عصمة الأنبياء

16-07-2003

السؤال 42216

أود أن أسال عن العقيدة، هل من عقيدتنا الإيمان بصدور الذنب عن الأنبياء وأنهم غير معصومين؟

ملخص الجواب:

الأنبياء معصومون في التبليغ عن الله تبارك وتعالى، فلا يكتمون شيئاً مما أوحاه الله إليهم، ولا يزيدون عليه من عند أنفسهم. أما بالنسبة للأنبياء كأناس يصدر منهم الخطأ، فهو على حالات: 1- عدم الخطأ بصدور الكبائر منهم: 2- الأمور التي لا تتعلق بتبليغ الرسالة والوحي: 3- الخطأ في بعض الأمور الدنيوية بغير قصد. فهذه انظر تفصيله في الجواب المطول.

الجواب

الحمد لله.

عصمة الأنبياء

الأنبياء هم صفوة البشر، وهم أكرم الخلق على الله تعالى، اصطفاهم الله تعالى لتبليغ الناس دعوة لا إله إلا الله، وجعلهم الله تعالى الواسطة بينه وبين خلقه في تبليغ الشرائع، وهم مأمورون بالتبليغ عن الله تعالى، قال الله تعالى: أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين الأنعام/89.

والأنبياء وظيفتهم التبليغ عن الله تعالى مع كونهم بشرا، ولذلك فهم بالنسبة للأمر المتعلق بالعصمة على حالين:

عصمة الأنبياء في تبليغ الدين

أما بالنسبة لعصمة الأنبياء في تبليغ الدين، فإن الأنبياء معصومون في التبليغ عن الله تبارك وتعالى، فلا يكتمون شيئاً مما أوحاه الله إليهم، ولا يزيدون عليه من عند أنفسهم، قال الله تعالى لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم-: يأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس المائدة /67، وقال تعالى: ولو تقول علينا بعض الأقاويل * لأخذنا منه باليمين * ثم لقطعنا منه الوتين * فما منكم من أحد عنه حاجزين الحاقة /47 - 44.

وقال تعالى: وما هو على الغيب بضنين التكوير /24، قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي - رحمه الله- في تفسير هذه الآية: "وما هو على ما أوحاه الله إليه بشحيح، يكتم بعضه، بل هو - صلى الله عليه وسلم- أمين أهل السماء، وأهل الأرض، الذي بلغ رسالات ربه، البلاغ المبين، فلم يشح بشيء منه، عن غني ولا فقير، ولا رئيس ولا مرؤوس، ولا ذكر ولا أنثى، ولا حضري ولا بدوي، ولذلك بعثه الله في أمة أمية جاهلة جهلاء، فلم يمت – صلى الله عليه وسلم – حتى كانوا علماء ربانيين، إليهم الغاية في العلوم..." انتهى.

فالنبي في تبليغه لدين ربه وشريعته لا يخطأ في شيء البتة لا كبير ولا قليل، بل هو معصوم دائماً من الله تعالى.

قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله-  "فتاوى ابن باز" (6/371):

" قد أجمع المسلمون قاطبة على أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ولاسيما محمد - صلى الله عليه وسلم- معصومون من الخطأ فيما يبلغونه عن الله عز وجل، قال تعالى: والنجم إذا هوى * ما ضل صاحبكم وما غوى * وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى * علمه شديد القوى (النجم /1-5)، فنبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-  معصوم في كل ما يبلغ عن الله قولاً وعملاً وتقريراً، هذا لا نزاع فيه بين أهل العلم" انتهى.

وقد اتفقت الأمة على ‏أن الرسل معصومون في تحمل الرسالة، فلا ينسون شيئا مما أوحاه الله إليهم، إلا شيئا قد ‏نسخ، وقد تكفل الله جل وعلا لرسوله - صلى الله عليه وسلم- أن يقرئه فلا ينسى، إلا شيئاً ‏أراد الله أن ينسيه إياه وتكفل له بأن يجمع له القرآن في صدره. قال تعالى: سنقرئك فلا ‏تنسى إلا ما شاء الله الأعلى /6-7، وقال تعالى: إن علينا جمعه وقرآنه * فإذا قرأناه فاتبع ‏قرآنه القيامة /17-18.

قال شيخ الإسلام رحمه الله "مجموع الفتاوى" (18/ 7):

"فإن الآيات الدالة على نبوة الأنبياء دلت على أنهم معصومون فيما يخبرون به عن الله عز وجل فلا يكون خبرهم إلا حقاً، وهذا معنى النبوة وهو يتضمن أن الله ينبئه بالغيب وأنه ينبئ الناس بالغيب، والرسول مأمور بدعوة الخلق وتبليغهم رسالات ربه" انتهى.

عصمة الأنبياء من الأخطاء البشرية

بالنسبة للأنبياء كأناس يصدر منهم الخطأ، فهو على حالات:

أما كبائر الذنوب فلا تصدر من الأنبياء أبدا وهم معصومون من الكبائر ، سواء قبل بعثتهم أم بعدها.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - "مجموع الفتاوى" (4/ 319):

"إن القول بأن الأنبياء معصومون عن الكبائر دون الصغائر هو قول أكثر علماء الإسلام، وجميع الطوائف... وهو أيضا قول أكثر أهل التفسير والحديث والفقهاء، بل لم يُنقل عن السلف والأئمة والصحابة والتابعين وتابعيهم إلا ما يوافق هذا القول" انتهى.

وأما صغائر الذنوب فربما تقع منهم أو من بعضهم، ولهذا ذهب أكثر أهل العلم إلى أنهم غير معصومين منها، وإذا وقعت منهم فإنهم لا يُقرون عليها بل ينبههم الله تبارك وتعالى عليها فيبادرون بالتوبة منها.

والدليل على ‏وقوع الصغائر منهم مع عدم إقرارهم عليها:‏‏ 

 

وهذا نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - يعاتبه ربه سبحانه وتعالى في أمور ‏ذكرت في القرآن، منها:

 

فقد روى مسلم في صحيحه (4588) "قال ابن عباس: فلما أسروا الأسارى قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر وعمر - رضي الله عنهما -: ما ترون في هؤلاء الأسارى؟ فقال أبو بكر: يا نبي الله! هم بنو العم والعشيرة، أرى أن تأخذ منهم فدية، فتكون لنا قوة على الكفار، فعسى الله أن يهديهم للإسلام، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ما ترى يا ابن الخطاب؟" قال: قلت لا، والله يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما أرى الذي رأى أبو بكر، ولكني أرى أن تمكنا فنضرب أعناقهم، فتمكن عليا من عقيل فيضرب عنقه، وتمكني من فلان - نسيبا لعمر- فأضرب عنقه، فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها، فهوي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما قال أبو بكر، ولم يهو ما قلت، فلما كان من الغد جئت فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر قاعدين وهما يبكيان، قلت: يا رسول الله! أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك؟ فإن وجدت بكاء بكيت، وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أبكي للذي عَرَضَ عليّ أصحابُك من أخذهم الفداء، لقد عُرِض عليّ عذابُهم أدنى من هذه الشجرة (شجرة قريبة من نبي الله) - صلى الله عليه وسلم - وأنزل الله عز وجل: ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض إلى قوله: فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا الأنفال/ 67–69، فأحل الله الغنيمة لهم".

ففي هذا الحديث اتضح أن اختيار النبي صلى الله عليه وسلم للعفو عن الأسرى إنما كان أمرا اجتهاديا منه بعد مشاورة أصحابه، ولم يكن عنده صلى الله عليه وسلم فيه من الله تعالى نص.

قال شيخ الإسلام "مجموع الفتاوى" (4 / 320):

"وعامة ما يُنقل عن جمهور العلماء أنهم (أي: الأنبياء) غير معصومين عن الإقرار على الصغائر، ولا يقرون عليها، ولا يقولون إنها لا تقع بحال، وأول من نُقل عنهم من طوائف الأمة القول بالعصمة مطلقاً، وأعظمهم قولاً لذلك: الرافضة، فإنهم يقولون بالعصمة حتى ما يقع على سبيل النسيان والسهو والتأويل" انتهى.

وقد يستعظم بعض الناس مثل هذا ويذهبون إلى تأويل النصوص من الكتاب والسنة ‏الدالة على هذا و يحرفونها. والدافع لهم إلى هذا القول شبهتان:

الأولى: أن الله تعالى أمر ‏باتباع الرسل والتأسي بهم، والأمر باتباعهم يستلزم أن يكون كل ما صدر عنهم محلاً ‏للاتباع، وأن كل فعل، أو اعتقاد منهم طاعة، ولو جاز أن يقع الرسول صلى الله عليه وسلم في معصية ‏لحصل التناقض، لأن ذلك يقتضي أن يجتمع في هذه المعصية التي وقعت من الرسول ‏الأمر باتباعها وفعلها، من حيث إننا مأمورون بالتأسي به، والنهي عن موافقتها، من ‏حيث كونها معصية.‏

‏وهذه الشبهة صحيحة وفي محلها لو كانت المعصية خافية غير ظاهرة بحيث تختلط ‏بالطاعة، ولكن الله تعالى ينبه رسله ويبين لهم المخالفة، ويوفقهم إلى التوبة منها من غير ‏تأخير.‏

الثانية: أن الذنوب تنافي الكمال وأنها نقص. وهذا صحيح إن لم يصاحبها توبة، فإن التوبة ‏تغفر الذنب، ولا تنافي الكمال، ولا يتوجه إلى صاحبها اللوم، بل إن العبد في كثير من ‏الأحيان يكون بعد توبته خيراً منه قبل وقوعه في المعصية ومعلوم أنه لم يقع ذنب من نبي إلا وقد سارع إلى التوبة والاستغفار، فالأنبياء لا يقرون ‏على ذنب، ولا يؤخرون توبة، فالله عصمهم من ذلك، وهم بعد التوبة أكمل منهم ‏قبلها.‏

وأما الخطأ في الأمور الدنيوية، فيجوز عليهم الخطأ فيها مع تمام عقلهم، وسداد رأيهم، وقوة بصيرتهم، وقد وقع ذلك من بعض الأنبياء ومنهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ويكون ذلك في مناحي الحياة المختلفة من طب وزراعة وغير ذلك.

فقد روى مسلم في صحيحه (6127) عن رافع بن خديج -رضي الله عنه- قَالَ: قَدِمَ نَبِيّ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم- الْمَدِينَةَ، وَهُمْ يَأْبُرُونَ النّخْلَ. يَقُولُونَ يُلَقّحُونَ النّخْلَ. فَقَالَ: مَا تَصْنَعُونَ؟ قَالُوا: كُنّا نَصْنَعُهُ. قَالَ: لَعَلّكُمْ لَوْ لَمْ تَفْعَلُوا كَانَ خَيْراً فَتَرَكُوهُ. فَنَفَضَتْ أَوْ قال: فَنَقَصَتْ. قَالَ: فَذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: إِنّمَا أَنَا بَشَرٌ، إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ دِينِكُمْ فَخُذُوا بِهِ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ رَأْيي، فَإِنّمَا أَنَا بَشَرٌ، وبهذا يكون قد علم أن أنبياء الله تعالى معصومون عن الخطأ في الوحي، ولنحذر ممن يطعنون في تبليغ الرسول صلى الله عليه وسلم، ويشككون في تشريعاته ويقولون هي اجتهادات شخصية من عنده حاشاه صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى: وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى النجم /3-4.

وسئلت اللجنة الدائمة: هل الأنبياء والرسل يخطئون؟

فأجابت:

"نعم، الأنبياء يخطئون، ولكن الله تعالى لا يقرهم على خطئهم بل يبين لهم خطأهم رحمة بهم وبأممهم، ويعفو عن زلتهم، ويقبل توبتهم فضلاً منه ورحمة، والله غفور رحيم، كما يظهر ذلك من تتبع الآيات القرآنية التي جاءت في هذا" اهـ "فتاوى اللجنة الدائمة" (3/194).

والله أعلم.

الإيمان بالرسل
عرض في موقع إسلام سؤال وجواب