدد التراويح، وأن وقتها عند جميع العلماء من بعد سنة العشاء إلى طلوع الفجر، وأن إحياء العشر سنة مؤكدة، وأن النبي صلى الله وعليه وسلم صلاها ليالي جماعة، فكيف ينكر على من زاد في صلاة العشر الأواخر عما يفعلها أول الشهر، فيصلي في العشر أول الليل، كما يفعل في أول الشهر، أو قليل، أو كثير، من غير أن يوتر، وذلك لأجل الضعيف لمن يحب الاقتصار على ذلك، ثم يزيد بعد ذلك ما يسره الله في الجماعة، ويسمى الجميع قياماً وتراويحا" انتهى ([45]).

 

ثامناً: حمل المصحف في صلاة التراويح:

إن كان الحامل للمصحف في صلاة التراويح، هو الإمام؛ لحاجته للقراءة من المصحف، فلا حرج في ذلك؛ فقد كان لعائشة رضي الله عنها غلام يؤمها من المصحف في رمضان ([46]).

وقال النووي رحمه الله: "لو قرأ القرآن من المصحف لم تبطل صلاته سواء كان يحفظه أم لا ، بل يجب عليه ذلك إذا لم يحفظ الفاتحة, ولو قلَّب أوراقه أحيانا في صلاته لم تبطل ...... هذا مذهبنا ومذهب مالك وأبي يوسف ومحمد وأحمد " انتهى ([47]).

وأما اعتراض من اعترض على ذلك بأن حمل المصحف وتقليب أوراقه في الصلاة حركة كثيرة فهو اعتراض غير صحيح؛ لأنه قد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالناس وهو حامل أمامة بنت ابنته ([48])، فحمل المصحف في الصلاة ليس أعظم من حمل طفلة في الصلاة .

وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: "لا حرج في القراءة من المصحف في قيام رمضان، لما في ذلك من إسماع المأمومين جميع القرآن، ولأن الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة قد دلت على شرعية قراءة القرآن في الصلاة، وهي تعم قراءته من المصحف وعن ظهر قلب، وقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها أنها أمرت مولاها ذكوان أن يؤمها في قيام رمضان، وكان يقرأ من المصحف، ذكره البخاري رحمه الله في صحيحه معلقاً مجزوماً به"  ([49]).

 وأما المأموم، فالأولى والأفضل في حقه أن لا يحمل المصحف؛ لما فيه من  الانشغال وتفويت بعض السنن، كوضع اليدين على الصدر([50]).

سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: ما حكم حمل المأموم للمصحف في صلاة التراويح؟

فأجاب :

" لا أعلم لهذا أصلا ، والأظهر أن يخشع ويطمئن ولا يأخذ مصحفا ، بل يضع يمينه على شماله كما هي السنة ، يضع يده اليمنى على كفه اليسرى الرسغ والساعد ويضعهما على صدره ، هذا هو الأرجح والأفضل، وأخذ المصحف يشغله عن هذه السنن ، ثم قد يشغل قلبه وبصره في مراجعة الصفحات والآيات وعن سماع الإمام ، فالذي أرى أن ترك ذلك هو السنة ، وأن يستمع وينصت ولا يستعمل المصحف، فإن كان عنده علم فَتَح على إمامه ، وإلا فتح غيره من الناس ، ثم لو قدر أن الإمام غلط ولم يُفتح عليه ما ضر ذلك في غير الفاتحة إنما يضر في الفاتحة خاصة ؛ لأن الفاتحة ركن لا بد منها أما لو ترك بعض الآيات من غير الفاتحة ما ضره ذلك إذا لم يكن وراءه من ينبهه ، ولو كان واحد يحمل المصحف على الإمام عند الحاجة فلعل هذا لا بأس به، أما أن كل واحد يأخذ مصحفا فهذا خلاف السنة"([51]) انتهى.

سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ما حكم حمل المصحف من قبل المأمومين في صلاة التراويح في رمضان بحجة متابعة الإمام؟

فأجاب: "حمل المصحف لهذا الغرض فيه مخالفة للسنة وذلك من وجوه :

الوجه الأول: أنه يفوت الإنسان وضع اليد اليمنى على اليد اليسرى في حال القيام .

والثاني: أنه يؤدي إلى حركة كثيرة لا حاجة لها وهي فتح المصحف وإغلاقه ووضعه تحت الإبط .

والثالث: أنه يشغل المصلي في الحقيقة بحركاته هذه .

والرابع: أنه يفوت المصلي النظر إلى موضع السجود وأكثر العلماء يرون أن النظر إلى موضع السجود هو السنة والأفضل .

والخامس: أن فاعل ذلك ربما ينسى أنه في صلاة إذا لم يكن يستحضر قلبه أنه في صلاة، بخلاف ما إذا كان خاشعاً واضعاً يده اليمنى على اليسرى مطأطئاً رأسه نحو سجوده فإنه يكون أقرب إلى استحضار أنه يصلي وأنه خلف الإمام" انتهى ([52]) .

 

تاسعاً: حكم صلاة العشاء خلف من يصلي التراويح:

صلاة العشاء خلف من يصلي التراويح أو الوتر، صحيحة على الراجح من قولي العلماء، والمسألة معروفة عند الفقهاء بصلاة المفترض خلف المتنفّل ([53]).

 قال ابن قدامة رحمه الله: "وفي صلاة المفترض خلف المتنفل روايتان: إحداهما: لا تصح، واختارها أكثر أصحابنا، وهذا قول الزهري, ومالك, وأصحاب الرأي ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما جعل الإمام ليؤتم به, فلا تختلفوا عليه ) متفق عليه .
والثانية: يجوز. وهذا قول الشافعي, وابن المنذر, وهي أصح ; لما روى جابر بن عبد الله أن معاذا كان يصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يرجع فيصلي بقومه تلك الصلاة. متفق عليه. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى بطائفة من أصحابه في الخوف ركعتين, ثم سلم, ثم صلى بالطائفة الأخرى ركعتين, ثم سلم. رواه أبو داود, والثانية منهما تقع نافلة, وقد أَمَّ بها مفترضين .
فأما حديثهم فالمراد به: لا تختلفوا عليه في الأفعال؛ بدليل قوله: (فإذا ركع فاركعوا, وإذا رفع فارفعوا, وإذا سجد فاسجدوا, وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون)" انتهى باختصار ([54]).
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: ما هو العمل عندما يأتي الفرد بعد صلاة العشاء وقد انتهت، وقام الإمام يصلي التراويح، فهل يأتم بالإمام وينوي العشاء؟ أم يقيم ويصلي منفردا أو مع جماعة إن وجدت؟
فأجابوا: "يجوز أن يصلي العشاء جماعة مع من يصلي التراويح، فإذا سلم الإمام من ركعتين قام من يصلي العشاء وراءه وصلى ركعتين، إتماما لصلاة العشاء" انتهى ([55]) .
لكن من فاتته صلاة العشاء مع الإمام الراتب ودخل بعد الصلاة مباشرة، وقد بقي وقت عن صلاة التراويح، يسع صلاتهم للعشاء، فالأحسن لهم في مثل هذه الحال أن يصلوا جماعة لوحدهم؛ خروجاً من خلاف من منع من صلاة المفترض خلف المتنفل، من أهل العلم .

أما إذا دخل في أثناء صلاة التراويح، أو كان الإمام يشرع في التراويح بعد العشاء بوقت قريب، ويخشى من صلاة الجماعة الثانية أن يحصل من إحداهما تشويش على الأخرى؛ فالأحسن في هذه الحال أن يدخل مع الإمام في صلاة التراويح بنية العشاء، ثم إذا سلم الإمام من الركعتين، قام وأتم لنفسه .

سئل الشيخ ابن باز رحمه الله : نلاحظ في بعض المساجد أن الذين يأتون بعد انتهاء صلاة العشاء وبداية التراويح يقيمون صلاة ثانية وهم بهذا يشوشون على من يصلي التراويح، فهل الأفضل في حقهم إقامة الصلاة جماعة، أم الدخول مع الإمام في صلاة التراويح بنية العشاء، وهل يختلف الحكم فيما إذا كان الداخل فردا أم مجموعة؟

فأجاب: "إذا كان الداخل اثنين فأكثر، فالأفضل لهم إقامة الصلاة وحدهم أعني صلاة العشاء، ثم يدخلون مع الناس في التراويح، وإن دخلوا مع الإمام بنية العشاء، فإذا سلم الإمام قام كل واحد فكمل لنفسه فلا بأس؛ لأنه ثبت عن معاذ رضي الله عنه: (أنه كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء فريضته، ثم يرجع إلى قومه فيصلي بهم تلك الصلاة، فهي له نفل ولهم فرض)، أما إن كان الداخل واحدا فالأفضل له أن يدخل مع الإمام بنية العشاء حتى يحصل له فضل الجماعة، فإذا سلم الإمام من الركعتين قام فأكمل لنفسه صلاة العشاء، وفق الله الجميع للفقه في الدين"  ([56]).

فإن كان المأموم الذي يريد أن يصلي العشاء مسافرا، وقد دخل مع إمامه في صلاة التراويح، فإنه في هذه الحال، يقتصر على ركعتين؛ لأن القصر في حقه رخصة.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "إذا دخل الإنسان إلى المسجد والناس يصلون صلاة التراويح وهو لم يصلِ صلاة العشاء فإنه يدخل معهم بنية العشاء، ثم إن كان مسافراً وقد دخل مع الإمام في الركعة الأولى سلم مع الإمام, لأن المسافر يصلي ركعتين، وإن كان مقيماً فإنه إذا سلم الإمام فإنه يأتي بما بقي عليه من الركعات الأربع" ([57]).

 

عاشرا: ضابط ما يحصل به الانصراف من صلاة الليل:

هو أن يصلي المأموم مع إمامه؛ حتى ينتهي الإمام من صلاته كلها؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (مَنْ قَامَ مَعَ الإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ ) ([58]

فمن صلى مع الجماعة الأولى بعد العشاء عشرين ركعة، وأوتر مع إمامها فقد أكمل صلاة التراويح بالوتر مع الإمام، وحقّق شرط حصول أجر قيام ليلة بانصرافه مع الإمام، وليس عليه أن يصلي مع إمام آخر، في آخر الليل؛ لأن الصلاة الأولى تامة كاملة.

ومن أراد أن يصلي الصلاتين طلبا لمزيد الأجر: فقد أحسن، غير أنه لا يصلي الوتر مرتين، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك.

وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله :إذا صلى الإنسان في رمضان مع من يصلي ثلاثا وعشرين ركعة واكتفى بإحدى عشرة ركعة ولم يتم مع الإمام، فهل فعله هذا موافق للسنة؟
فأجاب: "السنة الإتمام مع الإمام، ولو صلى ثلاثا وعشرين؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب الله له قيام ليلة، وفي اللفظ الآخر: (بقية ليلته).
فالأفضل للمأموم أن يقوم مع الإمام حتى ينصرف، سواء صلى إحدى عشرة ركعة أو ثلاث عشرة أو ثلاثا وعشرين أو غير ذلك، هذا هو الأفضل أن يتابع الإمام حتى ينصرف" انتهى ([59]).
وقال الشيخ ابن جبرين رحمه الله :
"
قيام رمضان يحصل بصلاة جزء من كل ليلة، كنصفها أو ثلثها، سواء كان ذلك بصلاة إحدى عشرة ركعة، أو ثلاث وعشرين، ويحصل القيام بالصلاة خلف إمام الحي حتى ينصرف، ولو في أقل من ساعة .
وكان الإمام أحمد يُصلي مع الإمام ولا ينصرف إلا معه، عملاً بالحديث، فمن أراد هذا الأجر فعليه أن يصلي مع الإمام حتى يفرغ من الوتر، سواء صلى قليلاً أو كثيراً ، وسواء طالت المدة أو قصرت" انتهى ([60]).

لكن: هل يحصل له الأجر الوارد في الحديث إذا صلى نصف التراويح في مسجد ونصفها في آخر لظروف العمل؟

سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "إذا كان الرجل في رمضان يصلي أول الليل في مسجد وآخر الليل في مسجد هل يكون الأجر مثله؟

فأجاب: قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: )من قام مع الإمام حتى ينصرف-يعني: في قيام رمضان- كتب له قيام ليلة).

فإذا صلى مع الإمام الأول، ثم صلى مع الثاني: لم يصدق عليه أنه صلى مع الإمام حتى ينصرف؛ لأنه جعل قيامه بين رجلين. 

فيقال له: إما أن تقوم مع هذا من أول الليل إلى آخره، وإما أن يفوتك الأجر" انتهى ([61]).

وعليه: إذا كانت ظروف العمل لا يتمكن معها المصلي من صلاة التراويح كاملة في مسجد واحد، فيرجى له الأجر على نيته المقترنة بما يقدر عليه من عمل. 

فإن كان في المسجد الواحد إمامان لصلاة التراويح أو التهجد، فالانصراف يتحقق بالصلاة مع الإمامين معا:

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "هل الإمامان في مسجد واحد يعتبر كل واحد منهم مستقلاً، أو أن كل واحد منهما نائب عن الثاني؟

الذي يظهر الاحتمال الثاني – أن كل واحد منهما نائب عن الثاني مكمل له، وعلى هذا فإن كان المسجد يصلي فيه إمامان فإن هذين الإمامين يعتبران بمنزلة إمام واحد، فيبقى الإنسان حتى ينصرف الإمام الثاني، لأننا نعلم أن الثانية مكملة لصلاة الأول" ([62]).

 

الأحكام المتعلقة بصلاة الوتر

صلاة الوتر من أعظم القربات إلى الله تعالى، حتى رأى بعض أهل العلم –وهم الأحناف– بوجوبها، ولكن الصحيح بأنها سنة مؤكدة، ينبغي على المسلم المحافظة عليها وعدم تركها.

المسألة الأولى: حكم صلاة الوتر.

صلاة الوتر سنة مؤكدة عند جمهور العلماء، ومن الفقهاء من أوجبها .

ويدل على عدم وجوبها: ما رواه البخاري  ومسلم عن طَلْحَةَ بْن عُبَيْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنِي مَاذَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنْ الصَّلاةِ ؟ فَقَالَ: (الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ إِلا أَنْ تَطَّوَّعَ شَيْئًا) ولفظ مسلم: (خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ. فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: لا، إِلا أَنْ تَطَوَّعَ) ([63]).   

قال النووي رحمه الله: "فِيهِ: أَنَّ صَلاة الْوِتْر لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ" انتهى ([64]).  

وقال الحافظ رحمه الله في "الفتح": "فيه: أَنَّهُ لا يَجِب شَيْء مِنْ الصَّلَوَات فِي كُلّ يَوْم وَلَيْلَة غَيْر الْخَمْس, خِلافًا لِمَنْ أَوْجَبَ الْوِتْر أَوْ رَكْعَتَيْ الْفَجْر" انتهى ([65]).  

ومع ذلك فهي آكد السنن ، فقد أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم في غير ما حديث .

روى مسلم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أَوْتِرُوا قَبْلَ أَنْ تُصْبِحُوا) ([66]).  

وروى أبو داود: عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَا أَهْلَ الْقُرْآنِ، أَوْتِرُوا، فَإِنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ) ([67]).   

ولهذا فينبغي المحافظة عليها حضرا وسفرا، كما كان يفعل صلى الله عليه وسلم، فقد روى البخاري ومسلم:  عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي السَّفَرِ عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ يُومِئُ إِيمَاءً صَلاةَ اللَّيْلِ إِلا الْفَرَائِضَ وَيُوتِرُ عَلَى رَاحِلَتِهِ) ([68]).  

قال ابن قدامة رحمه الله: "الوتر غير واجب وبهذا قال مالك والشافعي. وقال أبو حنيفة: هو واجب". ثم قال: "قال أحمد: من ترك الوتر عمدا فهو رجل سوء، ولا ينبغي أن تقبل له شهادة، وأراد المبالغة في تأكيده لما قد ورد فيه من الأحاديث في الأمر به، والحث عليه " انتهى بتصرف ([69]).

وسئل علماء اللجنة الدائمة: هل صلاة الوتر واجبة وهل الذي يصليها يوماً ويتركها اليوم الآخر يؤاخذ ؟

فأجابوا :

" صلاة الوتر سنة مؤكدة، ينبغي أن يحافظ المؤمن عليها، ومن يصليها يوما ويتركها يوما لا يؤاخذ، لكن ينصح بالمحافظة على صلاة الوتر ثم يشرع له أن يصلي بدلها من النهار ما فاته شفعا ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك، كما ثبت عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا شغله نوم أو مرض عن صلاة الليل صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة. خرجه مسلم في صحيحه، وكان صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل غالبا إحدى عشرة ركعة، يسلم من كل اثنتين ويوتر بواحدة، فإذا شغل عن ذلك بنوم أو مرض صلى من النهار اثنتي عشرة ركعة، كما ذكرت ذلك رضي الله عنها، وعلى هذا إذا كانت عادة المؤمن في الليل خمس ركعات فنام عنها أو شغل عنها بشيء شُرع له أن يصلي من النهار ست ركعات يسلم من كل اثنتين، وهكذا إذا كانت عادته ثلاثا صلى أربعا بتسليمتين، وإذا كانت عادته سبعا صلى ثمان يسلم من كل اثنتين" انتهى ([70]).  

المسألة الثانية: وقت الوتر:

يبدأ من بعد صلاة العشاء، ولو كانت مجموعة إلى المغرب تقديماً، إلى طلوع الفجر؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَمَدَّكُمْ بِصَلاةٍ وهي الْوِتْرُ جَعَلَهُ اللَّهُ لَكُمْ فِيمَا بَيْنَ صَلاةِ الْعِشَاءِ إِلَى أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ) ([71]).

فإذا طلع الفجر خرج وقتها، بدليل قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَوْتِرُوا قَبْلَ أَنْ تُصْبِحُوا) ([72]).

وروى مسلم: عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (بَادِرُوا الصُّبْحَ بِالْوِتْرِ) ([73]).

وروى مسلم: أن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (الْوِتْرُ رَكْعَةٌ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ) ([74]).

وروى الترمذي: عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ فَقَدْ ذَهَبَ كُلُّ صَلَاةِ اللَّيْلِ وَالْوِتْرُ، فَأَوْتِرُوا قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ) ([75]).

وروى البخاري ومسلم: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (صَلَاة اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خَشِيَ الصُّبْحَ صَلَّى وَاحِدَةً فَأَوْتَرَتْ لَهُ مَا صَلَّى) ([76]).

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "فدل على أن الوتر ينتهي وقته بطلوع الفجر، ولأنه صلاة تختم به صلاة الليل فلا تكون بعد انتهائه" ([77]).

وذهب بعض العلماء إلى أن وقته يمتد بعد طلوع الفجر حتى يصلي الصبح ، واستدلوا بما ورد عن بعض الصحابة أنهم صلوا الوتر بعد طلوع الفجر وقبل إقامة الصلاة .

قال ابن رشد القرطبي رحمه الله :"وأما وقته -أي: الوتر-: فإن العلماء اتفقوا على أن وقته من بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر لورود ذلك من طرق شتى عنه عليه الصلاة والسلام، ومن أثبت ما في ذلك ما خرجه مسلم عن أبي نضرة العوفي أن أبا سعيد أخبرهم أنهم سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن الوتر فقال ‏(‏الوتر قبل الصبح)‏، ‏واختلفوا في جواز صلاته بعد الفجر، فقوم منعوا ذلك، وقوم أجازوه ما لم يصل الصبح، وبالقول الأول قال أبو يوسف ومحمد بن الحسن صاحبا أبي حنيفة وسفيان الثوري، وبالثاني قال الشافعي ومالك وأحمد‏.‏ وسبب اختلافهم معارضة عمل الصحابة في ذلك بالآثار ...

والذي عندي في هذا: أن هذا من فعلهم ليس مخالفا للآثار الواردة في ذلك - أعني: في إجازتهم الوتر بعد الفجر - بل إجازتهم ذلك هو من باب القضاء لا من باب الأداء، وإنما يكون قولهم خلاف الآثار لو جعلوا صلاته بعد الفجر من باب الأداء فتأمل هذا ... " ([78]).

وقال الشيخ ابن باز رحمه الله :"والأحاديث في هذا الباب كثيرة، وهي دالة على أن الوتر ينتهي بطلوع الفجر" ([79]).

وأفضل وقت لصلاة الوتر:

آخر الليل لمن طمع أن يقوم من آخره؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (مَنْ خَافَ أَنْ لا يَقُومَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ فَلْيُوتِرْ أَوَّلَهُ وَمَنْ طَمِعَ أَنْ يَقُومَ آخِرَهُ فَلْيُوتِرْ آخِرَ اللَّيْلِ فَإِنَّ صَلاةَ آخِرِ اللَّيْلِ مَشْهُودَةٌ وَذَلِكَ أَفْضَلُ) ([80]).

قال النووي رحمه الله: "وهذا هو الصواب، ويُحمل باقي الأحاديث المطلقة على هذا التفضيل الصحيح الصريح، فمن ذلك حديث: (أوصاني خليلي أن لا أنام إلا على وتر). وهو محمول على من لا يثق بالاستيقاظ" ([81]).

 

المسألة الثالثة: عدد ركعات الوتر:

أقل الوتر ركعة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الْوِتْرُ رَكْعَةٌ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ)([82])، وقوله عليه الصلاة والسلام: (صَلاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمْ الصُّبْحَ صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً تُوتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى) ([83]).

ويجوز الوتر بثلاث وبخمس وبسبع وبتسع وبأحد عشر.

فإن أوتر بثلاث فله صفتان كلتاهما مشروعة ([84]):

الأولى: أن يسرد الثلاث بتشهد واحد؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: "كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يسلّم في ركعتي الوتر"، وفي لفظ: " كان يوتر بثلاث لا يقعد إلا في آخرهن" ([85]).  

قال النووي رحمه الله: "رواه النسائي بإسناد حسن، والبيهقي بإسناد صحيح" ([86]).

الثانية: أن يسلّم من ركعتين ثم يوتر بواحدة؛ لما ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما: أنه كان يفصل بين شفعه ووتره بتسليمة، وأخبر أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يفعل ذلك ([87]).

وقال ابن حجر رحمه الله: إسناده قوي([88]).

وأما إذا أوتر بخمس أو بسبع؛ فإنها تكون متصلة، ولا يتشهد إلا تشهداً واحداً في آخرها ويسلم، لحديث أم سلمة رضي الله عنها قالت: "كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوتر بخمس وبسبع ولا يفصل بينهن بسلام ولا كلام" ([89]).

روت عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة يوتر من ذلك بخمس لا يجلس في شيء إلا في آخرها ([90]).

وإذا أوتر بتسع فإنها تكون متصلة ويجلس للتشهد في الثامنة، ثم يقوم ولا يسلم ويتشهد في التاسعة ويسلم؛ لما روته عائشة رضي الله عنها: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُصَلِّي تِسْعَ رَكَعَاتٍ لا يَجْلِسُ فِيهَا إِلا فِي الثَّامِنَةِ فَيَذْكُرُ اللَّهَ وَيَحْمَدُهُ وَيَدْعُوهُ ثُمَّ يَنْهَضُ وَلا يُسَلِّمُ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّ التَّاسِعَةَ ثُمَّ يَقْعُدُ فَيَذْكُرُ اللَّهَ وَيَحْمَدُهُ وَيَدْعُوهُ ثُمَّ يُسَلِّمُ تَسْلِيمًا يُسْمِعُنَا" ([91]).

وإن أوتر بإحدى عشرة، فإنه يسلم من كل ركعتين، ويوتر منها بواحدة.

وأدنى الكمال في الوتر: أن يصلي ركعتين ويسلّم، ثم يأتي بواحدة ويسلم، ويجوز أن يجعلها بسلام واحد، لكن بتشهد واحد لا بتشهدين، كما سبق.

فكل هذه الصفات في صلاة الوتر قد جاءت بها السنة، والأكمل أن لا يلتزم المسلم صفة واحدة، بل يأتي بهذه الصفة مرة وبغيرها أخرى.

وقد ظن بعض الناس أن هذه الأحاديث التي ذكرت بعض كيفيات الوتر معارضة لما ثبت في الصحيحين من قول النبي صلى الله عليه وسلم (صَلاَةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى) وليس الأمر كذلك؛ لأن هذا الحديث وارد في صلاة قيام الليل ، وهذه الأحاديث إنما هي في صلاة الوتر .

قال ابن القيم رحمه الله بعد أن ساق أحاديث في أنواع وتره صلى الله عليه وسلم :

" وكلها أحاديث صحاح صريحة لا معارض لها, فَرُدَّتْ هذه بقوله صلى الله عليه وسلم: (صلاة الليل مثنى مثنى) وهو حديث صحيح, ولكن الذي قاله هو الذي أوتر بالتسع والسبع والخمس, وسننه كلها حق يصدق بعضها بعضا, فالنبي صلى الله عليه وسلم أجاب السائل له عن صلاة الليل بأنها: (مَثْنَى مَثْنَى) ولم يسأله عن الوتر، وأما السبع والخمس والتسع والواحدة  فهي صلاة الوتر، والوتر اسم للواحدة المنفصلة مما قبلها وللخمس والسبع والتسع المتصلة, كالمغرب اسم للثلاث المتصلة, فإن انفصلت الخمس والسبع بسلامين كالإحدى عشرة كان الوتر اسما للركعة المفصولة وحدها, كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (صَلاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى, فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمْ الصُّبْحَ أَوْتَرَ بِوَاحِدَةٍ تُوتِرُ لَهُ مَا صَلَّى) فاتفق فعله صلى الله عليه وسلم وقوله، وصدَّق بعضُه بعضاً" انتهى ([92]) .

وصلاة الوتر من صلاة الليل، ولكنها تخالفها في الكيفية كما سبق بيانه.

المسألة الرابعة: القراءة في الوتر:

يقرأ في الركعة الأولى من الثلاث: سورة (سبح اسم ربك الأعلى) كاملة. وفي الثانية: الكافرون. وفي الثالثة: الإخلاص.

فعن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الْوِتْرِ بِسَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى وَقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ" ([93]).

واستحب بعض الأئمة أن يقرأ المعوذتين بعد سورة الإخلاص في الركعة الثالثة.

قال ابن المنذر رحمه الله: "وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُوتِرَ بِثَلَاثٍ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، قَرَأَ فِي الْأُولَى مِنْهَا بِـ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى، وَفِي الثَّانِيَةِ بِـ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ، ثُمَّ يُسَلِّمُ، وَيَأْتِي بِالرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ، وَيَقْرَأُ فِيهَا قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ" انتهى ([94]) .

واستدلوا بما رواه الترمذي: عن عائشة رضي الله عنها أنها سئلت: بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ يُوتِرُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فقَالَتْ: (كَانَ يَقْرَأُ فِي الْأُولَى بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى، وَفِي الثَّانِيَةِ بِقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ، وَفِي الثَّالِثَةِ بِقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ) ([95]).
وقد صحح هذا الحديث: الحاكم ووافقه الذهبي، وحسنه الحافظ ابن حجر في "نتائج الأفكار" وصححه الألباني في صحيح الترمذي .

وضعفه الإمام أحمد ويحيى بن معين والعقيلي والشوكاني وغيرهم .
قال ابن قدامة رحمه الله: "ويستحب أن يقرأ في ركعات الوتر الثلاث، في الأولى بـ (سبح)، وفي الثانية: (قل يا أيها الكافرون)، وفي الثالثة: (قل هو الله أحد) وبه قال الثوري وإسحاق وأصحاب الرأي، وقال الشافعي: يقرأ في الثالثة: (قل هو الله أحد) والمعوذتين، وهو قول مالك في الوتر ، وقال في الشفع: لم يبلغني فيه شيء معلوم، وقد روي عن أحمد أنه سئل: يقرأ بالمعوذتين في الوتر ؟ قال : ولِمَ لا يقرأ ؟...
وحديث عائشة في هذا لا يثبت، فإنه يرويه يحيى بن أيوب وهو ضعيف ، وقد أنكر أحمد ويحيى بن معين زيادة المعوذتين" انتهى ([96]) .
وقول الإمام أحمد رحمه الله: ولِمَ لا يقرأ ؟ يعني : مع ضعف الحديث، فلا حرج عليه إذا قرأ المعوذتين مع قل هو الله أحد في الركعة الثالثة، وإن كان الأصح أن يقتصر على (قل هو الله أحد) فقط .
وبالرغم من ورود حديث ابن عباس وأبي بن كعب وعائشة رضي الله عنهما في قراءة الرسول صلى الله عليه وسلم هذه السور الثلاثة فقد اختلف العلماء في ذلك  فذهب أبو حنيفة إلى أنه يقرأ في الوتر ما يشاء، وكذا الإمام مالك، في ركعتي الشفع، كما ذكره ابن قدامة عنه، وقد نقلناه آنفاً.
وهو قول بعض التابعين كإبراهيم النخعي رحمه الله، فقد روى عبد الرزاق في "المصنَّف" (3/34) عن إبراهيم النخعي قال: اقرأ فيهن ما شئت، ليس فيهن شيء موقوت". أي: محدد .
وجاء في " المدونة " (1 /212): وقال مالك: الوتر واحدة، والذي أقر به وأقرأ به فيها في خاصة نفسي: (قل هو الله أحد)، و (قل أعوذ برب الفلق )، و (قل أعوذ برب الناس) في الركعة الواحدة مع أمِّ القرآن: قال ابن القاسم: وكان لا يفتي به أحدا، ولكنه كان يأخذ به في خاصة نفسه". انتهى.
وظاهر هذا، أنه لم يثبت شيء عند الإمام مالك رحمه الله في القراءة في الوتر، وإلا كان أفتى به .

ومن أوتر بواحدة، فإنه يقرأ ما شاء بعد الفاتحة، وليس هناك قراءة معينة وردت بها السنة، وإذا قرأ ب" قل هو الله أحد " فلا حرج عليه ([97]).

المسألة الخامسة: دعاء القنوت:

دعاء القنوت يكون في الركعة الأخيرة من صلاة الوتر بعد الركوع، وإن جعله قبل الركوع فلا بأس، إلا أنه بعد الركوع أفضل.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "أكثر الأحاديث والذي عليه أكثر أهل العلم أن القنوت بعد الركوع، وإن قنت قبل الركوع فلا حرج" انتهى ([98]).

والأفضل عدم المداومة على القنوت، بل يقنت الشخص أحيانا ويترك أحيانا.

قال الألباني رحمه الله: "وكان صلى الله عليه وسلم يقنت أحيانا...

وإنما قلنا: "أحيانا" لأن الصحابة الذين رووا الوتر لم يذكورا القنوت فيه، فلو كان صلى الله عليه وسلم يفعله دائما لنقلوه جميعا عنه.

نعم، رواه أبي بن كعب وحده، فدل على أنه كان يفعله أحيانا" انتهى([99]).

وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: " ثبت عن أبي ابن كعب رضي الله عنه حين كان يصلي بالصحابة رضي الله عنهم في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يترك القنوت بعض الليالي، ولعل ذلك ليعلم الناس أنه ليس بواجب" انتهى ([100]).

أما الإطالة في الدعاء فقد قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "الصحيح ألا يكون غلو ولا تقصير، فالإطالة التي تشق على الناس منهي عنها ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما بلغه أن معاذ بن جبل أطال الصلاة في قومه غضب عليه غضباً شديداً لم يغضب في موعظة مثله قط، وقال لمعاذ بن جبل: (يا معاذ أفتان أنت) ([101])، فالذي ينبغي أن يقتصر على الكلمات الواردة أو يزيد قليلا ولا يشق.

ولا شك في أن الإطالة شاقة على الناس وترهقهم، ولاسيما الضعفاء منهم، ومن الناس من يكون وراءه أعمال، ولا يحب أن ينصرف قبل الإمام ويشق عليه أن يبقى مع الإمام، فنصيحتي لإخواني الأئمة أن يكونوا بين بين، كذلك ينبغي أن يترك الدعاء أحياناً حتى لا يظن العامة أن الدعاء واجب" ([102]) .

 

المسألة السادسة: حكم التطوع بعد الوتر

يستحب أن تكون آخر صلاة من الليل، هي الوتر؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرًا) ([103]) ، والأمر في الحديث على سبيل الاستحباب والأفضلية وليس على سبيل الوجوب والإلزام؛ لما ثبت في صحيح مسلم: عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كان يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بعد الوتر وَهُوَ جَالِسٌ ([104]).

قال الشيخ ابن باز رحمه الله:

"والحكمة في ذلك -والله أعلم- أن يبين للناس جواز الصلاة بعد الوتر" انتهى ([105]).

ومن أحب أن يوتر من آخر الليل، فإنه يقوم بعد سلام الإمام فيصلي ركعة ثم يسلم.

فقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: بعض الناس إذا صلى مع الإمام الوتر وسلم الإمام قام وأتى بركعة ليكون وتره آخر الليل، فما حكم هذا العمل ؟ وهل يعتبر انصرف مع الإمام؟

فأجاب: "لا نعلم في هذا بأساً، نص عليه العلماء، ولا حرج فيه حتى يكون وتره في آخر الليل. ويصدق عليه أنه قام مع الإمام حتى ينصرف" انتهى ([106]).

 

مسائل متفرقة في صلاة التراويح والوتر

1- دعاء الاستفتاح، يكون لكل ركعتين من صلاة التراويح؛ لأن كل تسليمة صلاة مستقلة عن التي قبلها([107]).

2- يستحب أن يقول بعد وتره: "سبحان الملك القدوس رب الملائكة والروح" ثلاثا، ويمد صوته بها في الثالثة؛ لحديث عبد الرحمن بن أبزى رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سلم من الوتر، يقول: "سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، يَرْفَعُ بِالثَّالِثِ صَوْتَهُ"، وزاد الدارقطني: (رب الملائكة والروح) ([108]).

3- لا حرج في الصلاة خلف من يوتر بثلاث ركعات بتشهدين وتسليمة واحدة، كهيئة صلاة المغرب، ولو صلى الشخص خلف غيره ممن لا يوتر على تلك الهيئة، فهذا حسن وأولى([109]).

4- إذا كان الإمام يشرع في التراويح مباشرة بعد العشاء، بحيث لا يستطيع من خلفه أن يصلي سنة العشاء، فالمأموم في هذه الحال بالخيار:

أ. إما أن يؤخِّر راتبة العشاء بعد صلاة التراويح على أن لا يتعدى الوقت نصف الليل؛ لأنه به ينتهي وقت العشاء وراتبتها.

ب. أو يصلِّي راتبة العشاء بين ركعات التراويح أثناء استراحة المصلين أو أثناء إلقاء موعظة، ولا يدخل هذا في نهي بعض أهل العلم عن التنفل بين ركعات التراويح؛ لأن هذه الصلاة راتبة ليست نفلاً مطلقاً.

ج. أو يصليهما أول ركعتين من التراويح بنية راتبة العشاء ([110]).

5-صلاة المرأة للتراويح في بيتها، أفضل؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (لا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمْ الْمَسَاجِدَ وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ) ([111])، لكن لو خشيت من أن تكسل عن الصلاة بمفردها، فالأفضل لها في هذه الحال أن تصلي في المسجد مع الجماعة.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "صلاتها التراويح في البيت أفضل، لكن إذا كانت صلاتها في المسجد أنشط لها وأخشع لها، وتخشى إن صلت في البيت أن تضيع صلاتها، فقد يكون المسجد هنا أفضل " انتهى([112]).

6-البلاد التي يتأخر فيها وقت العشاء، هل لهم أن يصلوا التراويح قبل العشاء؟

قال الشيخ البراك حفظه الله: "لا يجوز لهم أداء صلاة التراويح قبل صلاة العشاء ودخول وقتها.

ولكن نظرا لتأخر وقت دخول العشاء عندهم: يجوز لهم الجمع بين صلاتي المغرب والعشاء جمع تقديم، ثم يصلون التراويح بعد ذلك " انتهى([113]).

7-تستحب صلاة التراويح والوتر للمسافر كما تستحب للمقيم؛ لمواظبته صلى الله عليه وسلم عليهما في السفر والحضر، قال ابن القيم رحمه الله: "ولم يكن صلى الله عليه وسلم يدع قيام الليل حضرا ولا سفرا " انتهى([114]) .

8- لا حرج في تتبع المساجد؛ طلبا للصوت الحسن([115]).

9- بعض الناس يظن أن الشفع هو سنة العشاء البعدية، وليس الأمر كذلك.

قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: "سنة العشاء البعدية وهي ركعتان، خلاف الشفع والوتر" انتهى([116]).

10-يجوز للمأموم أن لا يحدد عدد ركعات الوتر، ويجعل ذلك تابعا لصلاة الإمام.

فلو نوى المأموم أن يصلي ركعتين من الوتر على أنه سيأتي بركعة مفردة بعدهما، ولكن الإمام صلى ثلاثا متصلة بتسليمة واحدة: فالمأموم في هذه الحال يغير نيته الأولى، وينوي وصل الوتر، ويتابع إمامه في هذه الحال.

قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: "وإذا نوى الوتر فهو على نيته، سواء سرد الإمام الثلاث جميعاً، أو سلم بالركعتين ثم أتى بالثالثة؛ لأن الركعتين اللتين تسبق الواحدة: هي من الوتر، لكنه وتر مفصول، وإذا سرد الثلاث جميعاً بتشهد واحد فهو وتر موصول، وكلاهما جائز" انتهى([117]).

11-الوتر بثلاث ركعات مفصولة، أفضل من الوتر بمثله من العدد متصلا؛ لأن الفصل فيه زيادة عمل وعبادة. قال النووي رحمه الله: "وَإِذَا أَرَادَ الْإِتْيَانَ بِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ: الْأَفْضَلَ أَنْ يُصَلِّيَهَا مَفْصُولَةً بِسَلَامَيْنِ لِكَثْرَةِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِيهِ وَلِكَثْرَةِ الْعِبَادَاتِ.. "([118]).

12- إذا كان المصلي في الوتر وأذن الصبح، فإنه يتم وتره ولا يقطعه.

سُئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: " عن رجل يصلي الوتر وأثناء صلاته أذن المؤذن لصلاة الفجر، فهل يتم صلاته؟ فأجاب فضيلته بقوله: نعم، إذا أذن وهو أثناء الوتر؛ فإنه يتم صلاته ولا حرج عليه" ([119]).

13-لا يجب في دعاء القنوت أن يكون باللفظ الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل يجوز للمصلي أن يدعو بغيره أو يزيد عليه ([120]).

14- لا مانع من إلقاء الإمام بعض الدروس والكلمات بين ركعات التراويح، والأحسن أن لا يداوَم عليه، خشية أن يعتقد الناس أنه جزء من الصلاة، وخشية من اعتقادهم وجوبه حتى إنهم قد ينكرون على من لم يفعله.

قال الشيخ عبد الله الجبرين رحمه الله: "... وحيث إنَّ الناس في هذه الأزمنة يخففون الصلاة، فيفعلونها في ساعة أو أقل: فإنه لا حاجة بهم إلى هذه الاستراحة، حيث لا يجدون تعباً ولا مشقة؛ لكن إن فصل بعض الأئمة بين ركعات التراويح بجلوس، أو وقفة يسيرة للاستجمام، أو الارتياح: فالأولى قطع هذا الجلوس بنصيحة أو تذكير، أو قراءة في كتاب مفيد، أو تفسير آية يمرّ بها القارئ، أو موعظة، أو ذكر حكم من الأحكام، حتى لا يخرجوا أو لا يملّوا، والله أعلم" ([121]).

 

[1] رواه البخاري (37)، ومسلم (759).

[2] ينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (2730).

[3] "الموسوعة الفقهية الكويتية" (34/118).

[4] "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (13/262-264).

[5] رواه البخاري (990) ومسلم (749(.

[6] رواه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط"، وضعفه الألباني في "ضعيف الترغيب والترهيب" (365).

[7] رواه أبو يعلى، وضعفه الألباني في "ضعيف الترغيب والترهيب" (364).

[8] "فيض القدير" (6/173).

[9] ينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (52875)، (337318).

[10] رواه البخاري (1129) ومسلم (761).

[11] رواه الترمذي (806)، وصححه الألباني في صحيح الترمذي.

[12] رواه البخاري (2010).

[13] "المجموع" (3/526).

[14] "مجالس شهر رمضان" (ص 22).

[15] "قيام رمضان" (ص21). 

[16] "اقتضاء الصراط المستقيم" (2/ 95-97).

[17] "جامع العلوم والحكم" (2/783(.

[18] صلاة التراويح (ص 50)، ينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (230276)، (45781)، (183220).

[19] ينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (50070 ) في ثواب قيام الليل.

[20] رواه البخاري (37)، ومسلم (759).

[21] ينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم : (48957 ).

[22] رواه البخاري (1901)، ومسلم (759).

[23] رواه مسلم (1175).

[24] شرح النووي على مسلم (8/71).

[25] "المجموع" (3/526)، ينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم : (37768 ).

[26] "المغني" (2/ 125).

[27] "الشرح الممتع " (4/60، 61).

[28] ينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (50547 ).

[29] ينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (292307 ).

[30] "كشاف القناع" (1/426).

[31] "المصابيح في صلاة التراويح" (ص/4)، وينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (9036 ).

[32] "مجموع فتاوى ابن باز" (11/322).

[33] رواه الترمذي (806) وصححه الألباني في صحيح الترمذي (646).

[34] "الشرح الممتع" (4 /73 –75).

[35] رواه البخاري (1909) ومسلم (738).

[36] رواه البخاري (946) ومسلم (749).

[37] "المبسوط" (2/ 145).

[38] "المغني" (1/457).

[39] "المجموع" (4/31).

[40] انظر: "المغني" (2/604)، و"المجموع" (4/32).

[41] "الاختيارات" ص (64).

[42] "فتاوى اللجنة الدائمة-المجموعة الثانية" (6/82).

[43] ينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، في جواب السؤال رقم: (38021 ).

[44] "المجموع" (3/526).

[45] "الدرر السنية" (4/364)، ينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (109768 )، (293059 ). 

[46] رواه البخاري معلقاً (1/245)، وينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (69670 ).

[47] "المجموع" (4/27) بتصرف.

[48] رواه البخاري (494) ومسلم (543).

[49] "فتاوى إسلامية" (1/341).

[50] ينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (52876 )، (10067 ).

[51] "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (11 /340 – 341) .

[52] فتاوى الشيخ محمد بن صالح العثيمين لمجلة الدعوة العدد 1771 ص 45.

[53] ينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (79136 ).

[54] "المغني" (2/30).

[55] "فتاوى اللجنة الدائمة" (7/402).

[56] "مجموع فتاوى ابن باز" (30/30)، وينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (189426 ).

[57] "لقاء الباب المفتوح لابن عثيمين"، ينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (93808 ).

[58] رواه الترمذي (806) وصححه، وأبو داود (1375)، والنسائي (1605)، وابن ماجه (1327)، وصححه الألباني في "صحيح الترمذي"، ينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (153247 )، (93907 ).

[59] "مجموع فتاوى ابن باز" (11/325).

[60] "فتاوى الشيخ ابن جبرين" (24 /9).

[61] "اللقاء المفتوح" (176/ 16)، ينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (314180 ).

[62] "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (14/207)، ينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (232790 )، (93907 ).

[63] رواه البخاري (1891) ومسلم (11)، وينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (36793 ).

[64] "شرح النووي على مسلم" (1/169).

[65] "فتح الباري" (1/107).

[66] رواه مسلم (754).

[67] رواه أبو داود (1416)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود .

[68] رواه البخاري (1000) ومسلم (700).

[69] "المغني" (1/827).

[70] "فتاوى اللجنة الدائمة" (7/172).

[71] رواه الترمذي (425) وصححه الألباني، وينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (32577 )، ورقم: (65692 ).

[72] رواه مسلم (754).

[73] رواه مسلم (750).

[74] رواه مسلم (752).

[75] رواه الترمذي (469)، وصححه الألباني في صحيح الترمذي.

[76] رواه البخاري ومسلم (472) ومسلم (749).

[77] "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (14/115).

[78] "بداية المجتهد" (1 /147، 148).

[79] "فتاوى الشيخ ابن باز" (11/306).

[80] رواه مسلم (755).

[81] "شرح النووي على مسلم" (3/277).

[82] (29) رواه مسلم (752).

[83] رواه البخاري (911) ومسلم (749).

[84] ينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (46544 ).

[85] رواه النسائي (3/234) والبيهقي (3/31).

[86] المجموع" (4/7).

[87] رواه ابن حبان (2435).

[88] "فتح الباري" (2/482).

[89] رواه النسائي (1714)، وصححه الألباني في "صحيح النسائي".

[90] رواه مسلم (737).

[91] رواه مسلم (746).

[92] "إعلام الموقعين" (2/424، 425)، ينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم : (66652 ).

[93] رواه النسائي (1729)، وصححه الألباني في "صحيح النسائي".

[94] "الأوسط" (5/187).

[95] رواه الترمذي (463)، وصححه الألباني في صحيح الترمذي.

[96] "المغني" (2/599)، ينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (112638 ).

[97] ينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (112638 ).

[98] "الشرح الممتع " (4/65)، وينظر موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب رقم: (14093 )، (14093 ).

[99] "صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم" (ص160)، ينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (289048 ).

[100] "فتاوى إسلامية " (2/159).

[101] رواه البخاري (6106)، ومسلم (465).

[102] "مجموع فتاوى ورسائل العثيمين" (14/136).

[103] رواه البخاري (998) ومسلم (751).

[104] رواه مسلم (738).

[105] ينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم (37729 ).

[106] "مجموع فتاوى ابن باز " (11/312)، ينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب رقم (65702 ).

[107] ينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (66558 ).

[108] ينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (221433 )، (14093 ).

[109] ينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (165761 )، (66613 ).

[110] ينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (222751 ).

[111] رواه أبو داود (567)، وصححه الألباني في "إرواء الغليل".

[112] اللقاء الشهري لابن عثيمين، وينظر جواب السؤال رقم (222751 ).

[113] ينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (220828 )، ورقم: (292307 ).

[114] "زاد المعاد" (1/311)، ينظر موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (79593 )، (208 ).

[115] ينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (106530 )، (108614 ).

[116] "فتاوى اللجنة الدائمة" (7/255)، ينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (72246 ).

[117] "جلسات رمضانية "، ينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (274276 ).

[118] " المجموع شرح المهذب" (4/13)، ينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (274276 ).

[119] "مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين" (14/115)، ينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (295615 )، (65692 ).

[120] "الموسوعة الفقهية" (34/63)، ينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم : (9061 ).

[121] "الإجابات البهية في المسائل الرمضانية" (السؤال الثاني)، ينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (250931 )، ورقم: (38025 ).